أكّد رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" سمير جعجع أن "التحوّل الذي تمرّ به المنطقة والعالم الإسلامي بالتحديد ليس سياسياً فحسب وإنما هذه حقبة تطورية، ستنتج عصر نهضة يشبه عصر النهضة المسيحي"، مشيراً إلى أن "بروز تنظيم "داعش" ومفهومه لإدارة التوحش، أحدث صدمة إسلامية، تنتج اليوم عملاً تراكمياً ومنهجاً فكرياً سيمثّل صحوة إسلامية كبرى. وهذا يثبت عدم اتصال "داعش" بالإسلام، لأن ما فعله التنظيم يشبه إلى حدّ بعيد المحارق وبيع صكوك الغفران، ما أدى إلى نهضة مسيحية".
وفي حديث صحافي، أشار إلى أننا "سنرى إسلاماً حقيقياً مختلفاً عن الصورة التي جرى عكسها طوال السنوات الماضية، وما تشهده السعودية هو تطور كبير، وتقدمية سترخي بظلالها الإيجابية على العالم بأسره"، لافتاً إلى أن "الراديكاليات الدينية أنتجت راديكاليات مضادة، كما أن الراديكاليات العلمانية أو الإلحادية أنتجت أيضاً راديكاليات دينية".
وجزم جعجع بأن "الأميركيين لا يمزحون في مواجهة الإيرانيين، وأنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة، والتي تقول إن الأميركيين يغضون النظر على توسع إيران في المنطقة، باعتبار أن هناك مساع جدية أميركية وعربية لمواجهة نفوذ إيران ليس في سوريا فقط بل في المنطقة كلها وعلينا النظر للتطورات الحاصلة في جنوب سوريا، حيث عقد اتفاق على وجوب خروج الإيرانيين وحلفائهم من تلك المنطقة، وعلى ما يبدو أنهم يلتزمون بالإنسحاب من تلك المنطقة، لكنهم لن يتنازلون بسهولة في مناطق أخرى، وأهمها في العاصمة دمشق ومحيطها".
ورأى أن "مرحلة الضغط على إيران لإخراجها من سوريا بدأت، إلا أنه يجب ألا نغفل أن إيران موجودة على الأرض وهي الطرف الأقوى، باعتبار أنه لولا القوات الإيرانية لما استطاع الروس أن يحققوا شيئاً في سوريا، وقد يعمل الإيراني على تنفيذ إتفاق الجنوب السوري لإلهاء الإسرائيلي عن أمور أخرى"، مشدداً على أن المرحلة المقبلة ستكون صعبة ويجب حماية لبنان من أي تداعيات. ولكن هل التسوية المرتقبة في الجنوب السوري ترتبط بالمساعي الحديثة حول ترسيم الحدود في الجنوب اللبناني؟".
وأشار جعجع إلى أنه لا يرى ربطاً بين المسألتين، "باعتبار أن لا شيء يوازي الإتفاق بالجنوب السوري، المسألة تتعلق بالنفط، والقنوات موجودة منذ سنوات، وتحديداً في العام 2009، حيث تقدّم الأميركيون بخطة لم تصل إلى نتيجة، وقد عادت المفاوضات ونشطت منذ حوالى سنة، بعد تدخلّ الإسرائيليين لحل النزاع حول بعض النقاط، وقد جرى التوصل إلى حوالى 11 نقطة، والآن عادت المفاوضات ونشطت بسبب السعي الإسرائيلي لتشييد الجدار العازل".
ونفى جعجع علمه بتفاضيل العرض الجديد، مفضّلاً إنتظار اتضاح العرض المقدّم للبناء على الشيء مقتضاه. "من المبكر الحكم على هذه المسألة، خاصة أن الخلاف البحري على مساحة حوالى 800 كلم مربع، وهذه تحتاج إلى وقت للتفاهم عليها".
ورأى جعجع أن عودة لـ"حزب الله" من سوريا قريبة، المرحلة المقبلة ستشهد ذلك، وكل المؤشرات تقود إلى هذه الخلاصة". أما ماذا عن انعكاس تلك العودة على الداخل؟ فأجاب بأنه لن يكون لها أي انعكاسات، وحتى لو ادعى "حزب الله" الإنتصار، فالواقع على الأرض معروف، وليس الدولة من طالب الحزب بالذهاب إلى سوريا وبالتالي لن يحصل على مكافآت.
