لا زالت تبعات قرار وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل بحق المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تسيطر على المشهد الدبلوماسي اللبناني، وتنافس جدلاً الملف الحكومي كلما اجتمع سفير أجنبي بمسؤولٍ لبناني.
أبلغت وزارة الخارجية والمغتربين أمس الأول المفوضية رسمياً قرار باسيل تجميد الإقامات لموظفي المفوضية في لبنان، وما إن تحول هذا القرار من تهديد إلى أمر واقع، حتى انطلقت حملة دبلوماسية لعدد من سفراء الدول الأجنبية، لدعم المفوضية والتصويب على قرار الوزير.
وكأن أمر عمليات جاء لسفراء الاتحاد الأوروبي الذين انتشروا واقعياً وافتراضياً دعما للمفوضية ورداً على قرار باسيل الذي لم يلق استحساناً من المجتمع الدولي، إذ زار سفراء كل من بريطانيا واستراليا وألمانيا وفرنسا وهولندا والولايات المتحدة والنروج وممثلة الاتحاد الأوروبي في لبنان مقر المفوضية.
ونشر السفير البريطاني هوغو شورتر صورة اللقاء وأتبعها بتغريدةٍ قال فيها "دعماً للمفوضية، في عملها لتأمين العودة الطوعية للاجئين السوريين". وهي التغريدة التي قامت سفيرة الاتحاد الاوروبي في لبنان كريستينا لاسن بإعادة نشرها على صفحتها الخاصة عبر تويتر.
كما نشر السفير الاسترالي في لبنان غلين مايلز الصورة ذاتها وأردفها بعبارة داعمة لدور المفوضية قال فيها "دور حيوي في دعم اللاجئين السوريين، تسهم بعودة اللاجئين إلى بلادهم وفق المبادئ المتفق عليها وهي الأفضل للجميع".
وكان لافتاً أيضاً سلسلة اللقاءات التي عقدها هؤلاء مع مسؤولين لبنانيين للغاية نفسها. وسُجل من بين هذه الزيارات التي علم "ليبانون ديبايت" أن السفراء يصرون على استتباعها بأكبر عدد ممكن من اللقاءات مع السياسيين اللبنانيين على أكبر مستوى لنقل مواقف بلادهم الرافضة لإجراءات باسيل، زيارة السفير الفرنسي برونو فوشيه لرئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة. وقام الأول بنشر صورته مع بري عبر تويتر وذيّلها بقوله "اجتماع مع الرئيس نبيه بري الذي أعيد انتخابه على رأس البرلمان". وذكر المواضيع التي تطرق إليها مع بري خلال الزيارة وهي "الحكومة، الحدود، عودة اللاجئين السوريين، والمدارس". وقام فوشيه بإضافة موقع المفوضية على تغريدته عبر ميزة "mention" دلالة منه على أن الزيارة كانت في إطار دعم المفوضية.
كما زار فوشيه الرئيس السابق ميشال سليمان. ومن الزيارات التي دارت في الفلك نفسه زيارة السفير الألماني في لبنان مارتين هوث وسفيرة الاتحاد الاوروبي في لبنان كريستينا لاسن لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وزيارة السفيرة الأميركية إليزابيت ريتشارد لوزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق، وبحثت معه عدداً من المواضيع، أبرزها ملف النازحين السوريين والحديث عن إعادتهم إلى سوريا.
وبينما رأت أوساط دبلوماسية في هذه الخطوة خروجاً عن البروتوكول الدبلوماسي، ومخالفة صريحة لقواعد احترام قوانين الدول المضيفة، خفف وزير الخارجية السابق عدنان منصور من وطأة هذه الحملة ووضعها في إطار التعبير عن الرأي.
وأكد منصور في حديثه لـ"ليبانون ديبايت" أن هذا الحراك "ليست تدخلاً في شؤون لبنان الداخلية بمقدار ما هو إعراب عن موقف باعتبار أن المفوضية منظمة دولية، ولكن في المقابل لبنان له موقف واضح، وله الحق باتخاذ القرار المناسب وفقاً لمصالحه".
وعن قرار باسيل، يقول منصور "لا شك أن هناك تقصيراً من جانب المفوضية، وحتى من جانب المجتمع الدولي، فلبنان يعاني من النزوح السوري اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، ويريد عملاً جدياً لإعادة النازحين إلى بلدهم، لكنه لم يلقَ التجاوب الكامل من المعنيين الدوليين. حتى في المساعدات الانسانية التي قُدمت، فلم تقدم المنظمات الدولية إلا جزء بسيط جداً لا يتجاوز 25 إلى 30 في المئة".
ويُسجل على عمل المنظمات الدولية تباطؤ في عملية إعادة النازحين إلى بلدهم، وتخويفهم من العودة والتهويل بما لا يتماشى مع مصلحة لبنان، وفقاً لمنصور الذي رأى في إجراءات باسيل خطوة في تصويب أعمال هذه المنظمة "لبنان ليس تحت رحمة الآخرين، ولا يهولوا علينا كما هولوا على النازحين، فليس لإجراءات الخارجية تداعيات سلبية على لبنان".