اللافت، أنّ ادّعاءاتٍ كهذه كانت تمرّ مرور الكرام منذ سنوات، لا بل يؤيّدها المجتمع ويدعمها ويشجّع قائلها. إلّا أنها اليوم تتحوّل إلى مادة دسمة ومحط استنكار ورفض على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الإعلام والشارع، وتستقطب ردود أفعال مستنكرة بالآلاف وبسرعة قياسية، ما يجلب لقائلها «فضيحة كبرى» وعاراً حتّى واتّهاماتٍ بالتخلّف والتزمّت، فيسارع إلى الاعتذار حفاظاً على ماء وجهه وليتجنّبَ سخرية المجتمع الدولي بأسره. فأيُّ تعليق يحمل تمييزاً ضد النساء ما عاد مقبولاً عالمياً لا من باب الجدّ ولا من باب المزاح.
تمييز كبير في مجال الطيران
لا تشكل النساء اليوم سوى 6 فقط من بين 280 رئيساً تنفيذياً لشركات الطيران من حول العالم أي حوالى 3 في المئة.
ومن بين 31 عضواً في مجلس إدارة الإتّحاد الدولي للنقل الجوّي امرأتان فقط.
مبادرات عربية وعالمية
جهود حثيثة تبذلها شركات الطيران الكبرى لكسر الصور النمطية واستقطاب نساء إلى قطاع الطيران ونشر المساواة بين الجنسين فيه، بعدما خصّصه الفكر الجماعي للرجال.
وبهدف تشجيع النساء على قيادة الطائرات وتبوُّء مناصب إدارية عليا، نظّمت مجموعة لوفتهانزا الأوروبية مثلاً، رحلات طيران إلى برلين، وأكرا، وأبيدجان بطاقم مؤلّف فقط من نساء ترأسه امرأة بمنصب «كابتن» ومساعدتها، وذلك بمناسبة يوم المرأة العالمي في آذار الفائت.
وعيّنت خطوط بروكسل الجوّية كريستينا فوستر كأوّل امرأة تتولّى قيادة شركة طيران من مجموعة لوفتهانزا، بينما لا يتعدّى عددُ النساء قائدات الطائرات في هذه الشركة الـ 10 في المئة من مجموع القباطنة.
ولم تغب هذه المبادرات المشجِّعة عن بلدان الشرق الأوسط بمناسبة يوم المرأة العالمي 2018 حين سَيّرت شركة الخطوط الجوّية الملكية الأردنية رحلة بين مدينتي عمان والعقبة بطاقم نسائي متكامل مؤلف من خمس فتيات بقيادة الكابتن هديل خمش. وقامت الأردن بمبادرة مماثلة عام 2009 مع الكابتن كارول الربضي.
وتضمّ الخطوط الجوّية الأردنية اليوم 3 فتيات بوظيفة «كابتن» وخمس برتبة مساعدة «كابتن». كما تولّت المرأة في الملكية الأردنية وظائف قيادية رفيعة، من بينها نائبة مدير عام.
رائدات عربيات
يُذكر أنّ النساء يشكّلن عدداً لا بأس به من العاملين في مجال الطيران لو احتسبنا العاملات في مجال بيع التذاكر وتنظيم العمليات على الأرض والمضيفات، لكنّ عددهنّ يتراجع في مراكز الإدارة العليا وعلى صعيد قيادة الطائرات.
عمل المرأة كـ»كابتن» طيران يحتّم عليها النوم خارج منزلها لأيام أثناء سفرها، والانقطاع عن الاتّصال بعائلتها لساعات أثناء الرحلات، وتحمّل مسؤولية مئات الأرواح في الجوّ، وهو لا يلائم الصورة النمطية للمرأة كأم وزوجة وكائن ضعيف التي دأب المجتمع على التمسّك بها ونشرها لسنوات. لكنّ هذا الواقع بدأ ينكسر ولو تدريجاً.
في لبنان، «الكابتن» رولا حطيط هي المرأة الأولى والوحيدة في منصب قائدة طائرة في شركة طيران الشرق الأوسط، إلّا أنّ نساء أخريات دخلن أخيراً هذه الشركة وهنّ يتقدّمن ليصلن يوماً إلى رتبة «كابتن».
وفي الإمارات، يسطع نجم «الكابتن» بخيتة سيف المهيري، أوّل إماراتية في هذا المنصب وتقود طائرة بوينغ 777 منذ العام 2015 في طيران الإمارات. علماً أنّ في الشركات الإماراتية أكثر من امرأة بين عربية وأجنبية بمنصب قائدة طائرة مدنية.
أما الإماراتية مريم المنصوري فنالت شهرة عالمية كونها أوّل إماراتية برتبة رائد طيار في سلاح الطيران الإماراتي. وقد شاركت في التحالف الدولي لمقاتلة داعش في سوريا قائدةً طائرات الـ إف-16 الحربية.
يُذكر أنّ دخول المرأة العربية عالم الطيران كقائدة طائرة مدنية ليس حديثاً، فقد شهدت أراضي مصر انطلاق لطيفة النادي إلى السحاب كأوّل مصرية وعربية وأفريقية تقود طائرة بمفردها عام 1933 وثاني امرأة في العالم تحمل لقب كابتن طيار.
وتضمّ شركة مصر للطيران حالياً 3 سيدات يقدن الطائرات المدنية من بينهن حسناء تيمور أوّل مصرية تحصل على رتبة «كابتن» في الشركة وتقود الطائرات بكافة أنواعها منذ أكثر من عشرين عاماً. علماً أنّ مصر للطيران وظّفت على مدار تاريخها 15 امرأة كقائدة.
وفي العراق أيضاً، لا تُعتبر قيادة النساء للطائرات فكرة غريبة عن المجتمع، حيث كانت جوزفين حداد أوّل عراقية تقود طائرة مدنية برتبة كابتن عام 1949.
وشهد العام الماضي انطلاق «الكابتن» ورتي باكر (27 عاماً) كأوّل عراقية تقود طائرة بوينغ 737 في الخطوط الجوّية العراقية.
قدوة لغد أفضل
هؤلاء النساء العربيات وغيرهن يشكّلن قدوةً ومثالاً لجيل جديد من النساء يغزو مجال الطيران ويطيح بسيطرة الرجال عليه منذ فجر قيامه، كما يثبتن أنّ النساء قادرات على النجاح في أعلى المراكز وتخطّي أصعب المهمات.