وجد البعض أنّ من واجبه الردّ على قول اللواء قاسم سليماني إنّ 74 نائباً من أصل 128 يوالون اليوم «حزب الله»، وانّ الحكومة الآتية ستكون «حكومة مقاومة». لكنّ غالبية الردود على الرجل لم تقدّم أي معلومات من شأنها نَفي ما قاله. وإذ يبقى تحديد الرقم 74 خاضعاً للتدقيق، فإنه صحيح إجمالاً، وبالمعنى السياسي للكلمة.
ربما يكون هناك نواب، من ضمن الـ74، يتحالفون مع «التيار الوطني الحرّ» ووصلوا على لوائحه إلى المجلس، لكنهم لا يحالفون «حزب الله». إلّا أنّ عدد هؤلاء لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وقد يخرجون ليعلنوا أنهم ليسوا حلفاء لـ»الحزب». وكان يمكن لسليماني أن يحدّد 70 نائباً بدلاً من 74! فاقتضى التصويب…
ولكن، على الأرجح، في صفوف النواب الـ54 الآخرين، «الوسطيين» مثلاً، نواب يفضّلون التحالف مع «حزب الله» عند «الحَشْرة». وعدد هؤلاء أيضاً يوازي عدد أصابع اليدين. وفي هذه الحال، قد يكون سليماني أخطأ في العدّ... بالناقص لا بالزايد!
ولذلك، لا قيمة لبعض الردود على سليماني، خصوصاً عندما تأتي من المنخرطين تماماً في الصفقة السلطوية التي يستثمرها «حزب الله» لتكريس حضوره في القرار الوطني.
في أيلول 2014، اعتبر النائب في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، القريب من مرشد الثورة علي خامنئي، أنّ العاصمة اليمنية صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد.
وفي نيسان 2015، أبدى حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة محمود أحمدي نجاد، ارتياحاً الى اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّ إيران باتت تسيطر على 4 عواصم عربية.
وكان سليماني، من جهته، أكد السيطرة الإيرانية على 4 عواصم عربية، فيما أعلن نائبه اللواء إسماعيل قاءاني أنّ «إيران مستمرة في فتح بلدان المنطقة، وأنها بدأت بسيطرتها على كل من أفغانستان والعراق وسوريا وفلسطين، وتتقدم اليوم بنفوذها في بقية بلدان المنطقة».
في تلك الفترات، صدرت أيضاً في بيروت ردود عنيفة على المواقف الإيرانية، علماً أنّ المجلس النيابي اللبناني كان ذا غالبية من 14 آذار و»الوسطيين»، ولم يكن في موقع رئاسة الجمهورية حليفاً لـ«حزب الله».
وأما في سوريا، فكان الإيرانيون و«حزب الله» يخوضون معارك شرسة للدفاع عن مواقع الرئيس بشّار الأسد، ولم يكن الروس قد تدخّلوا ليضمنوا استمرار نفوذه على «سوريا المفيدة».
طبعاً، اليوم بات الأسد مرتاحاً تماماً في سوريا، ويعلن «حزب الله» أنه باقٍ فيها بلا أفق زمني، وسط سكوت تام لخصومه اللبنانيين، يوازيه سكوتهم عن سلاحه وامتلاكه قرار الحرب والسلم.
وبات واضحاً أنّ ما يُفرمل النفوذ الإيراني في سوريا هو فقط الحدّ الذي تريده إسرائيل، ضمن تفاهم على تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط بينها وبين طهران وموسكو وواشنطن.
وأما في لبنان، فنفوذ «حزب الله» يتنامى في شكل واضح. وفي مقاربة بيانية لمعادلات القوة والضعف على الساحة اللبنانية، يتبيّن أنّ الخط البياني لنفوذ «حزب الله» ازداد صعوداً، بقوة، فيما الخط البياني لنفوذ خصومه تراجع نزولاً:
1 - في نهايات 2016، أعلن أحد أبرز أركان 14 آذار، الرئيس سعد الحريري تَخلّيه عن مرشّح هذا الفريق لرئاسة الجمهورية ودعم مرشّح حليف لـ«حزب الله»، هو النائب السابق سليمان فرنجية. وفي المنافسة مع العماد ميشال عون، حاز الثاني على ثقة الحريري. وعلى الأثر، سارَع الدكتور سمير جعجع إلى تبنّي ترشيح عون لرئاسة الجمهورية لئلّا يتعرّض للعزل السياسي. وهكذا، بات موقع الرئاسة مصنّفاً في خانة 8 آذار والتحالف مع «حزب الله».
2 - جاءت حكومة الحريري الأولى متوازنة في الشكل، لكنّ القرارات الاستراتيجية فيها (السياسة الخارجية وقانون الانتخاب وشؤون الأمن والخيارات الاقتصادية الكبرى) بقيت ممسوكة في يد «الحزب» وحلفائه.
3 - حسمت الانتخابات غالبية لحلفاء «حزب الله» في المجلس النيابي. ففي التفاصيل، هناك تنوّع للقوى حول الملفات المختلفة. ولكن، في مفاهيم الأمن والسلاح وقرارات السلم والحرب وتَموضع لبنان الإقليمي، هناك كتلة واحدة كبيرة معروفة يفوق عديدها الـ70 نائباً.
4 - تتنافس الكتل والقوى السياسية على الحصص والمواقع في الحكومة العتيدة، لكنها على الأرجح ستعكس التوازن القائم في المجلس النيابي. ولن يكون من الخطأ قول سليماني إنها ستكون «حكومة مقاومة».
وفي الوقت الضائع بين حكومة راحلة وأخرى آتية، تمّ إمرار مرسوم تجنيس ينبغي التدقيق فيه وفي المستفيدين منه، على كل المستويات.
إذاً، أين يُبالغ سليماني في ما يقوله؟ وفي أيّ حال، هل تكون مواجهة إيران بدفن الرؤوس في الرمال… والانغماس في الصفقات السلطوية؟