أصبحت المعارك على شاشات الأجهزة جزءًا محبطًا من الحياة الأسرية، بالنسبة إلى العديد من الآباء والأمهات في عصرنا الرقمي هذا.
وإذا كان الأطفال البالغون من العمر ثلاث سنوات يصطنعون نوبات غضب عنيفة عندما يتم أخذ جهاز الآيباد منهم، فإن الأطفال في السابعة من العمر باتوا يتابعون "اليوتيوب" طوال الليل، كما بات يطلب البالغون من العمر تسع سنوات هواتف خاصة بهم، أما أولئك الذين يبلغون 11 عامًا فباتوا يلعبون بألعاب الفيديو المخصصة لعمر الـ 18 عاماً ولديهم حسابات خاصة على "إنستاغرام". إذاً كل مرحلة من مراحل الطفولة والمراهقة أصبحت الآن مصحوبة بتحديات الأبوة والتربية الجديدة.
وحتى سنوات قليلة مضت، تركزت نصائح الأبوة والأمومة حول مفهوم الوقت المخصص "للشاشة" مع وجود وقت محدد لاستخدام " شاشات هذه الأجهزة".
ولا تزال الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP) توصي بساعة واحدة فقط من استخدام هذه الأجهزة للأطفال دون سن السادسة، ولكن بعد هذا العمر تشجع الآباء ببساطة على "وضع حدود ثابتة على الوقت المستغرق في استخدامها" وتعيين وقت خاص للأسرة خالٍ من اي نوع من هذه الأجهزة او الشاشات.
ولكن حتى اللحظة، فمن غير الواضح ما إذا كان ذلك يعني أن تشغيل أربع ساعات من لعبة فيديو يوم الأحد أمر جيد أم لا، أو إذا كان من الأفضل عقد ثلاث جلسات لمدة 20 دقيقة مع الأيباد أكثر من جلسة لمدة ساعة واحدة. وهل من السيئ حقا أن يشاهد الطفل البالغ من العمر 18 شهرا بضع حلقات من Twirlywoos قبل العشاء؟
العديد من الآباء سيشعرون بالارتياح لسماع أن الأبحاث الحديثة تشير إلى أنه ليس طول الوقت هو المهم، ولكن طبيعة وقت الشاشة هو الأهم.
تشبه جوسلين برور، وهي عالمة نفس متخصصة في مفهوم "التغذية الرقمية"، الوجبات الإعلامية إلى ما هو موجود في أطباقنا: بدلاً من حساب السعرات الحرارية (أو وقت الشاشة) ، فكر في ما تأكله (أو تشاهده).
وتقول برور: "لا يتعلق الأمر فقط بما إذا كنت تستهلك أي أطعمة رقمية محتملة ، ولكن أيضًا علاقتك بالتكنولوجيا والدور الذي تلعبه في حياتك العائلية". "نحن نعلم أن استخدام الشاشات لتهدئة الأطفال يكرس بعض أنماط الاعتماد على الأجهزة لتهدئة أو تشتيت الطفل (أو المراهق ، أو البالغ) من تجربتهم مع المشاعر غير السارة أو غير المريحة - لذلك نريد تجنب استخدام الشاشات خلال نوبات الغضب ، تماما كما نريد تجنب تناول "الحلويات" لتهدئة العواصف العاطفية ". بالنسبة إلى الأطفال الصغار، فإن أهم شيء هو ما إذا كان الآباء والأطفال يلعبون أو يشاهدون أو يتصفحون معاً.
من جهة أخرى أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة أكسفورد للإنترنت وجامعة كارديف في مطلع العام الماضي على 20 ألف "اسرة" أنه لا توجد علاقة بين الحد من استخدام الجهاز ورفاهية الأطفال. وقال الدكتور أندرو بريسبيلسكي، المؤلف الرئيسي للدراسة: "تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى السياق الأوسع للأسرة، وكيف يضع الآباء قواعد حول وقت استخدام الشاشة الرقمية، وإذا ما شاركوا بنشاط في استكشاف العالم الرقمي مع أطفالهم، وهو الأمر الذي يشكل عنصرا أكثر أهمية من الوقت المستخد لهذه الشاشة".
ووجدت دراسة أخرى أجرتها جامعة ميشيغان في شهر كانون الأول على أشخاص تتراوح أعمارهم بين أربعة أعوام و 11 سنة، حول "كيف يستخدم الأطفال هذه الأجهزة، وليس ما هو الوقت الذي يمضونه في استخدامها" هو أقوى مؤشر على المشاكل العاطفية أو الاجتماعية المرتبطة بإدمان الشاشة. لكن الخبراء قالوا إن القلق بشأن استخدام الشاشة من قبل الطفل يبرز عندما يؤدي إلى سوء السلوك أو فقدان الاهتمام في الأنشطة الأخرى أو الأسرة أو الحياة الاجتماعية أو الانسحاب من المحيط.
وتتفق معظم الأبحاث على أنه على الرغم من أن أهمية الوقت المحدد لاستخدام الشاشة، إلا أن هناك نقطة يكون فيها الاستخدام المفرط للجهاز له تأثيرات سلبية، ما يؤثر على النوم والصحة والمزاج.
ووجدت إحدى الدراسات التي أجريت في كانون الثاني الماضي أن "المراهقين الذين ينفقون قدراً ضئيلاً من الوقت على الاتصالات الإلكترونية هم الأكثر سعادة".
من جهة اخرى تقول AAP، ان الحديث عن الأطفال والتكنولوجيا عادة ما يميل نحو السلبية، ولكن ليس بالضرورة أن يكون كذلك. يمكن للإنترنت وألعاب الفيديو أن تكون ممتعة واجتماعية وتوفر منفذًا إبداعيًا جديدًا للأطفال. "الفوائد المستندة إلى الأدلة المحددة من استخدام وسائل الإعلام الرقمية والاجتماعية تشمل التعلم المبكر، وتعلم أفكار ومعارف جديدة ، وزيادة فرص الاتصال الاجتماعي،الخ..
ويتمثل الإجماع في أن وقت الشاشة، بحد ذاته ، ليس ضارًّا - وتختلف القيود المعقولة اختلافًا كبيرًا ، اعتمادًا على سلوك الطفل وشخصيته. هناك أهمية صغيرة لعدد الدقائق التي يقضيها أطفالك في اليوم مع الشاشات، ولكن الأهمية الأكبر تتجلى في فعل الآباء ما بوسعهم لضمان أن ما يشاهدونه او يلعبون به وحتى الذي يقرأونه يتميز بجودة عالية ومناسبة لعمرهم وآمن على حد سواء.