من القطاعات الأكثر تحولاً في العالم هي الطاقة ليس فقط في الإنتاج والنقل والتسويق وإنما بخاصة في الاستهلاك. هنالك حاجة لاستثمارات كبيرة وهذا لا يحصل بسبب الموازنات الضيقة والخيارات السيئة. يبقى النفط والغاز أهم طاقتين في العالم. هنالك عوامل عدة ستسبب التحولات منها التكنولوجيا والأسعار والمصادر المتوافرة.
ما زال النفط يشكل الطاقة الأولى عالمياً في الاستهلاك أي نحو 32% يتبعه الفحم (27%) والغاز (22%). من المتوقع أن تتغير الصورة قبل سنة 2040 تبعاً لوكالة الطاقة الدولية، فتصبح 27% للنفط، 25% للغاز و 22% للفحم. هل هذا التغيير مطمئن؟ حكماً لا من نواح عدة أهمها البيئة المتضررة دائماً من الفحم والذي تصر أميركا على الاستمرار باستعماله خصوصاً بعد الخروج من اتفاقية باريس. الوضع غير مقبول إذ لم يتطور بعد كما يجب استعمال الطاقات الأخرى كالمياه والشمس والهواء والنووي السلمي. فإذا كان للنووي بعض المخاطر من ناحية تغيير وجهة الاستعمال والأضرار، لا يوجد أي خطورة في استعمال الطاقات الأخرى اذ انها مجانية باستثناء الاستثمارات الأولية.
النفط ما زال موجوداً بكميات كبيرة في دول تسعى لتسويقه. بمليارات البراميل، يبلغ الاحتياطي 301 في فنزويلا، 267 في السعودية، 172 في كندا، 158 في ايران و 153 في العراق. لا شك في أن الاهتمام السياسي والأمني بالمنطقة العربية مرتبط الى حد بعيد بتوافر مصادر كبرى للطاقة. من أسباب النزاع الكبير في فنزويلا، الغنى الأرضي المتوافر والذي يرغب الخارج في السيطرة عليه. كيف يمكن تفسير وجود فقر في فنزويلا وغياب أبسط السلع الغذائية في الأسواق؟ الأزمات المتواصلة في العراق وايران وغيرها مرتبطة أيضاً بالجشع المالي الخارجي وربما بالتقصير الداخلي.
أما في احتياطي الغاز المفضل بيئياً بالرغم من صعوبة نقله، تتغير الخريطة مقارنة بالنفط. بمليارات الأمتار المكعبة، تحتوي ايران على 33,5 وروسيا على 32,3 وقطر على 24,3 مما يجعلها حكماً محط أنظار سياسي وأمني واقتصادي. نرى أن هذه الدول كما غيرها عرضة للعقوبات أو التحديات من دون أسباب واقعية ومعلنة بشفافية. هنالك مصالح توجه الاستعمال في الطاقة نحو المصادر المربحة وليس نحو الطاقات البديلة النظيفة. هنالك دور كبير للشركات العملاقة في القطاعات المختلفة.
في الإنتاج الكهربائي، تتصدر الصين أي 24,8% من المجموع تتبعها الولايات المتحدة (17,5%) والهند (5,6%). تأتي في ما بعد روسيا واليابان وكندا وألمانيا. ما زال الفحم يشكل مصدراً كبيراً وأساسياً للانتاج الكهربائي وهذا سيتعزز مع ادارة الرئيس ترامب حيث ألغى العديد من الاجراءات الداخلية المقيدة للاستعمال والتي كان هدفها بيئياً. في استعمال الفحم للكهرباء، تقدر الحصة بـ 31% في الولايات المتحدة وسترتفع. 75,5% من مصادر الانتاج الكهربائي العالمي هي غير متجددة.
ما العوامل التي تحرك التحولات المتوقعة في الطاقة إنتاجاً واستعمالاً؟
أولاً: أسعار النفط حيث انخفاضها يقتل الاستثمارات في الطاقات البديلة ويشجع على استهلاك السلعة. هذا ما حصل في السنوات الماضية فضعفت الأرباح في القطاع النفطي وتالياً تدنت الاستثمارات فيه وفي الاكتشافات الجديدة. ارتفاعه يدفع على العكس الى ايجاد البديل والى تطوير المصادر النفطية الأخرى كالصخري. ارتفعت أسعار النفط أخيراً عبر تقييد العرض من أوبيك وروسيا. نجحت، لكن هل يمكن للدول المنتجة أن تستمر في السياسة نفسها؟
ما العوامل التي ستحرك أسعار النفط في الأشهر القادمة؟ طبعاً الأوضاع في ايران وعبرها على خريطة الانتاج والنقل الدوليين، الأوضاع الخطيرة في الدول المنتجة منها خصوصاً فنزويلا والعراق، الطقس أي هل يكون شديد السخونة صيفاً والبرودة شتاء، استمرار انخفاض العرض اذا قررت أوبيك وروسيا ذلك، استمرار انخفاض المخزون النفطي وأخيرا وليس آخرا تطور الاقتصاد الدولي في نموه وهذا يعزز الطلب.
ثانيا: في موضوع الفحم، الخطر بيئي حكما حيث يتأثر الطلب به لكن استعمال التكنولوجيات الجديدة النظيفة في الانتاج ربما يخفف انخفاض نمو الطلب ويعزز بقاء هذا المصدر.
ثالثاً: الطاقة النووية مهمة ونظيفة لكن ما يجري بشأن الاتفاق الايراني سيؤجل الاستثمارات. لا شك في أن التكنولوجيا المتوافرة بشأن النووي السلمي ما زالت غير متقدمة، لكن الخروج منه سببه سياسي أكثر منه تقني كما هو الحال في فرنسا اليوم. هنالك تخوف دولي من تحويل الاستثمار في النووي السلمي الى نووي عسكري.
رابعا: هنالك دول جديدة مهمة على صعيد مصادر الطاقة المتنوعة ستضطلع بدور متزايد في الجغرافيا العالمية وسرعة كما اتجاه التحولات ومنها البرازيل وكندا وروسيا وبعض الدول الافريقية. البعض واع جداً للثروات الكبيرة التي يملكها ويريد توظيفها في التنمية لا الحروب.
خامسا: تسعى دول العالم اليوم الى تأمين الأمن والآمان في الطاقة والذي لا يعني انتاج كل أنواعها، انما الحصول عليها بشكل مستمر وضمن الإمكانات المتوافرة. في الطاقة، مصالح كبرى وكل دولة تسعى الى توجيه الاستهلاك نحو الطاقات التي لها فيها ميزات انتاجية تفاضلية. للأسف مواضيع البيئة والصحة أصبحت اليوم أقل أهمية.