قدَّم الرئيس المكلّف سعد الحريري إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس تصوّراً لنسبة الحصص الوزارية في الحكومة العتيدة، وذلك قبل ان تدخل مشاورات التأليف في ثلاجة الانتظار بفِعل سفر الحريري الى موسكو لحضور افتتاح مونديال كرة القدم في موسكو، وحلول عطلة عيد الفطر.
وأعلن الحريري بعد لقائه عون أنّهما وضَعا تصوّراً لطريقة تقسيم الحصص الوزارية بين الأفرقاء بما يؤدّي الى تأليف الحكومة في أسرع وقت. وقال: «الحكومة يجب أن تجمع اكبرَ عدد من القوى، لأننا في مرحلة إقليمية صعبة ويجب على كلّ فرد القيام بوظيفته». وأضاف: «الانتخابات انتهت والجميع يحاول إبراز قوّته في هذه الحكومة، وأنا مع التسريع في تأليفها ولستُ مع التسرُّع».
وعلمت «الجمهورية» أنّ الحريري سلّم إلى رئيس الجمهورية أوّلَ تشكيلة مقترَحة تتناول «الحصص» الوزارية للكتل النيابية «الأكثر تمثيلاً»، فإذا تمّ التفاهم على هذه الحصص يتمّ الانتقال الى مرحلة أخرى تتعلق بتوزيع ما تبقّى من مقاعد التشكيلة الثلاثينية وحقائبها على من سمّاهم «الأقلّ تمثيلاً»، على أن يلي ذلك المرحلة الأخيرة، وهي إسقاط الأسماء على الحقائب.
وفي المعلومات أيضاً أنّ التوزيعة التي قدّمها الحريري ضمّت حصص كلّ مِن: رئيس الجمهورية، تكتّل «لبنان القوي»، تيار «المستقبل»، «الثنائي الشيعي»، كتلة «الجمهورية القوية»، الحزب التقدمي الاشتراكي، تيار «المردة»، والمستقلين.
وبلغةِ الأرقام، فقد جاءت هذه التوزيعة كالآتي: 3 وزراء لرئيس الجمهورية و5 من لـ»لبنان القوي» بمن فيهم ممثل حزب الطاشناق، 6 مقاعد شيعية تقسم مناصَفةً بين الثنائي الشيعي حركة «أمل» و»حزب الله»، 4 مقاعد لـ»الجمهورية القوية»، من دون منصب نائب رئيس الحكومة الذي يسمّيه رئيس الجمهورية من فريقه، 5 مقاعد سنّية لتيار «المستقبل» أو من يسمّيهم الحريري زائداً مقعداً مسيحياً بعد تخلّيهِ عن مقعد سنّي لمن يمثّل رئيس الجمهورية، المقاعد الدرزية الثلاثة للنائب وليد جنبلاط ويمكن عندها أن يسمّي الوزير الثالث من خارج ممثلي الحزب التقدمي الاشتراكي، وحقيبة لتيار «المردة».
وعلمت «الجمهورية» أنّ الحريري أبلغَ إلى عون أنه سيسافر خلال الساعات المقبلة الى موسكو لحضور حفلِ افتتاح دورة كأس العالم بكرة القدم، وحضور المباراة الأولى بين فريقي روسيا والسعودية الى جانب ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، على ان ينتقل بعدها مباشرةً من موسكو الى الرياض لتمضيةِ عطلة الفطر مع عائلته المقيمة هناك، وربّما مع القيادة السعودية ايضاً.
وذكرَت مصادر متطابقة أنّ الحريري أبلغ إلى عون أيضاً أنه ستكون له «لقاءات بارزة» على هامش افتتاح المونديال لم تحدَّد مواعيدها بعد، والمتوقع منها لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي وبعض رؤساء الدول الآسيوية والاوروبية.
سليماني والانتخابات
وفي هذه الأجواء، اتّهم قائد «فيلق القدس» التابع لـ»الحرس الثوري الإيراني» اللواء قاسم سليماني، السعودية بإنفاق 200 مليون دولار في الانتخابات النيابية في لبنان، واعتبَر أنّها لم تحصد «سوى الفشل». ورأى أنّ الانتخابات كانت «بمثابة استفتاء، حيث إنّها أقيمت في أجواء اتّهم فيها الجميع «حزب الله» بالتدخّل في سوريا ولبنان والعراق واليمن والمنطقة». وأشار الى أنّ محافظة كرمان ـ جنوب شرق ايران ـ تفوق مساحتها لبنان بنحو 10 إلى 15 ضعفاً، وقال: «إنّ إنفاق 200 مليون دولار في بيئة صغيرة خلال فترة قصيرة ليس بالأمر البسيط، لكن ماذا حدث؟ النتيجة أنّ أوّل شخص فائز في بيروت ينتمي إلى «حزب الله» وبالطبع الشيعة، وذلك للمرّة الأولى في لبنان». واعتبر «أنّ «حزب الله» حصل للمرة الأولى على 74 مقعداً (نيابياً) من أصل 128 مقعداً»، واصفاً ذلك الفوز بـ«النصر الكبير».
