تجاوز لبنان الرسمي محاولة وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل جره إلى اشتباك سياسي مع الأمم المتحدة من خلال تهويله بفرض «عقوبات» على المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أولها تجميد تجديد إقامات العاملين فيها، بذريعة أن موظفين تابعين لها يقومون بتخويف النازحين السوريين من العودة إلى سورية. وانتهت المفاعيل السياسية لحملات التهويل التي قام بها بعد أن اصطدم بموقف قاطع لرئيس الحكومة سعد الحريري الذي رأى أن لا صلاحية له في اتخاذ قرار في هذا الخصوص، لأنه من صلاحيات رئيس الحكومة، وبالتالي فإن حملة التهويل التي رعاها باسيل شخصياً ارتدت عليه وكانت أشبه بزوبعة في فنجان.
وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية بارزة بأن الإجراءات والتدابير التي لوح بها باسيل جاءت في أعقاب طلب الحريري من الوزراء الالتزام بتصريف الأعمال على نطاق ضيق، وهذا ما استدعى تدخل الحريري الذي طلب منه الكف عن هذه الإجراءات التي هي من خارج صلاحياته.
وكشفت المصادر نفسها أن ما صدر عن باسيل كان محور الاتصال الذي أجراه الرئيس الحريري برئيس الجمهورية ميشال عون مساء الجمعة الماضي، أي بعد ساعات على ترويجه التدابير التي صدرت عن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، وقالت إن الاتصال أسهم في التعاطي معها وكأنها لم تكن، خصوصاً أن الرئيس الحريري كان قاطعاً في موقفه بأنه لا يسمح لأحد بأن يتخطى الصلاحيات العائدة له.
ولفتت إلى أن باسيل اضطر للتراجع، إنما بهدوء وبعيداً من الأضواء، عن التدابير التي هدد بها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. وأكدت أن طلبه من مديرة المراسم في وزارة الخارجية السفيرة نجلاء عساكر رياشي أن تبلغ المديرية العامة للأمن العام بمضمون تدبيره بتجميد تجديد الإقامات للعاملين في المفوضية بقي حبراً على ورق، وأن المديرية لم تتبلغ بشيء من هذا القبيل، مع الإشارة إلى أن طلبات التجديد ترسل إلى الخارجية التي تحيلها بدورها إلى الجهة المختصة في الأمن العام من دون أن يحق لها التدخل في هذا الأمر.
وقالت إن مسؤولة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان ميراي جيرار عادت إلى بيروت مساء أول من أمس السبت، وهي ستستمر في ممارسة مهماتها بعد أن أعلمت بأن ما صدر عن باسيل لا يلزمها بشيء من هذا القبيل. وأكدت المصادر ذاتها أن سفراء الاتحاد الأوروبي سيردون اليوم على الإجراءات التي هدد بها باسيل إحدى المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، مع أنه بادر من دون أي إعلان إلى سحبها من التداول.
ورأت المصادر الوزارية أن لبنان الرسمي كان في غنى عن ما افتعله باسل لجهة إقحامه في اشتباك سياسي مع الأمم المتحدة ليس هو الأول ولا الأخير، وكان سبق له أن أعلن الحرب بالمعنى السياسي للكلمة على الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على خلفية التباين القائم بينه وبينهما حول ملف النازحين السوريين في لبنان، مع أن لا غطاء رسمياً لموقفه حيال هذا الملف، لأن اللجنة الوزارية برئاسة الحريري لم تتوصل إلى رؤية موحدة تتعلق في كيفية التعامل مع النازحين.
وهكذا أسدل الستار السياسي على محاولة جديدة لباسيل أراد منها إعلان الحرب على الأمم المتحدة وتهديدها بإجراءات تأديبية تشمل المفوضية العليا للاجئين، فيما مرسوم منح الجنسية لمئات من الأجانب يتفاعل، وبات عالقاً على النسخة المنقحة للمرسوم التي ستصدر عن الأمن العام فور الانتهاء من التدقيق في أسماء المستفيدين منه.
معايير منح الجنسية
وإلى أن يصدر الأمن العام الصيغة المنقحة التي ستكون مدار تعليق القوى السياسية المعترضة على مرسوم التجنيس وبعضها كان طالب بإبطاله، فإن مصادر نيابية بارزة تسأل وبلسان قطب نيابي كبير عن المعايير التي اعتمدت لمنح الجنسية. ولماذا لم تشمل ما تبقى من مكتومي القيد من عرب وادي خالد في عكار، وأيضاً تصحيح المرسوم الذي صدر عام 1994 وقضى بمنح الجنسية لألوف من العرب ومن بينهم عدد كبير من أبناء القرى السبع لجهة إعادة الجنسية اللبنانية إليهم، وهل لأن هؤلاء لا يملكون المال للحصول على الجنسية أو لاستعادتها، في ضوء ما تردد بأن الغالبية ممن استحصلوا أخيراً على الجنسية هم من أصحاب رؤوس الأموال، وبعضهم كان أودع أمواله في أحد المصارف؟
وأكدت المصادر نفسها أن بعض النواب سيبادرون قريباً إلى التقدم باقتراح قانون يقضي بمنح الجنسية لأبناء اللبنانيات المتزوجات من أجانب بذريعة أنهم الأحق في الحصول عليها.
