في حمأة الملفات الداخلية المتراكمة والمتشابكة والتي اشتهر اللبنانيون بانتاجها بتقنية عالية وقدرة فائقة، ودون أن يهتدوا السبيل لإيجاد حلول لها، بل انهم يمعنون في تأزيمها وفي التنصل من مسؤولية تعقيداتها ويجيدون تبادل الاتهامات والمماحكات والمناظرات المشبوهة والفارغة من أي اهتمام بمصلحة البلد والالتفاف حول المشروع الوطني والاختباء وراء مصالحهم الفئوية والآنية والخاصة.
وفي ظل التشابك بين الواقع الداخلي اللبناني وارتباطاته بأزمات المنطقة من خلال الرباط الطائفي والمذهبي والسياسي الواصل بين كل طرف داخلي بداعم خارجي. وما يترتب عليه من انعكاسات سلبية على الساحة الداخلية ناتج على خلفية الصراعات الإقليمية والدولية مع تسابق الأطراف المعنية بشؤون المنطقة للمزيد من الهيمنة وبسط سيطرتها على المنطقة العربية وفرض الشروط التي تخدم سياساتها التوسعية.
ومع تعذر الأطراف الخارجية المنغمسة في تفاصيل السياسة الداخلية عن التوصل إلى الحد الأدنى من التوافق على كلمة السر التي تأذن بالانطلاق في رحلة تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة وإعطاء الإشارة للرئيس المكلف للبدء بمرحلة التكليف.
فإن الرئيس سعد الحريري ورغم مرور أكثر من أسبوعين على مرسوم التكليف، ينهمك في ملفات أخرى لملء الفراغ في الوقت الضائع ويتهيب عن السير ولو خطوة أولى على طريق تشكيل الحكومة العتيدة بانتظار كلمة السر السحرية الآتية من الخارج والتي تسمح له بالقيام بالمهمة الموكولة إليه.
ومع دخول الأسبوع الثالث على التكليف فإنه وعلى عكس ما كان متوقعا فإن هذا الأسبوع لم يشهد اي حركة تذكر على هذا الصعيد. فلا اتصالات ولا مشاورات مكثفة كما كان متوقعا ومفترضا، وما تم تسجيله ليس أكثر من تحركات خجولة وغير مجدية تولى القيام بها الرئيس الحريري وبغالبيتها بعيدة عن الأضواء. رغم سعيه الجاد لإيجاد الحلول والعمل على جمع معظم الأطراف السياسية والحزبية للتوصل إلى تشكيلة حكومية ترضي الجميع ويقتنع بها كرئيس مكلف لضمان نجاح المهمة التي أوكلت إليه.
إقرأ أيضًا: شكوك عن دور إيران في المشهد الأردني
وبدا واضحا انه وعقب الاستشارات النيابية في الثامن والعشرين من شهر أيار الماضي وعقب الزيارة الغامضة التي قام بها الرئيس الحريري إلى السعودية والتي وصفها بأنها زيارة عائلية واقتصرت على تأدية مناسك العمرة. وبعد حوالي الأسبوع على عودته من هذه الزيارة فإن المقرات الرسمية من القصر الجمهوري في بعبدا إلى عين التينة إلى بيت الوسط لم تشهد أي لقاء له علاقة بتأليف الحكومة ولم يدور فيها أي نقاش حول هذا الموضوع بانتظار شيء ما لا يزال غامضا ولم يتبرع احد بالكشف عنه أو الإشارة إليه.
حتى أن إشارات الاستعجال التي عبر عنها الرئيس بري ومن بعده "حزب الله " لم يتم ترجمتها من خلال اي موقف أو تحرك ، واللقاء الأخير الذي جمع الوزير جبران باسيل بالأمين العام ل "حزب الله "السيد "حسن نصر الله " لم يتطرق إلى مسألة التشكيلة الحكومية.
وفي السياق عينه فإن كافة الأفرقاء لم تتناول الملف الحكومي لا من قريب ولا من بعيد والبعض تولى ترتيب المواقف في مواجهة مرسوم التجنيس للطعن في دستوريته فيما البعض الآخر تولى الدفاع عنه.
لم يعد خافيا أن ملف تشكيل الحكومة لن يفتح قبل عيد الفطر وقد يمتد إلى أعياد أخرى طوال هذا الصيف بانتظار كلمة السر التي تحتفظ بها الرياض. والإفراج عنها سيبقى مرهونا بما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا واليمن وبما يدور من مفاوضات في كواليس الغرف المغلقة في واشنطن وموسكو وطهران وأنقرة.
وحتى ذلك التاريخ فاللبنانيون يقبعون على رصيف الانتظار .