أن تكون جالساً في أحد المقاهي تتبادل الأحاديث مع الأصدقاء، وفجأة تصاب برصاصة من دون أية مقدمات، عندها اِعلَم أنك في لبنان، حيث الموت بالمجان، وروح الانسان تزهق بأزهد الأثمان، المواطن مشروع شهيد من دون أن يعلم متى يحين الوعيد، منذ أيام كان موعد رؤى مظلوم التي أسلمت الروح لا لذنب ارتكبته إلا لأنها كانت في الزمان والمكان الخاطئين بالقرب من أشخاص لا يفهمون إلا بلغة السلاح، وقبل يومين جاء الدور على حسن كريّم في أحد مقاهي منطقة الغبيري، وإن نجّاه القدر بعدما استقرت رصاصة في وركه.
كان يمكن أن يكون رئيس "رابطة يوفنتوس لبنان" اليوم شهيداً، نبكيه ونرثيه كما اعتدنا عند سقوط ضحايا السلاح المتفلت الذين سبقوه، لكن والشكر لله أن الرصاصة هذه المرة خجلت من أن تيتّم ولديه، وتحرق قلب والديه، وتحزن أشقاءه وأصدقاءه، حنّت عليه أكثر من المجرم الذي أطلقها، لا بل أكثر من ذلك كما قال والده نايف لـ"النهار": "كان بالإمكان أن تصيب ابن حسن الذي كان جالساً في حضنه قبل خمس دقائق من اصابته".
لحظة صادمة
وثّق مقطع فيديو من داخل المقهى اللحظات التي اقترب فيها الموت من حسن (30 سنة)، وبحسب ما شرح والده: "لم يعلم بداية ما حصل، وقف ليرى ما أصابه، واذ بأصدقائه ينتبهون إلى ثقب في بنطاله وسيلان دمه، عندها سارعوا به الى مستشفى الساحل الملاصقة لمكان الحادث، الحمد لله وضعه مستقر الآن، لكن الرصاصة لا تزال مستقرة في جسده، وقد تلازمه طوال عمره إذا اظهرت الصورة الملونة التي سيجريها الأطباء أن نزعها سيشكل خطراً على شرايينه"، وأضاف: "ما يثير الاستغراب أننا لا نعلم مصدرها، لا بل لم يسمع أزيز رصاص حينها، فتح مخفر حارة حريك محضراً، ولم يقدم حسن دعوى ضد أحد، حتى ضد مجهول، فالبلد كله داخل في المجهول"!
انتهاء زمن الإيمان بالوطن
لطالما نصح والد حسن ابنه أن يكمل دراسته ويعمل في الخارج، "لكنه رفض ذلك، لإيمانه بوطنه"، وبعد الذي حصل كتب حسن في صفحته على "فايسبوك": "كثير ناس كانت تهاجم البلد وانا كنت مؤمن في... والدي حاول يمنعني كفي دراستي الجامعية بلبنان بس أنا رفضت .. حصلت على عرض عمل بدبي بأجر كان ممكن شوفو بالاحلام بعد التخرج ورفضت .. ما قدرت لحظة أتخلى عن بلدي ولأنو عندي إيمان أن هيدا جنة مش بلد ... بلشت من الصفر وواجهت كثير مشاكل وكنت قادر واجه أكثر... وربي وفّقني ورزقني شمعتين كان ممكن يكونوا أيتام علحظة.. كانت الرصاصة ممكن تصيب حدا من ولادي يلي كانوا جنبي قبل ٥ دقايق من الحادثة... الحمد الله على كل حال.. يمكن طوّلت شوي بس اليوم عرفت أنو فضّلت المزرعة عن كثير أماكن بالعالم، وهلق ناطر فرصة وحدة لسافر برّا وخلّي ولادي يعيشوا بدولة بتحترم شعبها وشعبها بيحترم بعضه. الرصاصة كانت طايشي مثل هيدا البلد، وأنا اليوم يمكن كفي حياتي والرصاصة داخل جسمي ...ما تعلقوا ع الجنسيّة وزعوها".
إلى متى؟َ!
نايف حمّل جميع المسؤولين مسؤولية الفلتان الأمني والسلاح المتفلت، قائلاً: "لا قيمة للانسان ولا للحياة في هذا الوطن.. رصاصة طائشة في هذا البلد المليء بالطيش الغادر كادت تنهي حياة فلذة كبدي، أولادنا يموتون بالمجان من دون حسيب ورقيب، ولا نرى جهداً استثنائياً يبذل لمواجهة هذه الظاهرة المنتشرة والتي تتزايد مع الأيام، إلى أن فقدنا الشعور بالأمن والأمان، فيمكن للانسان أن يصاب وهو داخل منزله وعلى الشرفات، في الطرق والسيارات، جنون الموت بات كأنه خارج عن السيطرة، فإلى متى سنستمر على هذا المنوال؟".
"صدفة" الموت
"رابطة مشجعي روما في لبنان" تمنّت الشفاء العاجل لرئيس "رابطة يوفنتوس لبنان" من خلال منشور على" فايسبوك"، كذلك حال" رابطة الانتر في لبنان" و "رابطة عشاق ريال مدريد في لبنان" وأصدقاء كريّم ، فمنهم من كتب"... اعتدنا في الآونة الأخيرة تداول أخبار ضحايا الرصاص الطائش حتى وأنها أصبحت من الطقوس اليومية لهذا البلد، وكأننا جئنا صدفة على هذه الحياة و سنكملها صدفة ويوما ما سنرحل عنها في صدفة أخرى لعينة".