الحريري
ولدى سؤال الحريري عن كلام سليماني حول عدد نوّاب «حزب الله» وكأنّ كلامه موجّه إليه من أنّ الحزب يملك عدداً أكثر من العدد الذي يملكه، قال الحريري: «إذا كان المقصود أنّ كتلة «التيار الوطني الحر» هي من ضِمن هذه الحسابات، فأعتقد أنّنا تخطّينا هذا الموضوع، ولا أرغب في الرد على هذا الكلام، ولكن من المؤسف أن يصدر هذا المنطق عن دولة نودّ أن تربطنا بها علاقات من دولة الى أخرى، وإنّ التدخّل في الشأن الداخلي اللبناني أمر لا يصبّ في مصلحة إيران ولا لبنان ولا دول المنطقة. كما أنه إذا خسر البعض في العراق، لا يمكنه أن يظهر وكأنه يحقّق انتصارات في أماكن أخرى».
«القوات»
ومِن جهتها مصادر «القوات اللبنانية» قالت لـ«الجمهورية»: «إنّ أفضل ردّ على ما قاله سليماني هو ما صرَّح به النائب محمد رعد، وبالتالي موقف سليماني من خارج السياق، فضلاً عن أنّه لم يصدر عن «حزب الله»، لا عن أمينِه العام ولا عن كتلة «الوفاء للمقاومة» أي موقف يدّعي بأنّ الحزب يملك 74 نائباً، وأكبر دليل هو موقف النائب رعد، خصوصاً لجهة انّه لا توجد أيّ اكثرية، وإنّ الأولوية في المرحلة السياسية المقبلة هي لاعتماد القانون وتنفيذه».
وكان رعد قد لفتَ إلى «أنّ وضع المجلس النيابي بتكتلاته وموازين القوى فيه قد تغيّر بعد الانتخابات بنحوٍ واضح وجليّ، ولم يعد هناك فريق يستطيع أن يمتلك الأكثرية الدائمة لمقاربة القوانين والاقتراحات والمشاريع»، وأكّد أنّ «الأكثرية أصبحت متجوّلة بحسب أهمّية القوانين والاقتراحات، وهذا ما يتيح لنا فرصة أن نعطّل كثيراً من القوانين التي تضرّ بمصلحة البلاد، وندفع في اتجاه إقرار كثير من القوانين التي تحفظ مصالح العباد والمواطنين». وقال: «نحن نشهد بعض الإشكالات التي تحصل بين المسؤولين والقوى السياسية، لذا نقول للجميع إنّ اعتماد القانون وتنفيذه هو الذي يحلّ كلّ الإشكالات التي تقعون فيها».
فتفت لـ«الجمهورية»
وقال عضو كتلة «المستقبل» النائب سامي فتفت لـ«الجمهورية»: «أمام صرخات الشعب الايراني وأنينه من الجوع بسبب الضائقة الاقتصادية التي تتخبّط فيها بلادهم، نعتقد أنّ المسؤولين والقياديين الايرانيين وجَدوا أنفسَهم مضطرّين للتفتيش عن ايّ ذريعة لكي يبرّروا لشعبهم الذي لا يجد ما يسدّ له جوعَه طريقة صرفِ أمواله». ودعا فتفت سليماني الى تسمية النواب الـ 74 الذين قال إنّ «حزب الله» فاز بهم، «لمعرفة ما إذا كان نواب «التيار الوطني الحر» من ضِمنهم»، وقال: «لا أعتقد أنّ جميعهم يتبعون لإيران».
سعيد لـ«الجمهورية»
واعتبَر النائب السابق الدكتور فارس سعيد أنّ تصريح سليماني «ليس ادّعاء، بل أكّد جملة أمور، منها:
1 ـ إنّ «حزب الله» حصل على غالبية نياببة.
2 ـ يعتبر سليماني أنّ الرئيس عون هو مِن ضِمن النواب الـ ٧٤ ، خلافاً لادّعاء البعض.
3 ـ إنّ أموال السعودية لم تعد تكفي للتوازن مع نفوذ إيران.
4 ـ إنّ لبنان أصبح جزءاً من نفوذ إيران.
5 - تقصَّد سليماني تسريبَ الشريط من أجل الرد على الكلام عن انسحاب «حزب الله» من سوريا.
6 - المقصود بكلام سليماني أنه إذا خرجت إيران من سوريا فإنّها تعوّض عن خروجها في لبنان.
7 ـ يتوجّه سليماني في كلامه إلى الداخل الإيراني لكي يقول للمعارضة الإيرانية إنّ استثمارنا في المنطقة ينتج انتصارات».
المفوّضية تتبلّغ رسمياً
على صعيد آخر، وبعدما قرّر الجمعة الفائت تجميدَ طلبات الإقامة المقدّمة من المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، إثر تنبيهات عدة وجّهتها وزارة الخارجية إلى ممثلة مكتب المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان ميراي جيرار، وبعدما اعتبرَت المفوضية انّها لم تتبلغ هذا القرار رسمياً بل عبر الإعلام، نفّذ وزير الخارجية جبران باسيل قرارَه أمس، فأرسلت مديرية المراسم في الوزارة مذكّرةً الى المفوّضية تؤكد فيها قرار الوزير بعدم تجديد الإقامات.
