لا تزال أحزاب «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«الكتائب اللبنانية» تتابع عن كثب المسار الذي يسلكه مرسوم التجنيس بعد إحالته إلى جهاز الأمن العام للتدقيق بالأسماء الواردة. وهي تنتظر نتيجة التدقيق لاتخاذ قرار مناسب بشأن المضي بالطعن فيه أمام مجلس شورى الدولة، أو التراجع عن هذه الخطوة في حال ألغي أو استعيض عنه بمرسوم جديد يتضمن فقط «الحالات الخاصة جداً ولأسباب إنسانية محدّدة ومتوافقة مع مقتضيات الدستور ومعايير منح الجنسية اللبنانية».
يشكل تلاقي هذه الأحزاب الثلاثة لمواجهة المرسوم خطوة هي الأولى من نوعها بعد الانتخابات النيابية التي أفرزت كتلاً سياسية كثيرة لم تتمكن، حتى الساعة، من الانضواء في جبهات موسعة ترفع عناوين سياسية استراتيجية كحال السنوات الماضية مع فريقي 8 و14 آذار. والمفارقة أن القوات والكتائب والتقدمي الاشتراكي كانوا أركاناً أساسية في فريق «14 آذار» إلى جانب تيار «المستقبل» الذي يبدو اليوم أقرب في الكثير من الملفات، ومنها ملف المرسوم من تكتل «لبنان القوي» والفريق المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون منه إلى الأحزاب الثلاثة.
هذا، وسبق التداول بشكل موسع قبيل الانتخابات بإمكانية قيام تكتل سياسي كبير يضم هذه الأحزاب إلى حركة «أمل» التي يرأسها رئيس المجلس النيابي نبيه برّي بمواجهة الثنائي «التيار الوطني الحر» – «المستقبل». إلا أن التفاهم الذي توصل إليه برّي مع عون أخيراً، قطع الطريق على هذا التكتل، وإن كان رئيس المجلس أقرب بملف المرسوم إلى موقف الأحزاب المعترضة منه إلى المواقف المؤيدة له. ولكن حول الكلام عن «تحالف»، اعتبر مفوض الإعلام في الحزب «التقدمي الاشتراكي» رامي الريس أنه «من السابق لأوانه الحديث عن تحالفات سياسية ووطنية، ثلاثية أو غير ثلاثية، وإن كانت نقاط الالتقاء مع (القوات) كثيرة؛ ما أدى إلى تحالف انتخابي معهم في أكثر من دائرة، كما العلاقة مع (الكتائب) طيبة، وهناك تقاطع معهم في عدد كبير من الملفات». ولفت الريس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن التقارب مع الطرفين بمواجهة مرسوم التجنيس «كان منطلقاً من اعتبارات سياسية وقانونية ودستورية تتعلق بطبيعته وبكون مشبوه في توقيته ومضامينه ودلالاته». وأردف «نحن سنواصل تحركنا الثلاثي في هذا المجال في المرحلة المقبلة وصولاً لنتيجة تتوافق مع المصلحة الوطنية العليا، كما سنبقى حريصين على التقارب السياسي مع كل الأطراف، وبخاصة تلك التي نلتقي معها على عناوين مهمة كمكافحة الفساد، الإصلاح الإداري، حماية اتفاق الطائف وتفعيل عمل المؤسسات».
وتتفق مصادر «القوات» و«الكتائب» على أن التوجه في المرحلة المقبلة هو للتلاقي على «القطعة» مع استبعاد انضوائهما في حلف سياسي واحد. وتشير المصادر «القواتية» إلى أن لا مخطط لقيام جبهة سياسية تضمهم إلى «التقدمي الاشتراكي» و«الكتائب»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن التفاهمات حالياً «غب الطلب» و«على القطعة»: «وإن كانت أهميتها ورمزيتها تكمن في وجود رغبة لدى الأحزاب المذكورة بالتلاقي، وهنا نذكر بشكل أساس (الكتائب) باعتبار أن علاقتنا مع وليد جنبلاط استراتيجية وتعود للعام 2005». وتضيف المصادر «الكل يُدرك أن بعض الملفات تحتاج إلى وحدة صف لتحقيق النتائج المرجوة، لكن الحديث عن جبهة سياسية يوجب تحديد عنوان لها، هو غير متوافر في الظروف الراهنة».
من جهتها، تعتبر مصادر «الكتائب» أن في «الاتحاد قوة، وهو ما ظهر جلياً بمواجهة مرسوم التجنيس؛ ما استدعى إحالته إلى الأمن العام لإعادة النظر فيه، مع إصرارنا على وجوب إلغائه». واعتبرت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «لو وقف (القوات) و(التقدمي الاشتراكي) إلى جانبنا في موضوع الموازنة والنفايات وغيرها من الملفات لكانت الإنجازات أكبر وأسرع». وتابعت «التلاقي في المرحلة الراهنة سيكون على القطعة، حتى أنه ليس محصوراً بالحزبين السابق ذكرهما، فنحن منفتحون على التعاون مع أي فريق سياسي يحمل نفس توجهاتنا في ملف معين».
جدير بالذكر، أن العلاقة بين «القوات» و«الكتائب»، اللذين كثيراً ما كانا حليفين استراتيجيين، تدهورت بعيد تبني رئيس «القوات» سمير جعجع ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وسيره بما يُعرف بـ«التسوية الرئاسية» التي رفضها رئيس «الكتائب» سامي الجميل وقرر حينذاك اللجوء وحيداً إلى صفوف المعارضة. ولم تفلح كل المساعي التي بذلت لرأب الصدع بينهما، وبخاصة مع تركيز «الكتائب» على التصويب على أداء الحكومة التي تحولت حالياً لحكومة تصريف أعمال، والتي يشكل وزراء «القوات» جزءاً أساسياً منها.