أثير أخيراً ملف الحدود البرية والبحرية، ربطاً بزيارة وفد نيابي أميركي إلى بيروت كان في عداده النائب الأميركي من أصل لبناني داريل عيسى، إلا أن حقيقة الأمر، أي إثارة الملف، سابقة للزيارة، وظلت مثار أخذ ورد بين بيروت وواشنطن، حتى الأسبوع المنصرم
علمت «الأخبار» أن الحكومة اللبنانية، تبلغت اقتراحاً رسمياً أميركياً باستكمال عملية ترسيم الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وذلك في سياق إلحاح الجانب الإسرائيلي على الأميركيين بوجوب تسويق بعض «أفكارهم» المتعلقة بالترسيم البري، ربطاً بمخاوف تل أبيب المتزايدة على طول الجبهتين اللبنانية والسورية.
هذا التطور الجديد ترافق مع رسائل أممية وصلت إلى لبنان حول مسألة ترسيم الحدود البرية (عملياً استكمال بناء الجدار الاسمنتي الإسرائيلي على الحدود قبالة الخط الأزرق)، لذلك، جاء الاجتماع الرئاسي الثلاثي الأخير في القصر الجمهوري بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، استكمالاً لاجتماع رئاسي ثلاثي سابق، لتثبيت الموقف الرسمي اللبناني من مسألة ترسيم الحدود البرية والبحرية.
وبينما سبق للبنان أن اقترح أن تشمل المفاوضات عبر الأمم المتحدة النقاط المتنازع عليها براً وبحراً في آن واحد، من دون ممانعة مشاركة الجانب الأميركي في الاجتماعات الثلاثية في الناقورة تحت سقف الأمم المتحدة، تبلغت الحكومة اللبنانية أن الجانب الإسرائيلي لم يقبل بالطرح اللبناني، ورفض الخوض في ملف الحدود البحرية عبر الأمم المتحدة، بذريعة أن القرار 1701 لا يتناول في نصه أية اشارة إلى استثمار الموارد الطبيعية ومنها النفط والغاز.
واللافت لانتباه الجانب اللبناني المعني بالملف أن الإسرائيلي أوحى أنه على استعداد للبت بمعظم النقاط الحدودية البرية الخلافية مع لبنان (عددها 13 نقطة)، باستثناء نقطة الناقورة (B1) ونقطة العديسة - مسكاف عام، التي يصر الوفد الإسرائيلي إلى الاجتماعات الثلاثية أن تكون لها ترتيبات من نوع تبادل الأراضي، أي تخلي الجانب الإسرائيلي عن جزء من أراضي العديسة يلامس طريق عام البلدة الرئيسي، مقابل حصوله على ما يوازيه من الأرض اللبنانية تبعاً لمتطلبات أمنية وعسكرية إسرائيلية (ربما في نقطة الشجرة الشهيرة بين عديسة وكفركلا).
أما الخيار الثاني، فهو الحصول على ضمانات أمنية وعسكرية، بما يتصل بنقطة العديسة - مسكاف عام، في محاولة لاستنساخ ضمانات اتفاق 17 أيار، الأمر الذي رفضه لبنان الرسمي رفضاً قاطعاً.
ومن الواضح أن الطرح الإسرائيلي بالاتفاق فقط على ترسيم الحدود البرية وحل مشكلة نقاط التحفظ خارج النقطة (B1) عند رأس الناقورة، يهدف إلى جعل الترسيم البري يتجاوز هذه النقطة التي يبقى مصير تحديدها مرهون بالمفاوضات حول الحدود البحرية، لأن الإسرائيلي يعتبر اعتمادها في الترسيم البري يمكن أن يشكل نقطة حاسمة لمصلحة لبنان في الترسيم البحري، الأمر الذي من شأنه أن يفقد إسرائيل ورقة أساسية في المناورة والتفاوض، علماً أن إسرائيل التي وافقت على حل نقاط التحفظ مع لبنان ما زالت تمانع في 5 نقاط بعضها ليس مهماً، ولكن ما يستشف من الجانب الأميركي أنه إذا تم «تحييد» نقطة رأس الناقورة والاتفاق على نقطة عديسة – مسكاف عام التي تعتبر إسرائيل أنها تشكل «خطراً استراتيجياً» عليها، يصبح التفاهم أسهل على بقية النقاط الـ11.
وعلمت «الأخبار» أن السفيرة الأميركية في بيروت أليزابيت ريتشارد، التقت الرئيس الحريري، قبل خمسة أيام في دارته في وادي أبو جميل بحضور المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي كان قد شارك في اجتماع القصر الثلاثي، وتخلل اللقاء تأكيد على العرض البري الأميركي، وكان الجواب الرسمي اللبناني الذي سيعاد التأكيد عليه في اجتماع اللجنة الثلاثية في الناقورة أن لبنان يعتبر ترسيم الحدود البرية والبحرية، خطوة مترابطة ومتلازمة، خصوصاً أنها لن تنصفه في البر وحسب، بل قد تثبت أن حقوق لبنان البحرية تتجاوز الـ860 كلم 2 التي يتمسك بها لبنان في البلوكين 8 و9، وهي النقطة التي يخشى الإسرائيلي الوصول إليها، لذلك، يصر على فصل الترسيمين وأن يبدأ بالترسيم البري أولاً، والبحث عن صيغة تفاوضية مختلفة للترسيم البحري، أي ليس تحت سقف الأمم المتحدة.