بلغ مسلسل الهيبة - العودة مرتبة عالية نتيجة المشاهدة الشعبية ونتيجة تأثر الأحياء الفقيرة و المتوسطة بقرية خارجة عن القانون ولها قانونها الخاص ضمن تنازع مصالح بين الخارجين عن الدولة والمتاجرين بالممنوعات على أنواعها كافة في عرض و استعراض يثير حماس المراهقين أو المنشغلين بعضلاتهم أو من المتحمسين لحمل السلاح وهم كثرة وقد أغوتهم بندقية القتال لأي سبب أو دون سبب طالما أنه زينة للشباب الذين لا يتزينون بزينة أخرى لإعتقادهم بوجوب حمل السلاح في مجتمع يأكل فيه الكبير الصغير والقوي الضعيف والغني الفقير .
لعبت قصّة الهيبة المتصلة بأكثر من واقع لبناني دوراً في تسريع التواصل ما بين الممثل و المشاهد وغذّت بشكل أو بآخر هلوسة منتشرة في أكثر من وسط نتيجة لظروف متعددة أسهمت الحروب التي أكلت من دور الدولة في إنعاش هستيريا البطولة عند كل مواطن أغرته عضلة البطل و أسّست له هواية وغواية يبحث عنها منذ نموه و بلوغه وترعرعه من تاريخ الأزقّة الضيقة الى الشوارع و الساحات الأوسع كما هي ساحات الحروب التي تجذب اليها هؤلاء الباحثين عن بطولة السلاح .
إعتقد الكثيرون بأن الهيبة بلدة من بلدات البقاع نتيجة ما يجري فيها من أعمال تهريب وتعدي وسرقات والقيام بكل الممنوعات تحت مرأى من الأجهزة المختصة ودون أن يكون لها القدرة المباشرة على الحدّ أو المواجهة لفلتان مزمن في قرية هي من صنع الخيال لكنها من نسيج الواقع اللبناني .
إعتماد الممثلين على مقاربة اللهجة البقاعية و البعلبكية تحديداً جعل من الهيبة قرية بقاعية ورغم فشلهم في اتقان اللهجة الاّ أن اللكنة المعتمدة دلّت على رسالة المسلسل في بُعد من أبعاده وهذا ما لبّى حاجة المشاهدين الذين نصتوا الى المسلسل بهيبة خاصة كونه يحاكي فيهم البطولة التي أولدتهم و التي أنجبتهم من ظهور الطفّار ممن كوتهم نار الفقر فذهبوا باتجاهات متعددة لتحصيل المشروع عن طريق الممنوع .
إقرأ أيضا : تيم حسن يرد على الرئيس نبيه بري : شكرا لك يا كبير
أكثر المحطّات التلفزيونية و التي تعرض مسلسل الهيبة كانت نسب المشاهدة فيها كبيرة جداً كما أن عروضها لتفاعلات المشاهدين مع الممثل" جبل " خصوصاً كان له مزاجاً خاصاً باعتباره البطل المثقل بالشهامة و النبل و القيم المرتبطة ببنية اجتماعية عشائرية إضافة الى انتصاراته على أعدائه من الخارجين على القانون والمشابهين له إلاّ أنهم من المجرمين و ممن لايتمتعون بصفة حميدة واحدة على عكسه تماماً اذ أنه حاضر للموت دفاعاً عن قيم وخصال اجتماعية ورثها عن أبيه عن جده شيخ الجبل .
ما يهمنا هنا هو استعداد الناس في طوائف و مناطق معينة في لبنان لا للتأثر فحسب بالمسلسل بل الى معايشة أحداثه بكل تفاصيلها لما فيها من ولع ولعب و أدوار وحمل للسلاح والى القيام بنفس الوظائف التي تمتهنها عائلات الهيبة . كما أن هناك من يعيش هذه الهيبة من ألفها الى يائها وقد جاء المسلسل كمرآة لها وتوصيفاً دقيقاً لواقعها ، لهذا دخل المسلسل باب الشهرة الواسعة والكبيرة كونه حقيقة لا خيالاً هولوويدياً وله أكثر من مدخل في تركيبة لبنان ما بعد الحرب الأهلية .
يبدو أن المسلسل قد نجح في تصوير واقع موجود وله تربة خاصة وخصبة وهناك من له هيبة أكبر من هيبة المسلسل المحدودة وهي هيبة كبيرة و تتمتع بإمكانيات أكبر من إمكانية هيبة "جبل " و "صخر " و "شاهين " و أكبر بكثير ممن في المسلسل من لصوص و سماسرة وتجار ممنوعات ك "هولو " و أبو البنات .
يبدو أن نمط النظام العام و الذي ينحاز اليه الكثير من الناس هو دولة الهيبة لا الدولة المدنية أو الحديثة وهذا ما دلّت عليه ولاءات الناس المتوزعة على زعامات هذه الهيبة و في اختبارات كثيرة.