فقد الفلسطينيون اللاجئون إلى لبنان من مخيم اليرموك في ضواحي دمشق أي أمل بعودة في المدى المنظور... أو غير المنظور. ويقول رئيس «رابطة النازحين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان» أيهم استيتان لـ«الشرق الأوسط»: «قبل شهرين كنا نأمل بالعودة، لكن المخيم تعرض في أبريل (نيسان) الماضي، إلى تدمير هائل وممنهج انتهى قبل نحو 20 يوماً، ومسحت الأبنية بالأرض وفق قصف بطريقة التسطير، ناهيك بالنهب الشامل والكامل لكل ما في المخيم وتخريب البنى التحتية من كابلات للكهرباء وأنابيب المياه وشبكات الصرف الصحي وكل الخدمات».
هم يعيشون حالياً نكبتهم الثانية، فقد تشرذموا في المخيمات الفلسطينية في لبنان. يبحثون عن وضع قانوني يؤطرهم، ويؤكدون أن لا مرجعية تحميهم وتحمل قضيتهم وتنظم أوضاعهم المأساوية المتفاقمة منذ عام 2013.
وفي حين تشير أرقام «الأونروا» إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا من سوريا إلى لبنان يقدرون اليوم بنحو 32 ألف لاجئ فلسطيني، اعتبرهم الأمن العام اللبناني منذ تهجيرهم «سائحين» ومنحهم تأشيرة دخول إلى لبنان لمدة سبعة أيام، بعد انقضائها تصبح إقامتهم غير شرعية، ما يفرض على اللاجئ دفع 200 دولار أميركي لترتيب أوضاعه.
ويوضح المكتب الإعلامي في «الأونروا» أنه «منذ 2015، أصدر الأمن العام اللبناني كثيراً من المذكرات، التي تنص على السماح بتجديد وثائق الإقامة للاجئين الفلسطينيين من سوريا، واستثنى أولئك الذين دخلوا بشكل غير شرعي. واعتباراً من يوليو (تموز) 2017، أصبحت الإقامة متاحة لمدة ستة أشهر تتجدد مجاناً وتلقائياً لأولئك الذين دخلوا لبنان قبل سبتمبر (أيلول) 2016، دون فرض أي غرامة على التأخير. إلا أن مذكرة 2017 نصت على استثناء الأشخاص الذين دخلوا لبنان بعد 2016، يضاف إليهم الأشخاص الذين دخلوا بشكل غير شرعي. والأشخاص الذين صدر بحقهم أمر بالمغادرة. وبالتالي، لا يزال عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا غير قادر على تنظيم إقامتهم في لبنان».
عن احتمال العودة إلى مخيمهم، يرى استيتان أن «إعادة إعمار المخيم لا يمكن أن تُنجَز قبل التوصل إلى حل سياسي شامل ينهي الحرب الدائرة في سوريا»، مشيراً إلى أن «القرار رقم 10 القاضي بإثبات ملكية الناس لعقاراتهم يشملهم ويهددهم بفقدان هذه الأملاك مع الترويج المستمر لمعزوفة (إتلاف المستندات)، بالتالي الحديث عن العودة يصبح أكثر فأكثر مستحيل التحقيق». ويضيف: «كما أن فلسطينيي اليرموك متخوفون من الملاحقات الأمنية والاتهامات بأنهم من المعارضين ما يهدد حياتهم إن هم عادوا إلى سوريا بعد إقامتهم الطويلة في لبنان، ومن إرغام شريحة الشباب على الخدمة العسكرية ورميهم في الجبهات المتقدمة والساخنة».
ويوضح المكتب الإعلامي في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) لـ«الشرق الأوسط»: «على الرغم من الفرص المحتملة لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا، فإن الظروف الحالية لعودة اللاجئين بأمان وكرامة لم تتحقق بعد، و(الأونروا) وتماشياً مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى، لا تشجع ولا تسهل العودة من الدول المضيفة في هذا الوقت».
