حتى الآن ، الأجواء الإيجابية التي تعمم من قبل الأوساط السياسية ، لا تستند بما يتعلق بموعد قرب تشكيل الحكومة العتيدة، الى أيّ مُعطى عملي وواقعي ملموس .ربما الأسباب الكامنة خلف إشاعة هذه الأجواء التفاؤلية عدة معطيات . أولاً تكريس حالة التبريد السياسي على مستوى القوى السياسية ، بهدف خلق مناخات أكثر إيجابية بهدف إنجاز الحلول المنشودة. ثانياً توجيه إشارة الى الخارج تلمح الى انّ الحكومة ستولد بالرغم من اللحظة الاقليمية ،آخذاً بعين الاعتبار خصوصية الوضع اللبناني، وأنّ هذا الأمر ضروري ولابد أن يصبح واقعاً ملموساً ، وهذا الأمر مرتبط ثالثاً بدقة وحراجة الوضع الاقتصادي والمخاطر المالية والتي لطالما حذرت منه بقوة العواصم الكبرى ليشكل حافزاً داخلياً لتذليل العقبات وتدوير الزوايا، وبالتالي فان اشاعة الاجواء الايجابية تلك يفترض ان تؤدي الى التخفيف من اعباء اية ضغوطات قد تؤثر سلباً على الوضعين المالي والاقتصادي في مرحلة الفك والتركيب الحكومي، وصولاً للاتفاق على الولادة الحكومية في ظل العديد من الشروط التي ما تزال موجودة.
وفي الوقت عينه لابد من الاشارة هنا الى ، حراجة الوضع الاقليمي في ظل انه على هذا المستوى في المنطقة ملفات كبيرة تبدأ بالاتفاق النووي ومصير الكباش الاميركي ـ الايراني والتفاهمات الجديدة على الساحة السورية ومشروع ترامب حول القدس وترتيب تصوّره حول الصراع "الاسرائيلي ـ الفلسطيني"، وهذه ملفات كبيرة تزدحم بها المرحلة المقبلة، وتدفع الى نتائج وتأثيرات كبيرة من المؤكد ان لبنان يتأثر بها. وبالتالي لربما ترتبط مسألة إشاعة الأجواء الإيجابية في البلد بانتظار تطورات ما من المفترض أن تحصل ومن مصلحة لبنان انتظار حصولها. وفي هذا السياق تتحدث مصادر سياسية متابعة لعملية التأليف وتؤكد ان الرئيس سعد الحريري يتبع سياسة الهدوء والتروي في اختيار الحكومة الجديدة وهو يعكف على قراءة متأنية للمرحلة المقبلة، رغم تمنيه الوصول الى التشكيلة بسرعة ولكن بدون اي تسرع، وتشير المصادر الى انه من الطبيعي ان يطمح اي رئيس مكلف بأن تكون حكومته متجانسة ووفاقية لكي تكون أكثر انتاجية، ولكن الرئيس الحريري في هذه المرحلة يطمح لاكثر من ذلك، خصوصا ان لا عمر محدداً سيكون لهذه الحكومة التي ينتظرها الكثير من الملفات والقضايا الحساسة والدقيقة ان كانت سياسية او اقتصادية وفي ظل وضع معقد اقليميا ودوليا وتعهدات اقتصادية هامة على لبنان السير بها وتنفيذها من اجل النهوض الاقتصادي،بعد أن أصبح وضعه المالي صعب للغاية، على عكس حكومة "استعادة الثقة"التي كان هدفها الأساسي إجراء الإنتخابات وكان عمرها مرتبطاً بهذه الانتخابات .
إقرأ أيضًا: إلى متى سيبقى لبنان حقلاً للتجارب؟
وهكذا يمكننا الاستنتاج انه إقليمياً ومحلياً، ليس هناك ما يمنع التأليف في أمد معقول. التقاطع على استمرار التهدئة والحلول التبريدية للمسائل اللبنانية ما زال يفرض نفسه كمعادلة أساسية. لكن لا يمكن التعامل مع هذا الواقع في نفس الوقت على أنه ثابت ودائم وشامل. لذلك لابد من ايجاد صيغة ملائمة من اجل الإسراع في التأليف أفضل إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنه، في المطلق، ليس هناك ما هو مضمون في الإقليم. مستجدّات الملف النووي والأخذ والردّ بين طهران وواشنطن تتابع أول بأول، وحتى الساعة لا يمكن الجزم بالمسار الاجمالي الذي ستسير إليه الامور.
من هنا،لابد من التشديد على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ان تكون هناك توازنات متساوية في الحكومة المقبلة، كي لا يستطيع اي فريق الاستئثار بالقرار السياسي الحكومي، مما قد يشكل شللاً او تكبيلاً حكومياً ينعكس على الوضع برمته، او ضغطاً في المواقف على فريق سياسي في البلد.
لذلك يُلاحظ أن أقرب طريق للإسراع في التشكيل هو التوافق على اتخاذ التركيبة الحكومية القائمة بعد التسوية الرئاسية، إطاراً للبحث في تركيبة التشكيلة الجديدة. بَيْد أنه إذا طرحت نقطة الارتكاز هذه، فسيُطرح السؤال عن أثر نتائج الانتخابات الاخيرة على هذه التشكيلة؟ وهنا لا بد من المصارحة. إما أن هذه الانتخابات لم تبدّل التوازنات المفترضة في الحكومة العتيدة، وأن المؤشرات المختلفة التي حملتها معها نتائج هذه الانتخابات لا يمكن أن تُصاغ جميعها في تشكيلة حكومية إلا باتخاذ الحكومة السابقة كصيغة تُحاكى ويجري الانطلاق منها، مع إضافة تعديلات عليها . الشيء الأوضح في هذا المجال أنه لا يمكن التأليف بشكل ميسّر بالارتكاز على نتائج الانتخابات فقط، ولا غنى عن الإحالة على نموذج التوازنات الحكومية القائم بعد التسوية، كمادة أولية لعملية صياغة الحكومة العتيدة. لأنه إذا ارتكزنا الى نتائج انتخابات يقول فيها كل فريق إنه رابح، من دون الاستعانة بالنموذج التسوَوي القائم،ومن دون قراءة وفهم موضوعي لدقة وحراجة الواقع الاقليمي البالغ الخطورة، فهذا من شأنه أن يجعل الاتصالات الساعية إلى تشكيل حكومة في أمد معقول من دون أطر وحوافز مساعدة وملائمة لها بلا جدوى .