تلاشت موجة التفاؤل بإمكان تشكيل غير متأخر للحكومة الجديدة، التي كلّف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بتأليفها بناء على استشارات نيابية ملزمة قاربت الـ111 نائباً. وتزايدت الأسئلة وسط جمود يحيط بالاتصالات عن المدى الزمني الذي فيه ستشكل الوزارة.
وحسب أوساط معنية بالتأليف فإن معالم صعوبات غير متوقعة، بدأت بالتبلور، وهي تتجاوز المطالب الداخلية للكتل النيابية، لا سيما داخل الفريق المسيحي، حيث يستمر السجال الخلاف بين التيار الوطني الحر وحزب «القوات اللبنانية» حول المساواة أو اللامساواة في الحصص من الناحية الكمية، والنوعية من ناحية أخرى.
من هذه المعالم: 1 - ظهور الخلاف إلى العلن بين الرئيس الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، حول اجراء اتخذه باسيل من جانب واحد، وقضى بإيقاف طلبات الإقامة المقدمة إلى الوزارة (الخارجية) الأمر الذي رفضه الرئيس الحريري على لسان مستشاره لشؤون النازحين السوريين نديم المنلا، بقوله انه اجراء باسيل احادي الجانب، ولا يعكس سياسة الحكومة اللبنانية أو رئيسها الذي سبق له وأبلغ وزير الخارجية انه ضد هذا الاجراء طالبا منه سحبه.
وفي السياق رأى وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة ان «وزير الخارجية يُطلق سياسة جديدة تجاه عودة النازحين السوريين والمنظمات الدولية، وكأن لا حكومة راحلة، ولا حكومة آتية، ولا مجلس نواب جديد».
واعتبر وزير الدولة لشؤون النازحين في حكومة تصريف الأعمال معين المرعبي ان «قرار باسيل بشأن مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة، منفرد ولا يلزم أحداً. 
وقال المرعبي في حديث لقناة «الحدث»: «لا يوجد أي منطقة آمنة في سوريا لإعادة النازحين اليها».
وتابع: «ادعو المجتمع الدولي لفرض عقوبات على باسيل بعد قراره بشأن المفوضية».
2- ما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في ما خصَّ عودة حزبه من سوريا،فضلا عن تجدد الحملات على المملكة العربية السعودية ودول الخليج في خطابه أمس في يوم القدس.
وفي الشق المحلي دعوة أحزاب الكتائب اللبنانية  و«القوات اللبنانية» و«التقدمي الاشتراكي» رئيس الجمهورية إلى إلغاء مرسوم التجنيس، وإصدار مرسوم آخر يتضمن فقط الحالات الخاصة جدا ولأسباب إنسانية محددة جدا ومتوافقة مع مقتضيات الدستور اللبناني ومعايير منح الجنسية اللبنانية خاصة في الظروف الحالية التي يضيق فيها لبنان أصلا بسكانه».
أزمة المفوضية- باسيل
وفي تقدير أوساط سياسية مطلعة، ان انفجار أزمة النازحين السوريين بين وزارة الخارجية والأمم المتحدة، عبر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ليس بعيداً عن أزمة مرسوم التجنيس، بعدما تبين وجود شبهات أمنية وقضائية حول بعض الأسماء التي تضمنها، وكأن إثارة أزمة المفوضية مع الخارجية جاءت للتغطية على «فضيحة» الأسماء في مرسوم التجنيس، والتي دفعت الأحزاب المعترضة عليه، وهي أحزاب الكتائب و«القوات اللبنانية» و«التقدمي الاشتراكي» إلى مطالبة رئيس الجمهورية بإلغاء المرسوم وإصدار مرسوم آخر جديد للحالات الخاصة، ولاسباب إنسانية محددة.
وبحسب هذه الأوساط، فإن ما اقدم عليه الوزير باسيل لجهة إيقاف طلبات الاقامات المقدمة إلى الوزارة لصالح مفوضية شؤون اللاجئين، لم يحظ بموافقة الرئيس الحريري، الذي سبق وأبلغ باسيل انه ضد هذا الاجراء وطلب منه سحبه، وفق ما كشفه مستشاره لشؤون النازحين نديم المنلا، الذي أعلن ايضا ان الاجراء الذي اتخذه وزير الخارجية احادي الجانب ولا يعكس سياسة الحكومة اللبنانية أو رئيسها.