وعلمت «الجمهورية» أنّ باسيل ينكبّ على درس خطوات أخرى سيعلن عنها تباعاً إذا انقضَت الفترة المحدّدة ولم يتسلّم خلالها من المفوضية استراتيجيتها ورؤيتها لسبلِ عودةٍ آمنة للنازحين إلى سوريا.
في غضون ذلك، ذكرت معلومات أنّ جيرار اجتمعت مع سفراء في الاتحاد الاوروبي، في خطوةٍ رأت فيها مصادر ديبلوماسية «خروجاً عن إطار عمل كلّ الاعراف الديبلوماسية، ومخالفة صريحة وواضحة لقواعد احترام قوانين الدول المضيفة».
وقال باسيل في إفطار أمس إنّ «العالم بأجمعه يفتح قنواته مع سوريا من أجل إعادة الإعمار، وسوريا في حاجة إلينا، كما أنّنا في حاجة إلى العمالة السورية بكلّ قطاعاتنا». وأشار الى أنه «لا يمكن ان نرضيَ الدول على حساب صناعيّينا، ومن الأولوية ان نرضيَ اقتصادنا، وطالما هناك مليون ونصف مليون نازح سوري لا تتعبوا على الخطط»، مؤكّداً أنه «حين نشجّع هؤلاء على العودة نكون أمام التهديد بوقف المساعدات»، سائلاً: «هل المساعدات للبنان مقابل التوطين»؟
الجميّل
ودعا النائب نديم الجميّل إلى التنسيق مع الحكومة السورية لعودة النازحين. وقال لـ«الجمهورية»: «يطالب لبنان بعودة النازحين الى بلادهم وعدمِ فرضِ التوطين، لذلك يجب فِعل كلّ ما بوسعنا لتحقيق هذا الهدف. فقد جرّبنا كلَّ الوسائل منذ سنوات ولم نصل الى أيّ نتيجة. لذلك لم يبقَ أمامنا سوى خيار التنسيق مع الحكومة السورية من أجل تحقيق العودة». وشدّد على «وجوب أن يحصل هذا التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية، وليس خارج إطار السلطة الشرعية اللبنانية»، موضحاً أنّ «في إمكاننا إشراكَ الامم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر في هذه العملية من أجل تحقيق عودة آمنة وكريمة للنازحين». وشدّد على «ضرورة أن تحصل هذه العودة سريعاً، خصوصاً أنّ لبنان لم يعد يتحمّل مزيداً من الأزمات».
«المستقبل»
وفي السياق نفسِه اعتبَرت مصادر «المستقبل» أنّ «منطق باسيل بالتعامل مع المفوّضية مرفوض». وقالت: «مِن غير المفيد للمصلحة الوطنية القيام بردّات فِعل كيفية وغير محسوبةِ النتائج تضع لبنان في وضعٍ صعب». وذكّرت أنّ «عمل المفوّضية هو تخفيف الأعباء عن اللاجئين وعن لبنان، لكنّ موقف باسيل لن يُساهم في أن يعود 100 ألف سوري إلى بلادهم مثلاً». ورأت أنّ «مسألة عودة اللاجئين يجب أن تُعالج بالتعاون مع الأمم المتحدة، فبشّار الأسد لا يريد أن يعود اللاجئون لأسباب طائفية ومذهبية وسياسية، ولا حلّ إلّا بإجباره بواسطة الأمم المتحدة التي في إمكانها تأمين ضمانات للسوريين لكي يتمكّنوا من العودة». وقالت المصادر إنّ «هذا الموضوع قد يكون من المواضيع الخلافية على طاولة مجلس الوزراء بعد تشكيل الحكومة».
مرسوم التجنيس
في هذا الوقت، واصَل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي رفعَ سقفِ معارضته لمرسوم التجنيس، وطالبَ المسؤولين بسحبِه «لأنه زعزَع الثقة بهم، وصَدر على حين غفلةٍ وبأسماء مشبوهة لا تشرّف الجنسية اللبنانية، فيما تتكدَّس لدى وزارتَي الخارجية والداخلية الألوف من الملفات الخاصة بمنتشرين من أصل لبناني يطالبون باستعادة جنسيّتهم اللبنانية». وطالبَ بـ»تأليف الحكومة الجديدة في أسرع ما يمكن، بروحِ المسؤولية الوطنية الخطيرة، بعيداً من حسابات المحاصَصة الخاصة، حكومةٍ قادرة على إجراء الإصلاحات المطلوبة على مستوى الهيكليات والقطاعات، كشرطٍ لنيلِ المساعدات المالية، من هبات وقروض ميَسّرة، تقرّرت في مؤتمرَي روما وباريس من أجل النهوض الاقتصادي الكفيل بإخراج اللبنانيين من حال الفقر والعوز، وبتأمين فرصِ عملٍ لأجيالنا المثقفة الطالعة»