فجأة ومن دون سابق إنذار إنقطع الحماس السياسي لتشكيل الحكومة بشكل سريع، فرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أمضى إجازة مع عائلته في السعودية وأدى مناسك العمرة، وأبلغ بعض مناصري تياره خلال إفطار رمضاني بعد عودته بأنه ″أمضاها نوم″، في وقت إنشغلت فيه البلاد خلال الاسبوع الحالي بفضيحة مرسوم التجنيس الذي طغى على الاستحقاق الحكومي، فيما يستعد الحريري للمغادرة الى موسكو لحضور مونديال روسيا 2018، حيث من المفترض أن يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن المرجح أن يلتقي أيضا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
بات بحكم المؤكد أن تفاؤل الرئيس الحريري بانجاز تشكيل الحكومة بعد عيد الفطر قد تلاشى، وأن العقد والعراقيل أكبر من أن تحل بـ″تبويس لحى″، خصوصا أن تيار ″لبنان القوي″ يسعى من خلال رئيسه جبران باسيل الى أن يكون لديه مع حلفائه الأكثرية في الحكومة بمعدل النصف زائدا واحدا، إنطلاقا من طموحه بأن تستمر هذه الحكومة أطول فترة زمنية ممكنة، وبالتالي عدم تمكين التيارات الأخرى من أن يكون لديها ثلثا معطلا يتحول الى سيف مسلط على رقبة محور العهد.
كما بات واضحا، أن باسيل يخشى من أن تكون القوات اللبنانية، وكتلة اللقاء الديمقراطي، وكتلة التنمية والتحرير في المرحلة المقبلة جبهة المعارضة من داخل الحكومة، إضافة الى حزب الكتائب، وهو يدرك بأن كل هذه الكتل تتمسك بحصصها في الحكومة لجهة 4 وزراء للقوات و3 وزراء للقاء الديمقراطي، و3 وزراء للتنمية والتحرير، ووزير واحد للكتائب، ما يعني 11 وزيرا، بما يجعل هذا المحور يمتلك الثلث زئدا واحدا في حال كانت الحكومة ثلاثينية.
لذلك وبحسب المعلومات فإن باسيل، يصرّ على إعطاء القوات اللبنانية 3 وزراء فقط، وعلى تقليص حصة اللقاء الديمقراطي الى وزيرين، ليكون المقعد الثالث الى رئيس كتلة ″ضمانة الجبل″ طلال أرسلان الذي جرى تركيب كتلة له من 4 نواب على وجه السرعة لتسميته وزيرا، إضافة الى 3 وزراء للتنمية والتحرير، فضلا عن رفضه توزير أحد من حزب الكتائب، ليصبح عدد الوزراء الذين لا يسيرون في ركب العهد 8 وزراء فقط، الأمر الذي يفقدهم أي قدرة على التعطيل أو على الاستقالة.
في غضون ذلك، يبدو أن الرئيس الحريري ينأى بنفسه عن العقدة المسيحية أو الدرزية تاركا الأمر الى جبران باسيل، بما يوحي بأن باسيل يشكل القسم الأكبر من الحكومة، وأن الحريري ينتظر إنجاز مهمته وهو ليس مستعجلا، كونه رئيسا مكلفا، ورئيس حكومة تصريف الأعمال، لكنه ربما لا يدرك بأن ما يقوم به باسيل من شأنه أن يضع صلاحيات رئيس الحكومة وموقعه ورمزيته في مهب الريح.
أما في ما يخص القسم المتعلق بالحريري، فيبدو حتى الآن أنه يصرّ على أن تكون الحصة الوزارية السنية لتياره، وأن يكون لديه وزيرا مسيحيا بدلا عن الوزير السني الذي سيسميه رئيس الجمهورية من حصته، ما يعني أن الحريري في حال إستمر بهذا السلوك، فإنه سيحجب مقعدا وزاريا عن النواب السنة من خارج تيار المستقبل، كما أنه يتجه الى عدم ترجمة الأجواء الايجابية التي نتجت عن اللقائين اللذين جمعاه مع الرئيس نجيب ميقاتي بتمثيل كتلة ″الوسط المستقل″ بوزير سني، علما أن ميقاتي ترك له الحرية في أن يختار وزيرا سنيا أو مسيحيا، وهو أمر سيضع الحريري أمام معارضة سنية شرسة جدا، في حين تشير كل المعطيات بأنه ليس من مصلحة الحريري أن يكون على خصومة مع ميقاتي كونه قادرا على أن يشكل له دعما سياسيا، ورافعة سنية هو بأمس الحاجة لهما في المرحلة المقبلة.