وقال: «على الوزير باسيل ان يُدرك ان هناك رئيساً للحكومة ووزيراً معنياً بملف النزوح، وهو المخول التعبير عن سياسة النازحين، وليس مقبولاً بالشكل ان يجري تحقيقاً ويحاكم ويصدر حكماً بالتنفيذ، فهذا تعد على صلاحيات زملائه، إذ لا يحق له ان يتخذ اجراء بحق مؤسسة دولية، ورئيس الحكومة هو المعني الأساسي بسياسة لبنان الخارجية».
ومن جهته، انتقد وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال مروان حمادة أداء باسيل من دون ان يسميه، وقال ان « ان وزير الخارجية يتصرف وكأن الدولة تعلن حرب إلغاء على المؤسسات الدولية دون حساب للتداعيات المحلية على سمعة لبنان والخسائر المرتقبة إن لم يرحل النازحون وانقطعت المساعدات. وقال: «مهلا أيها الوزير، نذكرك أنه حتى إشعار آخر هناك رئيس وحكومة تصريف أعمال، وهناك رئيس مكلف لتشكيل الحكومة وهناك حكومة قادمة عليها أن تناقش أمام مجلس النواب سياسة الحكومة وترتيبات عودة النازحين».
وفي معلومات «اللواء»، ان خطوة باسيل ضد مفوضية اللاجئين هي التي دفعت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان بالأنابة برنيل كارديل لزيارة الرئيس الحريري أمس في «بيت الوسط»، الا ان المسؤولة الأممية التزمت الصمت، ولم تشأ الإدلاء بأي موقف بعد اللقاء، لكن المتحدث باسم الأمم المتحدة في نيويورك، أوضح ان المهم بالنسبة إلى الأمين العام انطونيو غوتيرس هو ان أي لاجيء يتخذ قراره الخاص حول عودته، أي ان تكون عودته طوعية، فيما قالت أوساط «بيت الوسط» ان الرئيس الحريري يتابع الموضوع بكثير من الاهتمام.
ولوحظ ان تلفزيون «المستقبل» الناطق بلسان تيّار «المستقبل» نقل تصريحات المنلا، فيما ردّ الوزير المعني بشؤون النازحين معين المرعبي على باسيل داعيا المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات عليه، بعد قراره بشأن المفوضية، مؤكدا ان هذا القرار منفرد ولا يلزم أحداً وغير دستوري، ويعتبر نقضاً لمبادئ الأمم المتحدة ومعيباً. لافتا النظر إلى انه لا توجد منطقة آمنة في سوريا لعودة النازحين.
ورد وزير الطاقة المقرب من باسل باسيل سيزار أبي خليل على تصريحات حمادة والمرعبي، معتبرا انها «تغطية عجز أو تواطؤ»، وقال في تغريدة له عبر «تويتر»: «بات عليكم الاعتياد على وزراء يمارسون صلاحياتهم انطلاقاً من المصلحة الوطنية والسيادة اللبنانية دون غيرها».
كما غرد وزير العدل سليم جريصاتي بدوره عبر «تويتر» معتبرا انه «في مسألة النزوح السوري المصلحة اللبنانية العليا تسمو فوق كل اعتبار. اخبرهم جبران لماذا لم يوقع لبنان لحينه ودول الطوق العربي اتفاقية جنيف تاريخ 28 تموز 1951 وبروتوكول 1967 في حين سارعت إسرائيل إلى التوقيع لعلهم يفهمون».
وكان باسيل، الذي يدرس اعتماد إجراءات تصاعدية أخرى في حق مفوضية اللاجئين في حال بقيت تعتمد سياسة تخويف النازحين من العودة إلى سوريا، قد استند في الاجراء الذي اتخذه بوقف طلبات الاقامة، إلى التقرير الخطي الذي رفعته إليه البعثة المرسلة من قبله إلى منطقة عرسال، والتي تبين لها من خلال مقابلاتها مع نازحين سوريين راغبين طوعيا بالعودة الى سوريا، ومع موظفين في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، إلى أنها تعتمد على عدم تشجيع النازحين للعودة، لا بل إلى تخويفهم عبر طرح أسئلة محددة تثير في نفوسهم الرعب من العودة نتيجة اخافتهم من الخدمة العسكرية والوضع الأمني وحالة السكن والعيش وقطع المساعدات عنهم وعودتهم دون رعاية اممية، وغيرها من المسائل التي تدفعهم إلى عدم العودة. 
