عسكري وسياسي ليبي، بنى نظام حكم غريب في البلاد سماه "الجماهيرية"، ليس بالجمهوري ولا الملكي، وزعم أنه لا يحكم بل يقود ويتزعم، لكنه عمليا جمع كل الصلاحيات والمسؤوليات في يديه.
تطرف في الكثير من القضايا، وحاول الخروج عن المألوف حتى في قضايا متفق عليها، فدعا إلى تأسيس دولة سماها "إسراطين" تجمع بين فلسطين وإسرائيل، وتخلى عن التقويمين الهجري والميلادي واعتمد أسماء مختلفة للشهور.
دخل في العديد من الصراعات سواء مع الدول العربية أو الغربية، وامتد حكمه لأكثر من أربعة عقود، تعرض خلالها للكثير من الأزمات، قبل أن تتم الإطاحة بنظامه وقتله إثر ثورة 17 فبراير/شباط 2011.
المولد والنشأة
ولد معمر محمد عبد السلام أبو منيار القذافي في 7 يونيو/حزيران 1942، في مدينة سرت، وهو ينحدر من قبيلة القذاذفة إحدى كبرى القبائل الليبية.
الدراسة والتكوين
تلقى تعليمه الأول في بلدته، ودرس ما بين عامي 1956 و1961 في مدينة سبها، وشكل أثناء دراسته الأولى مع بعض زملائه نواة لحركة ثورية متأثرة بالزعيم جمال عبد الناصر.
طرد من المدرسة لنشاطاته السياسية، لكنه أكمل بعد ذلك دراسته في الأكاديمية العسكرية في بنغازي، وتخرج فيها عام 1963، وأرسل في بعثة للتدريب العسكري في بريطانيا عام 1965.
الوظائف والمسؤوليات
كان قائدا عسكريا قبل أن يتولى رئاسة ليبيا عقب انقلابه على الحكم الملكي السنوسي، ويحكم البلاد لحوالي 42 عاما.
التجربة السياسية
كوّن مجموعة الضباط الوحدويين الأحرار عام 1964، ولعب دورا جوهريا في الانقلاب على الحكم السنوسي في ليبيا في الأول من سبتمبر/أيلول 1969، فيما أطلق عليه لاحقا اسم "ثورة الفاتح"، وتمَّ إعلان الجمهورية في ليبيا التي تحول اسمها فيما بعد إلى "الجماهيرية".
عرف عن القذافي ارتباطه القوي بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ودعواته القوية للوحدة العربية، حتى إنه كان من المتحمسين للوحدة الاندماجية مع جيرانه العرب مثل مصر وتونس.
هذه الحماسة ما لبثت أن خبت في مراحل لاحقة، حيث تخلى عن العمق العربي لليبيا لصالح العمق الأفريقي، حتى إنه وضع خريطة أفريقيا بدلا عن خريطة الوطن العربي كإحدى الخلفيات الرسمية في الدولة، ودعا للوحدة الأفريقية كما فعل من قبل مع الدول العربية، قبل أن يسمي نفسه "ملك ملوك أفريقيا".
في عام 1976 نشر القذافي كتابه الأخضر وجعله أيقونة لجماهيريته، وعرض فيه ما سماها "النظرية العالمية الثالثة" التي اعتبرها تجاوزا للماركسية والرأسمالية، وتستند إلى حكم الجماهير الشعبية، واعتمد اللون الأخضر لونا رسميا في البلاد.
بدأت علاقات العقيد الليبي مع الغرب بالصِّدام والتوتر بسبب تصريحاته ومواقفه ونشاطاته التي اعتبرتها القوى الغربية معادية لها وداعمة "للإرهاب الدولي"، ووصل توتر العلاقات بين الطرفين ذروته بقصف الطائرات الأميركية مقره صيف عام 1986.
في عام 1988 اتهمت الولايات المتحدة وبريطانيا الجماهيرية الليبية بتدبير سقوط طائرة شركة الخطوط الجوية الأميركية "بان أميركان" فوق بلدة لوكربي في إسكتلندا عام 1988، مما أدى إلى مقتل 259 راكبا، إضافة إلى 11 شخصا من سكان لوكربي. ففرضت الولايات المتحدة حصارا اقتصاديا على ليبيا عام 1992.