بواخر الكهرباء
وتوقفت المصادر الوزارية أمام الإشكال المترتب على قرار كان اتخذه مجلس الوزراء قبل أن تتحول الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال، يقضي بالموافقة على أن تتعهد البواخر التي تقوم بالتعويض عن النقص في تغذية التيار الكهربائي بتقديم هذه الخدمة مجاناً لمدة ثلاثة أشهر.
ورأت أن الإشكال ناجم عن أن البعض يربط تقديم هذه الخدمة مجاناً من دون ربطها بالتمديد للبواخر فيما البعض الآخر يرى أنها مرتبطة بالتمديد. وقالت إن الحريري وضع يده على الإشكال بعد مراجعة أحد الوزراء له (الوزير علي حسن خليل) وسيقوم بوضع النقاط على الحروف من خلال مراجعة التسجيل الخاص بجلسة مجلس الوزراء التي أقرت التمديد للبواخر، ريثما يصار إلى الاستغناء عن خدماتها بإنشاء معامل لتوليد الطاقة.
وفي هذه السياق تسال مصادر نيابية بارزة عن مدى استمرار باسيل في التشويش على علاقة رئيس الجمهورية برئيس البرلمان نبيه بري التي تحسنت تدريجاً إلى أن عادت العلاقة بينهما إلى طبيعتها، وأيضاً عن دوره في تفخيخ علاقة الرئيس عون بحزب «القوات اللبنانية» انطلاقاً من حرص الطرفين على تمسكهما بـ «إعلان النيات» الذي وقع بين سمير جعجع وعون قبل ينتخب رئيساً للجمهورية.
وتشكك المصادر نفسها في قدرة باسيل على إعادة علاقة الرئيس عون بعدد من الأطراف إلى نقطة الصفر، وتعزو السبب إلى أن لا مصلحة له بالدخول في اشتباك سياسي يمكن أن يعيق تشكيل الحكومة الجديدة أو أن يدفع في اتجاه ولادة حكومة «أمر واقع» تؤدي إلى إحداث انقسام في البلد، خصوصاً أن الحريري لا يشجع على سلوك مثل هذا المنحى السياسي وهو على تفاهم مع عون بأن تكون جامعة ومتجانسة.
وتعتقد المصادر أن الرؤساء الثلاثة يصرون على الإسراع في تشكيل الحكومة، وهذا ما أجمعوا عليه في اجتماعهم على هامش الإفطار الرمضاني الذي أقامه الرئيس عون باعتبار أن هناك ضرورة تستدعي الإسراع، لأن الوضع الاقتصادي الراهن في حاجة إلى خطوات لإنقاذه في الاعتماد على خطة النهوض التي تقدم بها الرئيس الحريري إلى مؤتمر سيدر في باريس، ولقيت تأييداً عربياً ودولياً إنما بشروط تتعلق بتحقيق الإصلاحات ووقف الفساد والهدر.
ومع أن الرؤساء لم يدخلوا في تفاصيل تشكيل الحكومة، فإن المشاورات الجارية حالياً بين عون والحريري- وفق المصادر- تتركز حول تفاهمهما على مشروع مسودة أولية تعكس رؤيتهما للأوزان والأحجام التي يمكن أن تؤسس لقيام حكومة جامعة ومتجانسة إنما ليست فضفاضة.
وترى المصادر أن توافق عون والحريري على هذه المسودة يمكن أن يدفع في اتجاه تولي الأخير المشاورات مع الأطراف الرئيسة المعنية بتشكيل الحكومة، تكون بمثابة حوار مفتوح وصولاً إلى تبديد كل ما يمكن أن يعيق ولادتها، وهذا يستدعي البحث في توزيع الحقائب الوزارية والأسماء المرشحة لتوليها.
وعليه، فإن حملات «التشويش» من هذا الطرف أو ذاك لن تؤثر في السياق العام الذي يتبعه الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة، لأن من يقوم بها يفتقر إلى قدرته في تأخير ولادتها أو ممارسة الضغط للحصول على حصة وزارية «منفوخة» محاولاً استغلال النفوذ الذي يتمتع به لدى رئيس الجمهورية الذي لا بد من أن يتدخل في الوقت المناسب لتسريع عملية التأليف. لأن التأخير لن يكون مقبولاً دولياً.