وتوقع جعجع بأن يعود الحزب أكثر تواضعاً بعد كل ما جرى معه، وهو يجري تحولاً مفصلياً في تاريخه من خلال دخوله إلى صلب المعادلة الداخلية بكل تفاصيلها، من طرح عنواين متعددة كمكافحة الفساد وغيرها، وهذه تدلّ إلى أن الحزب يريد الإندماج أكثر لبنانياً، و"إذا كان الحزب جدياً في طرح مكافحة الفساد فنكون على تعاون معه. على طاولة مجلس الوزراء هناك سيظهر الخيط الأبيض من الأسود، وجدّية "حزب الله" في مكافحة الفساد ستدفعه إلى الإصطدام بحلفاء وأصدقاء كما حصل معنا".
ورداً على سؤال عما إذا ستكون المرحلة المقبلة للتطبيع مع النظام السوري؟ لفت جعجع إلى أنه "لم يعد هناك نظام في سوريا، المعادلة دولية، ونحن نريد التطبيع وإصلاح العلاقة مع كل سوريا، وليس مع فئة واحدة من الشعب السوري، ومن يظنّ أن المجتمع الدولي أو الولايات المتحدة أو أي قوة أخرى، مستعدة للقبول ببقاء الأسد فهو مخطئ تماماً، ولا يعرف حقيقة المواقف، لا يمكن لأي طرف بالعالم القبول بإعادة تعويم النظام، هذا النظام انتهى، ولا رجعة له، ما تبقى منه صورة فقط، بسبب عدم وجود أي طرف بديل، ولكن أي حلّ سياسي سيقود إلى تغيير جذري".
وأكد أنه "لا يمكن التطبيع مع هذا النظام، وما علاقته باللاجئين، فهو من هجّرهم وهو لا يريد عودتهم، وحين يعلم السوريون الراغبون بالعودة أن النظام يريد ذلك أو يسعى إليه فسيحجمون عن الخطوة، "فلبنان لن يطبّع مع نظام غير موجود، ونحن نريد التطبيع مع سوريا كاملة".
على الصعيد المحلي، فقد شدد جعجع على "وجوب دعم العهد وإنجاحه، لأنها فرصة لن تتكرر للبنانيين، في ظل التوافقات الحاصلة، وفي ظل حماسة الجميع لمكافحة الفساد. فلا يجب إهدار الفرصة"، مؤكداً أنه متمسك بـ"تفاهم معراب"، وبالعلاقة الجيدة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والتي تخللها تفاهم شامل للمرحلة المقبلة خلال اللقاء الذي عقد بينهما في بعبدا مؤخراً. أما مع "التيار الوطني الحرّ" فيؤكد أننا "سنبقى نحاول ونسعى لتثبيت العلاقة ووقف حالة الطلعات والنزلات"، مشيراً إلى أن "التفاهمات قد تكون على القطعة، أو على كل ملف بحد ذاته".
وفضّل جعجع تأجيل البحث في التفاصيل الدقيقة خصوصاً لعملية تشكيل الحكومة "فالآن تجري عملية وضع الهيكلية والتصور العام من قبل الرئيس المكلف، وبعدها يبدأ الحديث بالتفاصيل"، متمسكاً بحق حزب "القوات اللبنانيّة" بالتمثيل الصحيح، ومفضلاً عدم الدخول في لغة الأرقام أو تسمية الوزراء، وأضاف: "قلت للحريري، يجب أن تكون حكومة جديدة بكل معنى الكلمة، وتضمّ وجوهاً جديدة، تعمل لصالح الناس وليس لصالح السياسيين، كما تمنّيت عليه بأن تتألف الحكومة من 24 وزيراً، في إطار وقف الهدر ولا داعي لتكبيد الخزينة تكاليف وزارات غير موجود نطلق عليها اسم وزارة دولة، مشيراً إلى أننا "نتمسك بمطالبنا بوجوب المداورة في الحقائب".
وأبدى جعجع تفاؤله للمرحلة المقبلة، متحدثاً عن إنطلاقة جديدة وجدية مع "تيار المستقبل" كحليف، ومع كل القوى الأخرى، وستكون مرحلة جديدة بالفعل، يتعزز فيها التنسيق بكل الملفات، بالعودة إلى الإنتخابات النيابية والنتائج التي أفرزتها، رافضاً وصف إنتصار "حزب الله" واكتسابه أكثرية في مجلس النواب، "فلدى الحزب وحلفائه 46، ولدى "14 آذار" 47، فيما تبقى الكتل الوسطية، وكتلة لبنان القوي، وموازين القوى ستكون مرتبطة بالوضع في المنطقة، رافضاً أن يضع كتلة لبنان القوي المحسوبة على التيار الوطني الحرّ في صف حزب الله، وتصويتهم على قرارات عديدة سيثبت ذلك".