جاء تكليف الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة تعبيرًا واضحًا من جميع المكونات السياسية اللبنانية على استمرار التسوية التي انطلقت منها الحكومة السابقة ونجح الجميع في تكريس هذه التسوية كخيار يمكن التأسيس عليه لتجاوز كل العقبات والخلافات، وكان من المتوقع ولادة الحكومة قبل عيد الفطر، إلا أن هذه التوقعات تلاشت على وقع تطورات غير معلنة أولها الدخول السعودي على خط التأليف لقطع الطريق على "حزب الله" ورغبته بتشكيل حكومة وفق رغباته المبنية على نتائج الإنتخابات.
يأتي الدخول السعودي على خط تشكيل الحكومة كسياسة سعودية جديدة أكثر هدوءًا من ذي قبل، وبخلفيات سياسية عدة أبرزها:
أولًا: المساهمة أكثر بتحجيم الدور الإيراني في المنطقة وتكريس هذا المبدأ لبنانيًا بعدما بدأت مفاعيله بالظهور في سوريا.
ثانيًا: تحجيم قدرة "حزب الله" لبنانيًا والحد من تأثيره بعد النتائج التي أفرزتها الإنتخابات النيابية، هذه النتائج التي تتيح للحزب فرض رغباته وإملاءاته في تشكيل الحكومة.
إقرأ أيضًا: قاسم سليماني باللهجة اللبنانية
أعادت المملكة العربية السعودية ترتيب أولوياتها لبنانيًا وسعت إلى مزيد من الاستقطاب لضبط عملية تأليف الحكومة وفق الرغبة السعودية بتقليص نفوذ "حزب الله" وتعويم الحلفاء والظروف باتت ملائمة اليوم أكثر من أي وقت مضى على خلفية ما يجري في المنطقة وسوريا.
إن زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى المملكة ولقائه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بعد قطيعة عشر سنوات بين السعودية وجنبلاط مؤشر كبير على العودة السعودية الى لبنان مع المعلومات المتداولة عن زيارة قريبة لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ووزير الداخلية نهاد المشنوق إلى السعودية، والهدف إعادة وصل ما انقطع وتوحيد الجهود لرسم سياسة جديدة لكبح جماح الحزب ولتشكيل جبهة مضادة قادرة على المواجهة.
والنقطة الأولى على جدول الأعمال السعودي لبنانيًا هي تشكيل الحكومة اللبنانية، وقد أشارت مصادر متابعة أن السعودية ليست مستعجلة على تشكيل الحكومة وأن البرودة المعتمدة من الرئيس الحريري هي برودة مقصودة ومتعمدة وبالتالي فإن التأليف مؤجل ويخضع للإرادة السعودية ومعطيات جديدة متعلقة بالأحداث في سوريا خصوصا تلك الأحداث المتصلة بالدور الإيراني.
كما تأتي الرغبة السعودية بالتأجيل كردّ مقصود على رغبة "حزب الله" بالتأليف السريع للحكومة، ولا شك أن الرئيس الحريري يستجيب للرغبة السعودية وهو يتحضر للسفر إلى روسيا للمشاركة في افتتاح العاب مونديال 2018 ومن المقرر أن يلتقي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، الأمر الذي يشير إلى أن التأليف لم يعد قريباً وقد يستغرق وقتاً كثيراً.