ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ظهر اليوم في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، قداس اختتام الرياضة الروحية لسينودس الأساقفة الموارنة، عاونه فيه المطرانان انطوان نبيل العنداري، يوسف سويف ومرشد الرياضة الروحية المونسنيور جورج ابي سعد، بمشاركة مطارنة الطائفة في لبنان وبلدان الانتشار.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان "كلمتكم بهذا ليكون لكم بي السلام"(يو 16: 33)"، قال فيها: "نقيم معا هذه الليتورجيا الإلهية، إفخارستيا شكر لله على هذه الرياضة الروحية التي خاطب قلوبنا فيها، على لسان الأب المرشد المونسنيور جورج أبي سعد مشكورا. فعشنا أيام سلام وفرح. وهو الرب نفسه يؤكد لنا ذلك في إنجيل اليوم: "كلمتكم بهذا ليكون لكم بي السلام. سيكون لكم في العالم ضيق. لكن ثقوا، أنا غلبت العالم" (يو 16: 33). بهذا السلام وبهذه الثقة استعدينا لدخول السينودس المقدس صباح الإثنين المقبل، وعلى جدول أعماله العديد من المواضيع التي تختص بحياتنا الليتورجية وتنشئة طلاب الكهنوت في إكليريكياتنا، وشؤون أبرشياتنا في النطاق البطريركي وبلدان الانتشار، والتنظيم القانوني لكنيستنا وخدمة العدالة في محاكمنا، وأعمال المؤسسات والمكاتب التابعة للدائرة البطريركية، ولاسيما ما يختص بالشبيبة والزواج والعائلة. هذا، بالإضافة إلى أوضاع شعبنا الاقتصادية والمعيشية ومعاناته، والرسالة التربوية في مدارسنا، وخدمة الصحة في مستشفياتنا. فضلا عن الشأن الوطني المتعثر سياسيا واقتصاديا وإنمائيا. إنا مذ الآن نتكل على العناية الإلهية وأنوار الروح القدس، كي نتدارس كل هذه المواضيع، ونتخذ ما يلزم من تدابير تؤول لخلاص أبناء كنيستنا وبناتها، على ما تنص قوانين الكنيسة أي أن "الشريعة السميا خلاص النفوس".
أضاف: "بهذا السلام وبهذه الثقة إياهما، سنعود بعد ذلك إلى أبرشياتنا حاملين شعلة الرجاء بالروح والعمل، كرعاة "حسب قلب الله" (إرميا 3: 15) نجمع بين الكرازة بكلمة الحياة والصلاة، فنساعد شعبنا، وبخاصة شبيبتنا، على اكتشاف معنى الحياة والتاريخ، وتكوين رؤية مستقبلية لدورنا ورسالتنا في هذه المنطقة المشرقية التي تهدمها الحروب وتهجر شعوبها، ولا سيما أن عمر وجودنا المسيحي فيها ألفا سنة. صحيح أن مجتمعاتنا بحاجة ماسة إلى الخبز، ولكنها بحاجة أكبر إلى معنى الحياة، لكي نخلص الضعفاء من اليأس والكفر بالوطن، ومن الانتحار بالادمان على المخدرات ولكي نخلصهم من واقع اللامعنى لحياة الإنسان، المخلوق أصلا على صورة الله، وقد أضاعها، فيما هو مدعو ليعاون الله في صنع التاريخ. هنا تكمن مسؤوليتنا كرعاة مع معاونينا، من كهنة ومكرسين ومكرسات ومؤمنين ملتزمين".
وتابع: "سنعود إلى أبرشياتنا حاملين الحقيقة المثلثة، حقيقة الله والإنسان والتاريخ، لنشهد لها، وننقلها إلى شعبنا، وقد اتمننا الرب. فمن المؤسف جدا أن كل أنواع الكذب والخداع والرفض للحقيقة وطمسها، أصبحت مباحة، وشكلت الأساس لما نشهد من ظلم واستبداد واستكبار. وما يؤلم شعبنا بالأكثر تصرف المسؤولين في الدولة وكأنها ملك لهم بأرضها ومالها ومؤسساتها وجنسيتها، فيما هم بالحقيقة موكلون عليها من "الشعب الذي هو مصدر السلطات"، كما تنص مقدمة الدستور (الفقرة د). فيحق للمواطنين، والحالة هذه، أن يقلقوا، ليس فقط على مصيرهم ومصير عائلاتهم وأولادهم، بل وبخاصة على مصير وطنهم، إذ يرون هذا العبث بالشأن العام، والسعي إلى المصالح الفردية والفئوية، وإغماض العين عما يتهدد البلاد من أخطار".
وقال: "سنعود إلى أبرشياتنا "رعاة بقلوب جديدة حسب قلب الله" (إرميا 3: 15). نجمع شعبنا حول كلمة الله ونزيل الانقسامات؛ نرافقه بحنان الأب ونصغي إليه ونتفهمه ونساعده، نصلي ونتشفع من أجله لدى الله، حاملين صرخة ألمه. سنعود إلى شعبنا وتدفعنادينامية رسولية بإرسال صريح وآمر من الرب يسوع: "إذهبوا إلى العالم كله، واعلنوا بشارتي إلى الخليقة كلها" (مر 16: 15). إن أول واجب تقتضيه محبتنا الراعوية إنما هو إعلان الإنجيل لأبناء كنيستنا، حيثما وجدوا وتحت أي سماء، بروح رسالية نربي عليها كهنتنا ونوجهه إلى الخدمة في الرسالات وابرشيات الانتشار. ونحسس وشعبنا على دعمها. فنحن مسؤولون عن إيصال كلمة الحياة إليهم، وخلاصنا منوط بهذا الواجب. ولنقلها مع بولس الرسول: "الويل لي إن لم أبشر بالإنجيل" (1كور 9: 16)".
أضاف: "سنعود إلى أبرشياتنا لنعطي الهيكليات والمؤسسات روحا، من خلال تغيير قلوب العاملين فيها، بالروح التي كسبناها في هذه الرياضة الروحية، وببث الحس الرسولي فيهم، وروحانية الرسالة في رعايانا. فلا تكون أبرشياتنا ومؤسساتنا لذاتها بل لشعبنا، وتكون في حالة خروج دائم من ذاتها إليه. فالمسيح نفسه كان شخصا لغيره.
وأول من ينتظرنا كهنتنا، معاونونا الأولون، الذين نسهر على تعزيز روحانيتهم وتثقيفهم، هم وطلاب الكهنوت، كهنة الغد، موقنين أن عملية الإصلاح في كنيستنا مرتبطة بإصلاحهم الروحي بقوة الصلاة والاتحاد بالله، وبقداسة حياتهم وحياتنا وبحرارة الروح. وهذا ما ينتظره منا المجمع البطريركي الماروني الذي عقدناه ما بين 2003 و 2006، لكي يجد تطبيقه الكامل والفاعل والمثمر".
وختم: "أجل، لقد قال لنا الرب يسوع، عبر التأملات والصلوات، كلاما إلهيا زرع في قلوبنا السلام والثقة به، مع الشجاعة التي تنفي الخوف ما يحيط بنا من مضايق. فإننا أبناء القيامة. وإنا بصلاة الشكر نرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد".