ملفتة حال البرودة عند رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري في عملية التأليف. حيث لم يكن متوقعا أبداً بعد الاستعجال الذي سبق تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة والسرعة التي أنجزت بها الاستشارات الملزمة في القصر الجمهوري وساحة النجمة، أن تشهد عملية التأليف هذه البرودة حيث تكاد تغيب أي مؤشرات حتى لحراك على خط ولادتها. وصحيح أن أجواء البلد لم تكن مشجعة أبداً بالتزامن مع إنكشاف أمر مرسوم التجنيس، إلا أن الأوضاع الإقتصادية والمالية لا تسمح بالتراخي الحاصل خصوصاً وأن المباحثات الجدية ستستغرق أيضاً المزيد من الوقت ، الأمر الذي يوحي بأن الحكومة الجديدة لن تنجز قريباً بعد كل التفاؤل الذي رافق التكليف.
وفيما سيتجه الرئيس الحريري الأسبوع المقبل للمشاركة في إفتتاح المونديال في روسيا، سيدخل البلد في عطلة عيد الفطر يوم الجمعة المقبل حتى نهاية الأسبوع، لتبقى المحركات الحكومية في عطلتها أيضاً حتى بداية الصيف، وفي هذا السياق لفتت مصادر وزارية ، إلى أنّ "الموقف الدولي من " حزب الله " ودوره في لبنان ، عاد إلى الواجهة على رغم من أنّ الجهات الخارجية كافّة تسلّم بأنّ العقوبات الأميركية والخليجية ضدّه لا تعني استبعاده عن الحكومة الجديدة، كونه يشكّل جزءاً من النسيج الإجتماعي والسياسي اللبناني، ونظراً إلى القوة التمثيلية الّتي حصل عليها في الإنتخابات النيابية .
وذكرت بعض المصادر أنّ "الزاوية الّتي عاد منها عنوان دور الحزب في لبنان، هي الحديث الأميركي عن إجراء مراجعة سواء في الخارجية الأميركية أو في الكونغرس الأميركي لمسألة المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، على رغم تكرار المسؤولين الأميركيين الّذين يزورون لبنان، لا سيما قادة الجيش الأميركي ، التزام بلادهم مواصلة دعم الجيش بالسلاح والعتاد"، مشيرةً إلى أنّ "موقف وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" في هذا الخصوص لم يتأثر إلى الآن بأي حديث عن مراجعة المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، بل على العكس هي مستمرّة من دون أي إشارة إلى نيّة تقليصها أو إعادة النظر فيها.
وأكّدت المصادر أنّ "مشاركة الحزب في الحكومة لا بدّ أن يقابلها ثمن ما، ولا يمكن أن تمرّ من دون أن تبذل السلطات اللبنانية جهوداً من أجل توسيع مساحة سيطرتها على حساب استقلالية سلاح الحزب المنتشر من جهة، ومن دون أن تتعزّز سياسة النأي بالنفس عن التدخّل في حروب المنطقة أو في شؤون داخلية لبعض هذه الدول، موضحةً أنّ "الجانب الأميركي يعتقد أنّه لا يجوز أن يكون الحزب شريكاً في الحكومة ويمارس عبر سلاحه سياسة مستقلّة عنها ومنفصلة عن توجّهاتها ومناقضة لمصالح الدولة".
إقرأ أيضا : الحكومة العتيدة والواقع الإقليمي
وأقرّت بأنّ "كلام الأمين العام لـ"حزب الله "السيد "حسن نصرالله "بمناسبة "يوم القدس"، أنّه "لو اجتمع العالم كلّه ليفرض علينا الخروج من سورية لن نخرج إلا إذا طلبت الحكومة السورية منا، لا يخدم هذا التوجّه ويقوّض مبدأ النأي بالنفس، مبيّنةً أنّ الهدف الّذي سبق لرئيس الجمهورية ميشال عون ولرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ووزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق أن وضعوه للحكومة المقبلة، بوجوب مناقشة الاستراتيجية الدفاعية لمعالجة مسألة استقلالية سلاح الحزب عن الدولة، سيواجه صعوبة في ظلّ سياسة الحزب على رغم أنّ "نصر الله "كان أبدى الإستعداد لمناقشة هذه الاستراتيجية.
