للإعلامية والممثلة والكاتبة اللبنانية هيام أبو شديد هواجس فنّية وإنسانية خاصّة تحكم خياراتها في مختلف المجالات التي دخلتها بخطواتٍ واثقة ومقاربةٍ احترافية اقترنت بنجاحاتٍ لافتة. إبنة الشاعر الراحل إيليا أبو شديد قد تكون ورثت عنه إلى جانب النفحة الأدبية والكياسة العالية في حديثها، همَّ المستوى الفنّي والبُعد الإنساني لكلّ خطوة في مشوارها. هكذا تكشف في حوار خاص لـ «الجمهورية» عن المكوّنات الأساسية للطبخة الدرامية التي تستطيع أن تثيرَ شهيّتها التمثيلية، كما تفصح عن أسباب اعتذارها عن أدوار بطولية وتتحدّث عن الأقلام المفضّلة لديها على صعيد كتّاب الدراما اللبنانية.
 

روبعدما أطلّت هيام أبو شديد على المشاهدين خلال شهر رمضان في دورَين مختلفين، في مسلسلي «كل الحب كل الغرام» بشخصية سعدى الثائرة التي تنتمي إلى طبقة الفلاحين، وفي شخصية منى، المرأة الأكثر تكلّفاً وسطلةً في مسلسل «الحب الحقيقي»، تشير أبو شديد إلى أنّ «أداء دورَين مختلفين يُعطي متعة للممثل، لافتةً إلى أنها شاركت في «الحب الحقيقي» بدور منى، وظهورها في المسلسل يُعتبر مشاركةً لا أكثر لأنّ مساحته الزمنية قصيرة» وتوضح أنه «على رغم أنّ دور منى صغير إلّا أنه مؤثرٌ في العمل». وتقول: «لا تهمّني مساحة الدور بمقدار ما يهمني أن تعلق الشخصية في أذهان المشاهد».


وتركّز على «الاختلاف بين شخصيّتي منى وسعدى من ناحية الزمن والطبقة الاجتماعية وطريقة الكلام. وتعتبر أنّ «هذا الاختلاف في الدورَين يُشكّل تحدّياً جميلاً للممثل».

 

سلطنة في الأداء


أمّا عن العوامل التي تجعل هيام أبو شديد «تُسلطن» في أدائها التمثيلي، فتقول إنها «الشخصية التي تتطلّب البحثَ والعملَ عليها»، مشيرةً إلى أنها «تحب مرحلة بناء الشخصية، ماذا ترتدي؟ وكيف تتكلّم؟ بمَن تذكّرني الشخصية؟»، وتقول: «أحبّ مرحلة التحضير، وحين أقرأ النص وتدغدغ الشخصية مشاعري». وتؤكّد أنّ «البناءَ المُسبق للشخصية هو التحدي بالنسبة لها، بعدها تتقمّص الشخصية وتدخل الدور بكل تفاصيله».


وتقدّم هيام أبو شديد من خلال سعدى ومنى نموذجَين نسائيَّين مختلفين هاجسهما المشترَك هو الحرّية. فأيٌّ من الشخصيتين تُشبه هيام أبو شديد؟

 

من الذاكرة


على هذا السؤال تجيب: «الممثل يحمل في داخله كل الشخصيات، حتى الشخصيات الشريرة». وتقول: «نحن نحمل في داخلنا قسمَي الشرّ والخير، الظلمة والضوء». وتشرح أنّ «الممثل حين يجسّد شخصية ما عليه التفتيش داخله وفي ذكرياته وحياته كي يضع مخزونه في تصرّف الشخصية، ويدفن ما لا يُشبه الشخصية خلال تأديتها». وتقول: «سعدى ومنى تجمعان طريقة حياة أحبها، وأن تفرض المرأة نفسَها، فسعدى «أخت الرجال»، كاشفةً أنّ «هذا الدور كُتب لرجل اسمه أسعد إلّا أنني طلبت بعد قراءتي النص أن آخذ هذا الدور وأن أؤدّيه كسعدى».

 

نصوص وشخصيات


وعلى صعيد بناء الشخصية تعاملت هيام أبو شديد مع نصَّين مختلفين كلياً، نصّ «كل الحب كل الغرام» للكاتب الراحل مروان العبد ونصّ «الحب الحقيقي» المُقتبس عن نصٍّ أجنبي.


وعن الاختلاف في التعامل مع بناء الشخصية من ناحية نظرة الكاتب، تشير أبو شديد إلى أنها سبق أن أدّت شخصية «نسَب» في مسلسل «ياسمينة» من كتابة مروان العبد»، وتقول إنّ «طريقة كتابته تعني لي وأحبّ أن أؤدّي شخصيات نصوصه».


وتوضح أنّ «منى في «الحب الحقيقي» شخصية مختلفة كلياً وتعيش في الزمن الحالي فيما سعدى لهجتُها وطريقةُ عيشها مختلفتان إذ إنها تعيش في زمنٍ مختلف. لذلك عند قراءة النص يحبّ الممثل الشخصية وهو قد يتعلّق بها أو العكس. فإن لم يفتح الكاتب شهيّة الممثل على الشخصية لن يتمكّن الممثل من لعب الدور». وتكشف أنها رفضت نصوصاً وشخصياتٍ أطول مساحةً لأنها لم تلمسها وشعرت أنها شخصيات مُسطّحة وناقصة.

 

أهمّ الكتّاب


أما عن الكتّاب الذين تحب هيام أبو شديد نصوصَهم وحبكاتِ قصصهم، فتقول إنها «تحنً لكتابات منى طايع»، مذكّرةً أنها «عملت معها في أعمالٍ عدة، منها «عصر الحريم» بشخصية سلام التي أحبت تركيبتها»، وفي «أمير الليل» كذلك.


وتقول إنّ «الكاتب الراحل مروان العبد يتميّز بذكائه خصوصاً في حبكة نصّه والتشويق الذي يخلقه». وتضيف: «لدينا كتاب مهمّون جداً، مثل كلوديا مرشليان وطوني شمعون وشكري أنيس فاخوري»، مشيرةً إلى أنّ هناك جيلاً جديداً من الكتاب بدأ يلمع أيضاً وأنّ هناك بذوراً جيدة، ومن بينهم كتاب الجزء الثاني من مسلسل «الحب الحقيقي».

 

التجربة الغنيّة


هيام أبو شديد من أغنى الأسماء تجربةً، في الإعلام والتمثيل والتلفزيون والكتابة الدرامية والسينمائية... وعن غناها الأكبر في هذه المجالات المتشعّبة، تقول: «أنا حشريّة وأحبّ أن أجرّبَ كثيراً من الأمور وأهجم على ما يستفزّني من دون تفكير. وأقوم بكل شيء بحُب، فمن دون حب يبقى كلُّ شيءٍ عقيماً».


وتؤكّد أنّ كل هذه المجالات أغنتها، لأنها تعرّفت في كل مجال الى زاوية جديدة، وعكس لها كلُّ مجال أموراً جديدة. وتقول: «إنسانياً الإعلام هو المجال الذي أغناني، خصوصاً في البرامج الاجتماعية التي قدّمتها». وتكشف أنّ «هذه التجربة الإعلامية الإنسانية دوّرت زوايا حادة في حياتي وعلمتني التواضع أمام أشخاص موجودين في مساحة الظل فيما يستحقون كل النور».