هذا الواقع يفاقم معاناتهم، وتحديداً لأن قضية اللاجئين السوريين تحظى بالاهتمام على حساب قضيتهم. ما يعني مزيداً من المعاناة، كما تقول هنادي عويس من جمعية «بسمة وزيتونة» التي تهتم بشؤون فلسطيني سوريا. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «برنامج الحماية في (الأونروا) محدود الصلاحيات. وفي بداية النزوح مطلع عام 2013، تجاهل وجودنا تجاهلاً تاماً، ورفض تقديم أي مساعدات تعيننا في لجوئنا، حتى قررنا في عام 2015 تنظيم اعتصام استمر شهرين أسفر عن بعض الرعاية وتقديم المساعدات المالية».
إلا أن «الأونروا» تؤكد لـ«الشرق الأوسط»... «التزامها تقديم خدماتها لكل لاجئ فلسطيني مسجل في الأقاليم الخمسة لعملياتها. بالتالي منذ نزوح اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان، و(الأونروا) مستمرة بتقديم خدماتها الأساسية في التعليم والصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية، كما البنى التحتية للمخيمات، فضلاً عن مناصرة قضاياهم مع الجهات المعنية وخدمات الحماية. ويشمل الدعم المقدم أيضاً تحديد حالات الحماية وإحالتها وتوفير خدمات المساعدة القانونية».
ويضيف: «كذلك تقدم (الأونروا) مساعدة شهرية بقيمة 100 دولار أميركي لكل عائلة و27 دولاراً أميركياً إضافياً لكل فرد من أفراد العائلة (أيضاً بشكل شهري) كمساعدة غذائية. وتقدم الوكالة أيضاً مساعدة شتوية».
لكن واقع المخيمات وأوضاع اللاجئين الفلسطينيين من سوريا يناقض طرح (الأونروا)، سواء لجهة الخدمات والبنى التحية أو لجهة الحماية. وتشير عويس إلى أن «2 في المائة فقط من فلسطينيي سوريا رتبوا أوضاعهم المعيشية. والباقون أحوالهم كارثية. عدد كبير من العائلات يقيم في دكاكين مقابل بدل إيجار يتراوح بين 200 و300 دولار أميركي للدكان».
ومن يجد فرصة للعمل لا يسلم، كما يقول استيتان: «ففي محيط مخيم شاتيلا في ضاحية بيروت الجنوبية، حيث يقيم عدد من فلسطينيي سوريا، أقدم بعضهم على وضع بسطات لبيع الخضراوات أو ما شابه، لكن هؤلاء مرغمون على دفع خوّات لميليشيات تسيطر على المنطقة وتتحكم بحركتها التجارية».
عن استيعاب الطلاب الفلسطينيين القادمين من سوريا في مدارس «الأونروا» والصعوبات التي تواجه المنظمة، يشير المكتب الإعلامي في «الأونروا»، إلى أن «هناك نحو 5500 طالب من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا تم استيعابهم وإدماجهم في جميع مدارس (الأونروا) في لبنان، وهم يشاركون زملاءهم من الطلاب من لاجئي فلسطين في لبنان في الأنشطة المرتبطة بالمنهاج والأنشطة اللاصفية بما في ذلك الأنشطة الترفيهية والرياضية والنفسية الاجتماعية. أما التحدي الأبرز للاستمرار باستيعاب الطلاب من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا في مدارس (الأونروا) في لبنان، فيرتبط بالعجز المالي للوكالة الذي لا يؤثر على التمويل العادي فحسب بل أيضاً على النداءات الطارئة».
تنقض عويس كلام المنظمة، وتؤكد أن «اللاجئين الفلسطينيين يتعرضون إلى تمييز على صعيد الطبابة والتعليم. في بداية الأمر، تم رفض إدخال الأطفال إلى مدارس (الأونروا)، واقترحوا فتح صفوف خاصة لهم مصنفين إياهم بالعاجزين عن الاستيعاب وتدني مستواهم التعليمي وجهلهم اللغة الإنجليزية، فناضلنا للحصول على هذا الحق. وألحقنا أطفالنا بالمدارس واستطاعوا التأقلم والنجاح في مسيرتهم الدراسية، رغم النظرة الدونية من جانب المدرسين إليهم، ما أصاب هؤلاء الأطفال بالاكتئاب».
يبادر أيهم استيتان إلى توضيح أن هذه المعاملة أدت إلى تسرب نحو 60 إلى 70 في المائة من الذكور بعد غياب الدعم النفسي والمادي لهم، ليتوجه هؤلاء الأطفال إلى سوق العمل.