من حضر المؤتمر الصحافي لدونالد ترامب واستمر أكثر من ساعة في سنغافورة بعد القمة التاريخية التي جمعته بكيم جونغ أون، رأى سرور الرئيس الأميركي بالتوصل إلى الهدف الذي أراده وهو نزع السلاح النووي لشمالي كوريا وبناء علاقة سلام مع الزعيم الكوري. من كان سماه ترامب يوماً rocketman أو رجل الصواريخ ونعته بالحيوان أصبح أمس مسوؤلاً تشرف ترامب بلقائه. وكان واضحاً أن اهتمامه الأول هو التوصل إلى سلام في منطقة فيها ألوف من الجنود الأميركيين يتمنى ترامب إعادتهم يوماً ما إلى بلدهم ولكن ليس في هذه المرحلة.
وترامب أكد أن رفع العقوبات لن يتم إلا بعد أن يتبلور مسار نزع السلاح النووي. واعترف بأنه وكيم كانا تبادلا كلاماً شديد اللهجة اعتبره الرئيس الأميركي «مفيداً للتقدم والوصول إلى هذه القمة» التي رأى فيها نجاحاً كبيراً. ولم يول اهتماماً كبيراً إلى أن نظام كيم وحشي وقاتل للآلاف. فحتى لو أن الوثيقة التي وقعها الرئيسان لم تتطرق إلى برنامج صواريخ كوريا الشمالية ولا إلى تغيير نهج نظام كيم بالخرق الوحشي لحقوق الإنسان أصر ترامب على أن القمة نجاح كبير. ورغب في التوضيح خلال المؤتمر في سنغافورة أن إيران الآن تختلف عما كانت منذ أشهر وأنها لم تعد واثقة من نجاحها في سورية وفي أماكن أخرى بعد خروجه من الاتفاق النووي الإيراني. وقال إن العقوبات على إيران عنيفة. وجاء الرد الإيراني عليه محذراً قيادة كيم الكوري بأن ترامب قد يتراجع عن توقيعه الاتفاق معه فور وصوله إلى واشنطن.
لكن وضع إيران بالنسبة إلى ترامب مختلف عن وضع كوريا الشمالية. إذ إن إيران تتمتع بالهيمنة في منطقة الشرق الأوسط بفضل وكلائها في أماكن عديدة من لبنان مع حزب الله وسورية حيث تتواجد قواعد عسكرية ووكلاؤها من حزب الله ومرتزقة أفغان وغيرهم أرسلتهم إلى الساحة السورية وفي اليمن مع الحوثيين والعراق مع ميليشيات الحشد الشعبي. وإيران تهدّد أمن دول أساسية في حلفها مع واشنطن منها إسرائيل من جانب والسعودية من جانب آخر. والعقوبات الاقتصادية على إيران كما وصفها ترامب عنيفة وهي فعلاً كذلك. وقد بدأت الشركات الأميركية تنسحب من إيران. فشركة صناعة الطيران «بوينغ» انسحبت وقد تليها قريباً «آرباص» الأوروبية لأن محركاتها أميركية الصنع ولا يمكنها إلا أن تخضع للقوانين الأميركية. كذلك الأمر مع الشركات الأوروبية منها «توتال» النفطية التي تشتري كميات من النفط الإيراني والتي ستجمد أعمالها في حقل ساوس بارس في إيران لأن مصالحها كبرى في أميركا وهي مدركة أن ترامب لن يعطي أياً كان استثناء للعمل في إيران. فوفق تقارير مختلفة تنفق إيران نحو بليون دولار سنوياً لتمويل حزب الله في حربه في سورية والحوثي في اليمن وحماس والجهاد الإسلامي. وينتقد جزء من الشعب الإيراني علناً هذا التمويل واقتصاد البلد في حالة تدهور. وعلى رغم عنف العقوبات والضغط الأميركي الكبير على إيران من غير المتوقع أن تأتي لحظة مشابهة بين ترامب وخامينئي على غرار ما حصل مثلاً مع كيم في سنغافورة لأن القيادة الإيرانية لم تعان بقدر ما يعاني شعبها من العقوبات.
والسؤال يطرح حول تأثير التقارب الأميركي الكوري في تزويد بيونغ يانغ إيران سلاحاً وصواريخ وفي التعاون الكوري مع إيران في برامجهم النووية والباليستية. فالقمة الكورية الأميركية لا تعد بتقارب أميركي مع إيران طالما الأخيرة تمثل تهديداً لأمن إسرائيل. والبعض يتهكن بالعكس، أي أن أميركا ترامب أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لتنهي الوجود الإيراني في سورية. فهناك بعض الضغوط الروسية على طهران لتقليص تواجدها العسكري في الجنوب السوري قرب الحدود الإسرائيلية. ولكن إيران ترفض ذلك. وصحيح أن ترامب رئيس الصدمات ولكنه ينفذ ما وعد به في حملته الانتخابية التي بناها على شعار «أميركا أولاً» كما دان الاتفاق النووي الإيراني قبل توليه الرئاسة. الآن الكرة في ملعب إيران إذا أرادت أن تخرج من نظام العقوبات وتغير سياساتها في المنطقة وأن تنتهج سياسة لمصلحة الشعب الإيراني. ولكن المجموعة التي تتمتع بالنفوذ في إيران غير مستعدة للتخلي عن مكاسبها وقاسم سليماني في طليعة هذه الفئة التي تجر شعباً كبيراً إلى مأساة ومنطقة الحروب.