برزت جهود لاحتواء أزمة جديدة اندلعت بين الوزيرين في حكومة تصريف الأعمال، وزير المال علي حسن خليل، والخارجية جبران باسيل، لم تُعلن نتيجتها بعد، رغم المعلومات عن أن «حزب الله» توسّط بين حليفيه للتوصل إلى تسوية تنهي خلافاً اندلع على خلفية توقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الخارجية مرسوم تعيين 32 قنصلاً فخرياً، لا يحمل توقيع وزير المال المحسوب على بري، الذي يصر على توقيع وزير المال على كل المراسيم التي ترتِّب أعباء مالية.
وبينما لم تجزم الأطراف بأن حلاً قد تم التوصّل إليه بعد، قالت مصادر رسمية واسعة الاطلاع إن القضية «ستذهب حكماً إلى حل»، من غير الإدلاء لـ«الشرق الأوسط» بأي تفاصيل إضافية، أو الكشف عما إذا كان الحل يتضمن تغييراً في قائمة أسماء القناصل الفخريين الذين تضمنهم المرسوم، واكتفت بالقول: إن «القضية غير عاصية على الحل بتاتاً».
وبدا أن هناك تحفّظاً لدى جميع الأطراف عن إعلان أي موقف أو الجزم بأي معلومات حول تطورات أزمة المرسوم، خصوصاً أن تطوراً مفاجئاً حصل أمس، إذ أُعلن عن وفاة والدة وزير المال علي حسن خليل، ما يعني أن النقاش في الأمر سيُجمّد حكماً على الأقل خلال هذا الأسبوع.
وأفادت قناة «MTV» بأنّ «حزب الله» اللبناني، حليف الطرفين، «نجح على خطّ الوساطة بين حركة أمل والتيّار الوطني الحر في أزمة مراسيم تعيين القناصل الفخريين». وقالت القناة على موقعها الإلكتروني إن وزير الخارجيّة في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، سيرسل إلى وزارة المالية مرسومين لتعيين قناصل فخريين ليوقّع عليهما الوزير علي حسن خليل. وقالت إن «رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، حريصان على عدم إعادة عقارب العلاقة الجيدة بينهما إلى الوراء، وهذا ما سهّل مساعي (حزب الله) في تذليل الإشكال حول مراسيم تعيين القناصل».
وأثار مرسوم تعيين القناصل الفخريين أزمة جديدة أُضيفت إلى أزمات شبيهة سابقة جرى حلها بعد أن تفاقمت، كان آخرها مرسوم منح الضباط من دورة 1994 سنة أقدمية من غير توقيع وزير المال، وهو ما دفع الشيعة إلى الاعتراض. ويتمسك الشيعة بحقيبة المالية كونها تمثل أداة المشاركة الوحيدة لهم في السلطة التنفيذية، حيث تتطلب المراسيم التي تتضمن إنفاقاً، توقيع وزير المال إلى جانب توقيع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وتوقيع وزير الاختصاص.
لكن الأزمة هذه المرة تتخطى البُعد المالي، كون تعيين قناصل فخريين «لا يرتِّب أي أعباء مالية على الدولة اللبنانية، نظراً إلى أنه منصب شرفي، وبالتالي توقيع وزير المالية عليه غير ضروري»، كما قال وزير الخارجية الأسبق عدنان منصور، وهو أحد الممثلين السابقين للثنائي الشيعي في الحكومة. فالأزمة مرتبطة الآن باستبعاد رأي مكون سياسي أساسي من التعيينات، وهو «حزب الله» و«حركة أمل» اللذان يمثلان الطائفة الشيعية، وهو أساس الاعتراضات.
وبدا أن الأزمة تتخطى قضية صلاحية وزير من عدمه، كون المرسوم عُرض على وزير المال في فبراير (شباط) الماضي ورفض توقيعه، قبل أن يتم إصداره أواخر الشهر الماضي، علماً بأن الحكومة كانت قد دخلت مرحلة «تصريف الأعمال». ونُقل عن مصادر وزارة المالية أنها رفضت توقيع مرسوم القناصل الفخريين «لأنه لا يراعي التوازن الطائفي والجغرافي والمناطقي».
وعادةً ما تراعي الحكومة مبدأ التوازن الطائفي السياسي في توزيع المناصب والوظائف المهمة، وتعتمد مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، كما تراعي حجم تمثيل القوى السياسية في الطائفة. ويمثل الطائفة الشيعية عادةً «حركة أمل» و«حزب الله»، وقد تم في هذه المرة تجاوزهما.
وعادةً ما يتحدث المعترضون على قضايا مشابهة عن خرق «الميثاقية» وعن «ضرب التوازنات» المعمول بها في لبنان، وهو بلد اعتاد أن تسير أموره بالتوافق بين المكونات السياسية والطائفية. والمقصود بالميثاقية، هو تحقيق مبدأ المشاركة لجميع المكونات، وإن لم تكن بالحكم، فستكون بالاستشارات، حسبما يقول الباحث السياسي مكرم رباح لـ«الشرق الأوسط»، وهو عُرف متّبع وله قوة قانونية في الحكم اللبناني. أما التوازنات، فهي مراعاة الطوائف وممثليها من القوى السياسية في التمثيل السياسي والإدارات.
ويقول رباح إن لبنان «من أكثر الدول التي تحتاج إلى توافق على كل القضايا في هذا الوقت، كونه التزم سياسة النأي بالنفس، وهي تتطلب مشاركة الجميع، منعاً لاعتراض لاحق على أي قرار يُتخذ». ويضيف: «لا أعتقد أن الميثاقية يجري تنفيذها في الحكم الآن، فالميثاقية هي روحية تحكم الدولة حتى لا تعطل مصالح المواطنين، ويجب أن تنفّذ في كل الإدارات وليس في الحكومة، لكننا ننفّذها بطريقة معاكسة، إذ يجري التصادم في الحكومة بين المكونات، ما يمنع تسيير أمور الناس»، لافتاً إلى أن هذا المبدأ هو الذي عطل تعيين الموظفين الفائزين في مباريات مجلس الخدمة المدنية في الأحراش وغيرها، تحت ذرائع التوازنات. ويشدد رباح على أن تحقيق الميثاقية «يتطلب أن يستعيد رئيس الحكومة سعد الحريري دور رؤساء الحكومات اللبنانيين كحُماة للميثاقية، لأن الطائفة السنية هي الثقل وميزان التوازن بين الجميع، وهو ما يبدو غائباً إلى حد ما الآن».