لكن العلاقات بين الطرفين توطدت كثيرا بعدما توصلت ليبيا إلى تسوية لقضية لوكربي في أغسطس/آب 2003، دفعت بموجبها تعويضات بنحو 2.7 مليار دولار، وسلمت اثنين من مواطنيها المتهمين بالتفجير، هما عبد الباسط المقرحي والأمين فحيمة للقضاء الإسكتلندي ليحاكمهما في هولندا.
حكم على الأول بالمؤبد وبُرئت ساحة الثاني، وفي عام 2009 تمَّ ترحيل المقرحي إلى ليبيا بسبب مرضه. وتعززت علاقة القذافي بالغرب أكثر بعد أن فكك برنامجه النووي وسلم جميع الوثائق والمعدات والمعلومات للولايات المتحدة الأميركية.
تردد أنه قدم معطيات ومعلومات وخرائط مهمة وحساسة للأميركيين حول البرامج النووية لعدد من الدول الإسلامية، ومنها معلومات حول ما يعرف بخلية العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان، ونتيجة لذلك رفع مجلس الأمن عام 2003 العقوبات المفروضة على ليبيا.
استخف القذافي بالثورات العربية وانتقد إطاحة ثورة شعبية في تونس بالرئيس زين العابدين بن علي، وقال إن التونسيين تعجلوا الإطاحة به، وهاتف الرئيس المصري حسني مبارك أثناء الثورة المصرية، وبعث له رسالة تضامن في وجه الثورة التي سرعان ما امتد لهيبها إلى ليبيا بعد أيام قليلة من سقوط مبارك.
لطالما اعتبر القذافي نفسه قائد ثورة ومؤيدا للكثير من حركات التحرر، وشكت كثير من الأنظمة العربية والأفريقية من دعمه وتمويله لحركات تمرد ومحاولات انقلاب فيها، لكنه مع ذلك قمع بقوة الحديد والنار كل المعارضين لنظامه، تماما مثل ما حدث في سجن بوسليم 1996 حين قتل أكثر من 1200 سجين رميا بالرصاص.
ثورة 17 فبراير
بعد عقود من الحكم المستبد، اتهم خلاله مع أفراد عائلته بالفساد وإهدار مقدرات البلاد وكبت الحريات، انتفض الشعب الليبي في ثورة 17 فبراير/شباط 2011 مطالبا برحيل العقيد معمر القذافي وإقامة نظام ديمقراطي تعددي.
وسرعان ما تحولت الثورة إلى المواجهات المسلحة بين الثوار وكتائب القذافي التي قتلت الآلاف من المدنيين، مما دفع حلف شمال الأطلسي إلى إنشاء منطقة حظر جوي وشن غارات استهدفت البنية التحتية العسكرية للقذافي للحيلولة دون تنفيذ مزيد من الاعتداءات على سكان المدن الليبية المنتفضة.
وفي خضم هذا النزاع، رفض العقيد الليبي كل المبادرات التي دعت إلى تخليه عن الحكم، وواصل تشبثه بالسلطة، متهما الثوار بالخيانة والعمالة للغرب.
لقيت إحدى خطبه التهديدية الموجهة للشعب الليبي إبان الثورة شهرة واسعة، وتحولت بعض مقاطعها إلى أغنية حملت اسم "زنقة زنقة" لقيت رواجا كبيرا لدى الكثير من الشعوب.
أصدرت المحكمة الجنائية بحقه في 27 يونيو/حزيران 2011 مذكرة توقيف دولية لاتهامه بارتكاب جرائم حرب، وشملت المذكرة كذلك كلا من ابنه سيف الإسلام القذافي ورئيس جهاز استخباراته عبد الله السنوسي.
الوفاة
قتل معمر القذافي في ظروف غامضة في مسقط رأسه مدينة سرت يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011 عن عمر يناهز 69 سنة، بعد أن ألقي عليه القبض من قبل ثوار مدينة مصراتة، إثر قصف موكبه الذي كان يحاول الخروج من سرت باتجاه الغرب من قبل طائرات الحلف الأطلسي، وظلت جثته معروضة في المدينة قبل أن يُدفن سرا في صحراء ليبيا.