وأوضح مكتب باسيل ان تبريره يأتي بعد عدة تنبيهات من الوزارة وجهت مباشرة إلى مديرة المفوضية في بيروت السيدة ميراي جيرار، وبعد استدعائها مرتين إلى وزارة الخارجية وتنبيهها من هذه السياسة، وبعد مراسلات مباشرة من الوزير باسيل إلى الامين العام للأمم المتحدة، ومراسلات من الوزارة إلى المفوضية والأمم المتحدة، دون أي تجاوب لا بل امعنت المفوضية في نفس سياسة التخويف.
مرسوم التجنيس
اما مرسوم التجنيس، فإن نشره، أمس الأول على موقع وزارة الداخلية، كاملاً وبالاسماء، عزّز قناعة الأحزاب المعارضة له، وكذلك الذين اطلعوا عليه ودققوا في الأسماء الواردة فيه، الشبهات الأمنية والقضائية التي تحدث عنها بيان الداخلية، لكن الجديد فيه هو علامات الاستفهام التي طرحت حول ما إذا كان المتمولون السوريون والعراقيون والايرانيون الذين طلبوا منحهم الجنسية اللبنانية، جاء بدافع حماية رؤوس اموالهم من خلال نظام السرية المصرفية التي يتمتع بها النظام المصرفي اللبناني، وليس بدافع استثمار اموالهم في مشاريع انتاجية، واستطراداً عمّا إذا كان هؤلاء دفعوا رشاوى لهذا الغرض، تبعاً لممارساتهم المشبوهة في هذا المجال.
وبطبيعة الحال، فإن أي خطوة يُمكن ان يلجأ إليها رئيس الجمهورية بعد ان ظهرت عيوب المرسوم، فضلاً عن الشبهات التي تحيط بعدد لا بأس به من المجنسين الجدد، ومنها على سبيل المثال إلغاء المرسوم، وفق ما تمنى عليه البيان المشترك الذي صدر عن الأحزاب الثلاثة، لن تتقرر إلا في ضوء التقرير الذي سيرفعه إليه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي بات يتمتع بصدقية كبيرة لدى قصر بعبدا، وفي ضوء هذا التقرير يُمكن صدور ملحق يتضمن شطب الأسماء المشبوهة، من دون إلغاء المرسوم باعتباره بات نافذاً.
غير ان الأوساط القريبة من العهد ومن «التيار الوطني الحر»، ما زالت على اعتقادها بأن المرسوم شكل وسيلة لاستهداف رئيس الجمهورية بغية اضعافه في المرحلة المقبلة، علماً ان المرسوم لم يقترن باسمه فحسب، ويتساءل هؤلاء لماذا لم نسمع بهذه الأصوات عندما مررت 3 مراسيم في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان؟
وإذ لا يستبعد المقرّبون عودة الأمور إلى طبيعتها قريباً، يؤكدون: هل هناك شفافية أكثر من نشر المرسوم وتعريض الحياة الشخصية لمن وردت اسماؤهم فيه، لكن المطلوب كما هو ظاهر إضعاف الرئيس القوي لمنعه من القيام بشيء وتبديل المعادلات التي أرساها في ملفات كبيرة، ومنها ملف أزمة النازحين السوريين، علماً ان هناك من أبدى خشيته من التمدد الشعبي الذي عكسته مشاركة النّاس في انتخاب نواب «التيار الوطني الحر» وحلفائه، ليقينهم انهم انتخبوا الرئيس عون، كما ان هناك خشية مما يقال عن قيام حكومة العهد الاولى قريباً.
الحكومة
والسؤال: لماذا هذه الإشارة إلى حكومة العهد، ولماذا برز فجأة حديث عن تباطؤ مقصود في عملية تأليف الحكومة لأسباب ربما لا يعرفها الا الرئيس المكلف نفسه؟ بالتزامن مع تكهنات بأن تكون وراء هذا التباطؤ ضغوط خارجية مغطاة بقشرة لبنانية؟
وهل صحيح ان ثمة بعض الدول الخارجية تتصلب في منح «حزب الله» حقائب أساسية وموزانة كما يريد، قد يكون وراء تصلب بعض الأطراف الداخلية وراء تصعيد مطالبها لتأخير التشكيل بهدف الضغط لعدم الاستجابة لمطالب الحزب؟
كل هذه التساؤلات وغيرها طرحت، فيما مفاوضات التأليف أنهت اسبوعها الثاني، من دون ان يبدو في الأفق، ان أسبوع عيد الفطر السعيد أو الذي يليه سيكون حاسماً في ولادة الحكومة، فالرئيس الحريري، بحسب المعلومات سيسافر الأربعاء المقبل إلى موسكو بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحضور افتتاح مباريات كأس العالم، ومن ثم سيتوجه إلى السعودية لتمضية عطلة العيد مع عائلته هناك.