وعلى ضوء هذه المعطيات، يتحصّن الحريري بالانتظار. أقلّه هكذا يشي تروّيه. ينأى بنفسه عن أيِّ دعسةٍ ناقصة، وكأنه يترك لمسبّبي العِقد الوزارية مهمّة حلّها بأنفسهم. ويعتصم بالهدوء ويحاذر حتى التلويح بإمكانية وضع مسودة تشكيلة حكومية ينطلق منها في «ماراتون» نزع ألغام الحصص والحقائب. ويعترف عارفوه بوجود "قطبة مخفيّة" يعجزون عن فكّ أحجيتها، أقلّه في الوقت الراهن، لكنها تثير احتمالَ أنّ الرجل يراهن على حدث ما أو أمر ما لا يزال طيَّ الكتمان.
بعض المصادر تقول إنّ يدي رئيس الحكومة المكلّف في الماء البارد. التكليف في دارته، والتأليفُ تحصيلٌ حاصل. لا يبدي استعجالاً كي لا تأتي الطبخة على حسابه وحساب توجّهاته. هو أصلاً مجبَر، على تقديم تنازلاتٍ من «طبقه» السنّي. ولن يكون بالتالي مضطراً للاستعجال لكي لا يُجرّ الى التنازل طوعاً. وفق عارفيه، سيصعب عليه أن يقدّم وزيرَين سنّيَين "أحدهما من حصّة رئيس الجمهورية والثاني ممثل عن معارضيه" يُخرَجان من تحت عباءته الحكومية. قد يكتفي بوزيرٍ واحد، لكنْ إثنان فهذه مسألة يصعب هضمُها بالنسبة للحريري، إن لم نقل مستحيلة. ولهذا أيضاً يصرّ على أن تكون حكومتُه ثلاثينيةً ويرفع الفيتو ضدّ سيناريو توسيعها لتكون مؤلّفة من 32 وزيراً، لأنّ كل إضافة ستقلّص من نسبة حصته الوزارية، حتى سيناريو الـ26 وزيراً يعارضه كما يقول مقربون منه، كون هذا يحوّله أقلّيةً على طاولة الحكومة على اعتبار أنّ الوزيرَين العلوي والسرياني لن يكونا من حصّته . التفسير الوحيد المتداوَل حتى اللحظة بين أصحاب الشأن، هو أنّ الحريري يهرب إلى الأمام من الخلاف المسيحي- المسيحي حول الحصص بعد ما وُضع على طاولته من معطيات: فـ"القوات" أبلغته أنّ حضورَها النيابي يتيح لها أن تكون ممثّلةً بنائب رئيس الحكومة الى جانب حقيبة سيادية وثلاثة وزراء، فيما جواب "التيار الوطني الحر" على هذه الكوتا، بأنّ الحصّة القواتية لا يجوز أن تقفز فوق ثلاثة وزراء.
إقرأ أيضا : تشكيل الحكومة بانتظار كلمة السر
أخذ الرئيس الحريري علماً بذلك. وهو طبعاً يتجنّب المواجهة مع كلا الفريقين. يرفض الاصطدامَ مع "العهد"، ويفضّل أن يكون متجاوِباً مع مطالب حليفه القواتي، وعليه يترك الحريري الطابة في ملعب المسيحيين لكي يتوصّلوا الى صيغة مشترَكة تُخرجه من ساحة الاشتباك سليماً. ومن جهة ثانية تشير بعض المصادر، ان العقدة الأساسية التي تعوق تشكيل الحكومة أيضاً، لازالت تتمثل بموقف النائب السابق وليد جنبلاط، الذي غادر امس الى الرياض تلبية لدعوة ملكية رسمية، فجنبلاط الذي حصل على 7 نواب دروز من اصل 8، يرفض توزير النائب طلال ارسلان، على انه لا يمانع بتسمية درزي آخر من أنصار أرسلان للوزارة، شرط ان يوزّر مسيحي من كتلة جنبلاط. ولكن من الواضح ان "حزب الله"، والوزير باسيل مصران على توزير أرسلان بتوصية سورية .
وهكذا ستستمر حال التجاذب وشد الحبال المرافقة لمحنة التأليف ، وهكذا يكمن التفسير الوحيد لحالة التمهل التي يتسلّح بها رئيس الحكومة المكلّف.