عكس مرسوم التجنيس الذي وقعه رئيسا الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة سعد الحريري، أول تباين بين العهد والبطريرك الماروني بشارة الراعي الذي طالب المسؤولين أمس بسحب مرسوم التجنيس من التداول «لأنه زعزع الثقة بهم».
ورغم انسجام مواقف الرئيس اللبناني إلى حد كبير مع رؤية بكركي، وهي مقر إقامة البطريرك الماروني، للوضع السياسي اللبناني العام، وليس آخره الموقف الموحد حول ضرورة عودة النازحين السوريين، والدفع باتجاه الإسراع بتشكيل الحكومة، إلا أن مرسوم التجنيس عكس تبايناً بين الطرفين، لكنه لم يصل إلى مستوى المواجهة.
وقالت مصادر لبنانية مطلعة على مواقف الطرفين، بأن ما حدث «ليس مواجهة، بل تباين في الرأي وانقطاع في التواصل، لكنه من المؤكد سيكون هناك مخرج قريب للأزمة»، مشيرة إلى أن الانقطاع بين الطرفين ظهر منذ صدور المرسوم.
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» بأن «البطريرك الراعي فوجئ بالمرسوم ولم يكن على بيّنة قبل صدوره»، واستوضح الراعي حول صدور المرسوم من «المؤسسة المارونية للانتشار» التي ينسق دائماً معها. وإذ جددت المصادر تأكيدها أن ما حصل «لا يتعدى كونه تبايناً بالرأي والموقف»، قالت بأن «شخصية مارونية مقربة من الطرفين تعمل على إيضاح الملابسات وتقريب وجهات النظر للوصول إلى مخرج يحدّ من التوتر المتصاعد بين البطريرك الراعي والرئيس عون»، والذي عبرت عنه التصريحات الأخيرة للبطريرك الراعي التي هاجم فيها مرسوم التجنيس والمجنسين فيه.
وطالب الراعي أمس المسؤولين «بسحب مرسوم التجنيس لأنه زعزع الثقة بهم، ولأنه مرسوم يصدر على حين غفلة وبأسماء مشبوهة لا تشرف الجنسية اللبنانية»، فيما «المراجعة دائمة بتطبيق ما أبطل مجلس شورى الدولة من مرسوم التجنيس الصادر سنة 1994 الذي أوقع خللا ديموغرافيا كبيرا في البلاد». وأشار إلى أنه «يوجد لدى المجلس النيابي قانون إعادة النظر في قانون الجنسية الذي يرقى إلى سنة 1925 في عهد الانتداب الفرنسي، أي قبل عشرين سنة من الميثاق الوطني والاستقلال التام، كما أنه «يتواجد على أرض لبنان أكثر من نصف سكانه الغرباء والأجانب»، «وتتكدس لدى وزارتي الخارجية والداخلية الألوف من الملفات الخاصة بمنتشرين من أصل لبناني يطالبون باستعادة جنسيتهم اللبنانية».
وشهدت الساحة اللبنانية جدلاً سياسيا واجتماعياً واسعاً بسبب مرسوم أصدره الرئيس عون يمنح بموجبه الجنسية اللبنانية لنحو 300 شخص، ويشمل عددا من المتمولين السوريين المقربين من الرئيس بشار الأسد. ورغم كون إصدار مرسوم من هذا النوع يعد من صلاحيات الرئيس اللبناني، إلا أنه تعرض لانتقادات واسعة من سياسيين ومواطنين من عدة تيارات.
وخلافاً لقضية مرسوم التجنيس الأخير، لم تُسجل تباينات بين العهد وبكركي، في وقت يعتبر البطريرك الراعي داعماً لسياسة الرئيس عون تجاه ملفات أساسية، أهمها في الوقت الحاضر، قضية النازحين السوريين.
وطالب الراعي الحكومة اللبنانية، خلال افتتاحه أعمال السينودس في بكركي، بـ«توحيد الكلمة في العمل على عودة النازحين السوريين إلى وطنهم وبيوتهم وممتلكاتهم»، مطالباً أيضا المجتمع الدولي بمساعدتهم على ترميم بيوتهم. وشدد الراعي على أنه «من الواجب تشجيعهم على هذه العودة الكريمة لا تخويفهم لأغراض سياسية. وإلا وقعوا ضحية حربَين: حربٍ دمرت أرضهم وجنى عمرهم، وحرب تدمر ثقافتهم وتاريخهم وحضارتهم، وهذه إبادة لهم. ثم إن كرامتهم تأبى أن يصيروا عبئا على لبنان الذي استقبلهم بكل عاطفة إنسانية وتضامن».
وكان الراعي طالب باسم الشعب اللبناني «بتأليف الحكومة الجديدة في أسرع ما يمكن، بروح المسؤولية الوطنية الخطيرة، بعيدا عن حسابات المحاصصة الخاصة، حكومة قادرة على إجراء الإصلاحات المطلوبة على مستوى الهيكليات والقطاعات، كشرط لنيل المساعدات المالية، من هبات وقروض ميسرة، تقررت في مؤتمري روما وباريس من أجل النهوض الاقتصادي الكفيل بإخراج اللبنانيين من حال الفقر والعوز، وبتأمين فرص عمل لأجيالنا المثقفة الطالعة».