جلس العم جمال في زاوية دكانه واضعاً يداً على رأسه وحاملاً باليد الأخرى ورقة صغيرة وكأن كلّ هموم الدنيا أُنزِلت عليه في هذه اللحظة. دخلت الدكان، مرّ أكثر من دقيقتين ولم يتنبّه لوجودي، بل كان غارقاً في تلك الورقة التي انعكست سواداً على وجهه. اقتربت منه لأتأكد من سرّ تلك الورقة، هل هي ورقة وفاة لأحد أقربائه أم مذكرة جلب؟ أخذتني الأفكار بعيدا، قبل أن أتأكد أنها إيصال فاتورة.
توجهت له بالسؤال "خير انشالله، شو صاير؟" ليردّ مسرعاً من دون أن يقطع صلوات التأمل في تلك الفاتورة اللعينة "نص مليون ليرة... مش عم صدّق نص مليوووووون"، ورفع يداه إلى الأعلى وقال "الله لا يوفقن خربولي بيتي". كررت السؤال "فاتورة ماذا هذه التي تكلفك نصف مليون هل هي فاتورة سنوية؟" أجاب وملامح اليأس قد غطّت تفاصيل وجهه المتجعّد "لاء يا بنتي فاتورة كهرباء موتير عن شهر أيار مقابل 20 أمبير".
لم يستفق اللبنانيون من صدمة فاتورة الكهرباء البديلة لشهر أيار الماضي بعد، فتفاجأ سكان بيروت وضواحيها والمتن وبعض مناطق كسروان بفاتورة موتير مرتفعة جداً وصلت في بعض المناطق إلى 150 ألف ليرة لبنانية مقابل 5 أمبير، أي بقيمة مضاعفة مرتين عن فاتورة شهر نيسان الماضي.
تقول تيريز ابنة الدكوانة التي دفعت 220 ألف ليرة مقابل 10 أمبير "كنا نتوقع ارتفاع سعر الفاتورة نسبةً لزيادة ساعات التقنين خلال الشهر الماضي، لكننا لم نتخيل أن يصل إلى هذا الحد، لا زلنا في بداية الصيف، فماذا تخبئ لنا الدولة في الأيام المقبلة؟".
أما محمد ابن الضاحية الجنوبية، دفع 250 ألف ليرة مقابل 10 أمبير في منطقة الكفاءات. ويؤكد لـ"ليبانون ديبايت" أن بلدية الحدث عممت تسعيرة المولدات لشهر أيار بـ 220 ألف، لكن أياً من أصحاب المولدات لم يلتزم بهذه التسعيرة، وتقاضوا من الأهالي ما يقارب 250 ألف ليرة. وتساءل محمد "وينيي الدولة؟ من يحمينا من مافيا المولدات؟ ولماذا هذا التقنين القاسي؟ وهل هذه هي الكهرباء التي وعدتنا بها حكومة استعادة الثقة في آخر جلساتها؟".
يبرّر أصحاب المولدات هذا الغلاء المستجد بزيادة ساعات التقنين على المناطق اللبنانية، وبزيادة الصرف بسبب بدء فصل الصيف واللجوء لتشغيل المكيفات وغيرها. وعن عدم التزامهم بتسعيرات البلديات، يقولون "البلدية تصدر تعميماً يطاول كل مناطقها ولا تراعي في تعميمها اختلاف ساعات التقنين من منطقة لأخرى داخل نطاقها".
أما البلديات تتهرب من هذه المسؤولية وتضعها على الدولة اللبنانية، وتقول مصادرها "إن كانت الدولة بحد ذاتها غير قادرة على مواجهة مافيا المولدات فهل البلديات بإمكاناتها المتواضعة تستطيع ذلك؟". وتؤكد مصادر محلية ان البلديات عادةً ما تتلكأ في معالجة هذه المشكلة لتداخل المصالح بينها وبين اصحاب المولدات.
أعلنت وزارة الطاقة والمياه في بيان أن السعر العادل لتعريفات المولدات الكهربائية الخاصة عن شـهر أيار هو 810 ل.ل عن كل ساعة تقنين بقدرة 10 أمبير. ولفتت الى أن "هذه التعرفة مبنية على أساس سعر وسطي لصفيحة المازوت الاخضر (20 ليتراً) لشهر أيار البالغ 19345 ل.ل. وذلك بعد احتساب كافة مصاريف وفوائد وتكلفة المولدات بالإضافة إلى هامش ربح جيد لأصحابها. مع الإشارة إلى أن معدل ساعات القطع في كافة المناطق اللبنانية بلغ 210 ساعات في شهر أيار الماضي خارج مدينة بيروت.
وبعملية حسابية بسيطة، يبرز المعدل الوسطي لسعر 10 أمبير بحسب تسعيرة وزارة الطاقة يساوي 170 ألف ل.ل، مع الأخذ بعين الاعتبار ساعات التقنين القاسية، فمن هي الجهة المسؤولة ضبط أسعار المولدات؟
وصل إلى جمعية حماية المستهلك سيلٌ من الشكاوى بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء البديلة، وتؤكد مصادر الجمعية لـ"ليبانون ديبايت" أن دورها هنا يقتصر على تلقي الشكاوى والتحقق من مضامينها لا ضبط السعر ومحاسبة المخالفين، بل هي تقوم بإرسال تقرير مفصل لوزارة الاقتصاد، وللأخيرة بالتعاون مع وزارة الداخلية ضبط المخالفات والمحاسبة.
وتلفت مصادر الجمعية إلى أن مراقبي الجمعية يواجهون مشكلة دائمة في صعوبة تثبيت المخالفة، إذ إن المشتكي لا يملك ايصالاً بالمبلغ الذي دفعه لصاحب المولد، وفي حال تمكن من الحصول عليه، يكون الوصل خالياً من التسعيرة. وهي استراتيجية يتبعها معظم أصحاب المولدات تفادياً لتثبيت مخالفاتهم.
ومن المشاكل التي يواجهها المراقبين أيضاً أنه عند التقصي عن حقيقة الشكوى يمتنع جزء كبير من الأهالي في الأحياء المخالفة عن الغوص في الموضوع وذلك خوفاً من تهديدات أصحاب المولدات الذين أصبح لهم كيانهم الأمني الذاتي (ع عينك يا دولة).
من جهتها، تؤكد مديرة عام الاقتصاد والتجارة في وزارة الاقتصاد عليا عباس لـ"ليبانون ديبايت" أن سيلاً من الشكاوى وصل إلى وزارة الاقتصاد عبر خطها الساخن في ما يخص تسعيرات المولدات لشهر ايار. ولفتت إلى أن الوزارة سطرت الكثير من محاضر الضبط بحق المخالفين، إلا أن الوزارة ينتهي دورها هنا، أي بعد تحويل محاضر الضبط إلى القضاء.
وتوقعت عباس أن يكون لقرار وزير الاقتصاد الأخير القاضي بإلزام أصحاب المولدات استعمال العدادات للمشتركين لتصبح المحاسبة على العداد، أن يحل أزمة التلاعب بأسعار الكهرباء البديلة كونها آلية تضبط الأسعار وأكثر عدالةً للمستهلك، علماً أن المهلة التي منحها الوزير لأصحاب المولدات لتنفيذ هذا القرار هي الأول من تشرين الأول المقبل.