وأفادت مصادر مواكبة لعملية تأليف الحكومة لـ«اللواء» أن ما من تصور شبه نهائي للحكومة حتى يعرضه الرئيس الحريري على الرئيس ميشال عون وقالت إن الرئيس عون أبدى أمام من التقاهم أمس ولا سيما الوزير غطاس خوري المكلف بالاتصالات خول ملف تشكيل الحكومة رغبة بالإسراع بوتيرة التشكيل.
وأشارت إلى أن العناوين حول عدد أعضاء الحكومة باتت محسومة لجهة أن تكون ثلاثينية، موسعة لكنها قد لا تضم جميع الأطراف. 
ولفتت إلى أن التمثيل المسيحي أي الحصص لم يحسم وكذلك الأمر بالنسبة إلى التمثيل الدرزي والسنة المستقلين وكل المطالب تخضع للأخذ والرد بما فيها مطالب الوزارات السيادية والخدماتية والأساسية. 
وأشارت إلى وجود تفاهم على شكل الحكومة وليس على نسبة التمثيل. 
وفهم أن حزب «القوات اللبنانية» يطالب بـ5 وزراء من ضمنها نيابة رئاسة الحكومة فيما يطالب تكتل فرنجية بوزيرين، وأشارت إلى أن الرئيس عون لن يقول كلمته قبل أن ترسو نتيجة المفاوضات على بر والوصول إلى شكل أولي للحكومة.
وأوضحت أن الاجتماعات حول ملف التأليف متواصلة, وكان محورها الوزراء الرياشي وخوري وعلي حسن خليل والنائب وائل أبو فاعور، وكشفت في هذا السياق عن لقاء بين الوزير باسيل مع الوزير خوري. وأفادت أن أي طرف لم يبلغ الحريري بأي اسم لمرشحه لكنها كشفت أن شخصيات تبلغت انها غير عائدة إلى الحكومة. 
ورأت أنه إذا أدت المطالب والشروط إلى عرقلة قيام حكومة وحدة وطنية فإن خيار حكومة الأكثرية قد يخضع للبحث، وقالت إنه يجب حسم نسبة التوزيع في الحكومة متحدثة عن توجه بأن يكون لأي كتلة مؤلفة من أربعة نواب وزير أي بمعدل كل 4 بوزير.
نصر الله
وفيما نقل عن الرئيس نبيه برّي قوله أمس انه لا يجد مبرراً للتباطؤ في تأليف الحكومة، وانه لا يمكّن ترك البلد تتخبط في الفراغ القائم، وحتمية تشكيل حكومة جددة بات ضرورة ملحة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل التي تضغط على رقاب اللبنانيين، لوحظ أن الأمين العام «لحزب الله» السيّد حسن نصر الله لم يتطرق في كلمته في احتفال الحزب بـ«باليوم القدس العالمي» الذي أحياه في بلدة مارون الراس، إلى الشأن السياسي الداخلي، ولا إلى موضوع تأليف الحكومة، وحصر كلامه حول موضوع القدس وغزة، ووجود الحزب في سوريا، حيث أكّد انه ليس للحزب مشروع خاص في سوريا، «وانه لو اجتمع العالم كلّه على ان يخرجنا منها لن يستطيع، ويكون فقط مطلب من سوريا، فنحن موجودون حيث يجب ان نكون موجودين، وحيث تطلب منا القيادة السورية ان نتواجد بحسب تطورات الميدان».
وأوضح انه «عندما ذهبنا إلى سوريا ذهبنا نتيجة فهمنا بأن ما يجري في سوريا مؤامرة كبرى تستهدف كيان سوريا ومحور المقاومة، وكذلك ذهبنا بطلب من القيادة السورية ولم يكن لدينا مشروع خاص»