بعد التكليف بدا الرئيس سعد الحريري مستعجلاً التأليف، لكنّ تشويش العوامل الخارجية عرقلَ انطلاق القطار الحكومي، فضلاً عن خطوطٍ حمر أخرى وهي بالطبع ليست عقداً مسيحية، حسبما راج في بعض الأوساط السياسية، خصوصاً وأنّ الحريري بعد زيارته الأخيرة للسعودية أدرَك أنّ عدم إرضاء «القوات اللبنانية» ليس بالأمر السهل ويندرج أيضاً ضِمن تلك الخطوط الحمر.
في المقابل بَرز استعجال رئاسي في التأليف في موازاة استعجال مماثل لدى «حزب الله» ردَّه متابعون للشؤون السياسية الخارجية إلى أسباب كثيرة. فالوضع الإقليمي يضغط على الحزب من كلّ الاتجاهات؛ أميركياً، سوريّاً ، روسيّاً، وعراقيّاً، عدا عن الضغوط اللبنانية التي تحضُّه على تحسين صورته الداخلية، فارتأى تصويبَها عبر المشاركة في الحكومة بتولّي حقائب لها رمزيتُها وطابعها الإصلاحي، ولهذه الغاية هو يطالب الآن بإحداث وزارة التخطيط ومحاربة الفساد لتسويق نفسِه بنحوٍ لائق داخلياً للتغطية على تراجُعه الإقليمي، في الوقت الذي تبدو المملكة العربية السعودية متمهّلةً وتأخذ وقتها. عكسَ الحزب الذي يتلمّس اليوم ضرورةَ الإسراع بالتشكيل لأنّ هناك إعادةَ ترسيمٍ جديدة إقليمية في المنطقة ربّما أعادته لدوره اللبناني.
تباين الحريري - باسيل !
تزامُناً بَرز أيضاً موقفٌ لافت لوزير الخارجية جبران باسيل بعد اجتماعه الأخير بالأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله، وكان لافتاً السؤال الذي وجّهه باسيل للحريري وتساؤله لماذا الإبطاء في تشكيل الحكومة، كما أنّ تواصل باسيل مؤخّراً مع الحريري لفتَ نظرَ المراقبين، إذ إنّه يشير إلى تباينٍ بدأ يتظهّر في بعض المواقف أو ربّما أيضاً في العلاقة بين الرَجلين التي قد يكون سببها الظاهري الحقائب الحكومية أمّا الأسباب الأهم فهي ما زالت مكتومة لديهما، ويهمس البعض أنّها ازدادت تأزّماً بعد مرسوم التجنيس، علما أنّ الحريري لا يحبّذ راهناً المواجهة مع أيّ فريق على قاعدة حماية موقعه وحكومته المنتظرة.
مسيحيون أو سنّة
ويبدو أن تريّثِ الحريري في تأليف الحكومة ليس مستنداً حتى الساعة الى موقف سعودي قاطع، وهو ليس في وارد زعزعة علاقته بالمملكة مجدّداً، ولذل فإنه لا يُبدي استعجالاً في التأليف. وتفيد المعلومات إنّه سينتقل من موسكو الى السعودية بعد حضوره افتتاح «المونديال» لقضاء عطلة العيد واستطلاع الموقف السعودي من مجمل التطورات اللبنانية والعربية والدولية. إلّا أنّ السؤال الأهمّ حسب القربين من تيار «المستقبل»: هل يستطيع الحريري تحمُّل تمثيل نوّابِ المعارضة السنّية الـ 10 الذين فازوا في الانتخابات الأخيرة، أم سيَستبدلهم بمسيحيين.؟
تقول مصادر متابعة إنّ الحريري يريد التملّصَ من تمثيل النواب السنّة واستبدالَهم بتمثيل نوّاب مسيحيين معارضين أو وسطيّين، وهو الاحتمال الوارد إذ يمكنه التبرير للنواب السنّة بأنّهم لا يشكّلون تكتّلاً سنّياً صافياً، فكتلة كرامي مثلاً لا تضمّ أربعة نوّاب سنّة لتتمثّلَ بوزير سنّي، بل هي تضمّ أيضاً جهاد الصمد وطوني فرنجية وفريد الخازن وآخرين، كما أنّ هؤلاء النواب السُنّة العشرة من فريق 8 آذار يتوزّعون على كتل ولا يشكّلون بلوكَّاً سنّياً واحداً.
ويتساءل القريبون من «التيار الأزرق»؛ لماذا لا تكون المعارضة داخل الحكومة الحريرية مسيحية بدلاً من أن تكون سنّية، علماً أنّ الحريري، أو «الخارج»، يفضل أن تكون المعارضة داخل «حكومته « مسيحية قريبة من 8 آذار على أن تكون سنّية.
ميقاتي بين عبَيد ونقولا ؟
بدوره، الرئيس نجيب ميقاتي تلقّفَ اللحظة حين تساءَل عن تمثل كتلته المؤلّفة من 4 نوّاب مستقلين لها باعٌ كبير في العمل السياسي والنيابي والحكومي.
وتشير المعلومات تشير إلى أنّ ميقاتي يرحّب فعلياً بتوزير أحد النائبين المسيحيين في كتلته وهما الوزيران جان عبَيد ونقولا نحاس، فعبيد وزير خارجية سابق ومرشّح جدي لرئاسة الجمهورية ولديه شبكة واسعة من العلاقات العربية والدولية فضلاً عن علاقاته الجيّدة مع مختلف الافرقاء السياسيين في فريقي 8 و14 آذار، وإسمُ عبَيد لا يستفزّ الحريري. اما نحاس وزير الاقتصاد السابق، فهو الصديق القريب لميقاتي، وقد يكون توزيرُه يناسب المرحلة الاقتصادية الحرجة التي يمرّ فيها البلد. على أنّ توزير عبيد أو نحّاس لا يستفز الحريري مثلما يستفزه توزير أيُّ نائب أو شخصية سنّية معارضة في «حكومته».
إنّما العقدة تبقى متمثّلةً بالجهات المخوّلة تسمية الوزراء الموارنة والأرثوذكس! فهل ترضى هذه الجهات التنازلَ عن وزير مسيحي من إثنين لفريق المعارضة؟ أم تتمسّك بكل الوزراء المسيحيين وتطلب من الحريري إيجاد المخرج للتمثيل السنّي المعارض؟