عندما أعطيت جنى أبو دياب الكلمة الاخيرة قبل ختم المحاكمة بادرت إلى القول "أريد ان احكي امام كل الناس ان طائفة الموحدين تعرضت لكلام مهين عند توقيفي وعلى مسمعي". وقاطعها رئيس المحكمة عبدالله قائلاً إن "الطائفة الدرزية هي طائفة كريمة". وتابعت "اريد حريتي منكم لاعود الى اهلي. انا اليوم اخذت براءتي من اهلي وشعبي والناس الذين يهمونني لانهم يعرفون وهم متأكدون كيف حيكت هذه المؤامرة ضدي. أريد ان اخرج الى الشمس بعدما مضى على وجودي سبعة اشهر في قبر مُغلق". وتوجهت الى هيئة المحكمة بالقول وهي تبكي "اريد ان تفكروا ان كان اولادكم مكاننا. انا الشمس ما بشوفا وبريئة طبعاً من هذه التهمة".
باختصار بدت جنى أبو دياب امرأة صلبة، متماسكة، وصريحة خلال اجوبتها عن كل الاسئلة التي طرحت عليها من رئيس المحكمة العسكرية الدائمة العميد الركن حسين عبدالله، في حضور ممثلة النيابة العامة العسكرية القاضية منى حنقير. احضرت الى قاعة المحكمة وهي ترتدي اللباس الاسود. وانتظرت موعد جلستها الذي حان الخامسة الا خمس دقائق بعد الظهر نظرا الى عدد الجلسات على جدول المحكمة الذي بلغ 126 جلسة. وحضر دفاعا عنها المحاميان معن الاسعد وحنان جواد. وتمسكت ببراءتها منذ مقتبل المحاكمة، كررت على مسامع الهيئة انها تواصلت مع المدعى عليه سليم الصفدي مثلما تتواصل مع كثر من فلسطينيي 48 من خلال قضيتها مقاومة احتلال العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة او من خلال الجمعية ذات الطابع المدني التي تتولاها في متابعة القضايا الفلسطينية داخل المخيمات". واضافت انه عندما طلب منها تزويده بمعلومات اخبرت المسؤول الامني في السفارة الفلسطينية "ابو ايهاب" .
أسئلة ملحة
في المستهل ذكرت المحكمة ان كتابا ورد من السفارة الفلسطينية في بيروت رداً على كتابها في شأن الاستماع الى افادة المسؤول الفلسطيني "ابو ايهاب" شاهداً انه رئيس الاستخبارات في السفارة الفلسطينية في لبنان، وغير موجود في السفارة بعدما دخل لبنان للمرة الاخيرة في 25/ 4/2018 قادماً من سلطنة عمان، وان ثمة اشكالية في السفارة لحضوره الى المحكمة نظراً الى صفته الامنية.
وانتقل رئيس المحكمة الى "داتا" الاتصالات بناء لافادة الموقوفة التي اشارت فيها الى انها كانت ترسل له مآل تواصلها مع الصفدي عميل الموساد. واستفسر منها العميد عبدالله عن مضمون احدى الرسائل معه عبر خدمة واتساب ويأتي الكلام فيها على "خدمة وسخة". فأجابت جنى ابو دياب، الحائزة جواز سفر فلسطيني، ووصفته بانه جواز سفر فخري، ان التعابير الواردة في الرسالة "لا علاقة لها بالداخل اللبناني او بالسياسة. وهو موضوع شخصي صرف". وبإلحاح رئيس المحكمة في إيرادها في رسالة أخرى "لا اريد ان اظلم احداً ولا ان اعمل مشكل". فاشارت الى ان احداثا كانت تحصل داخل مخيم عين الحلوة، مؤكدة ليس لدي اعداء في الداخل اللبناني". وفي السياق تناولت ممارسة خاطئة من فلسطينيين نافذين في السفارة واتهمتهم بفبركة ملفها لانها ترفض تجاوزات هؤلاء في حق الشعب الفلسطيني، مشيرة الى ان كل احاديثنا كانت تُعنى بشأن المخيمات والوضع الداخلي في حركة "فتح"، متحدثة عن فساد وتبييض أموال كانت تتم باسم اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات وحين اطلعت المسلؤول الامني في الملف عن الامر واعتبرت، بعد ضغط مارسه رئيس المحكمة على أبو دياب من خلال سيل الاسئلة المتتابعة عن النقطة نفسها تناولت موضوع التخلص من المتشدد بلال بدر الذي لديه مجموعة مسلحة في المخيم ومدعوم بالمال والسلاح من نافذين فلسطينيين والموجود في المخيم وضرورة التخلص من هذه الظاهرة حرصاً على الشعب الفلسطيني. وتبعا لذلك جرى تلفيق الملف في حقها.
طلبات مزعجة و"بلوك"
وبعدما ذكرت أن أجوبتها عن كل ما تداولته في وسائل التواصل الاجتماعي مع العميل الصفدي كانت بناء على توجيهات "أبو إيهاب" الذي طلب منها، وفق كلامها في جلسة سابقة، متابعة التواصل معه. وردت فتح حوار كلامي مع "ابو صالح" باعتباره رئيساً سابقاً لبلدية الجولان ويستمر حضوره مع جماعات المبادرة الدرزية الرافضة التعاون مع الاسرائيليين، وباعتبارهم أقرب الى مقاومة الاحتلال الاسرائيلي فضلاً عن رفض الدروز الخدمة الاجبارية في الجيش الاسرائيلي. وصارحت أن لا ضير من محادثتها فلسطينيي الـ 48 لحضهم على استمرار نضالهم ومقاومتهم العدو الاسرائيلي. وذكرت انها من مكانتها الاجتماعية ونضالها من اجل القضية الفلسطينية كانت تتلقى طلبات مزعجة في مواقع التواصل الاجتماعي وكانت تلجأ الى "البلوك". واشارت الى انها لم تتنبه الى ان الصفدي كان عميلاً عندما كان يتصل بها ولم تخبر السلطات اللبنانية بعرضه التعامل لان "الامر وصل ليللي لازم يوصلو بعدما اطلعت "ابو ايهاب" على الامر. وتحدثت عن نشاطها في الجمعية واسفارها الى اوروبا واميركا سواء من خلال الاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة.
ورداً على سؤال، قالت انها كانت موظفة في شركة الفلسطيني مالك ملحم في احدى الدول العربية والتي لديها قناة تلفزيونية ومتاجر كبيرة فضلاً عن اهتمامها بشؤون اجتماعية وشركة توظيف تُعنى بتحضير طالبي التوظيف لاجراء مقابلات العمل. وعملت لقاء بدل 13 الف دولار شهرياً.
"إسرائيل عدوة"
وبأسئلة ممثلة النيابة العامة العسكرية القاضية حنقير قالت أبو دياب إنها لم تكن على علم ان الصفدي ضابط مخابرات لدى العدو الاسرائيلي. واعتبرت ان المعلومات الامنية التي كان يخبرها اياها "لا تتسرب الينا لانها آخر همنا نحن العرب". واضافت في مجال آخر ان "ثمة مناضلين في فلسطين المحتلة يمكن ان اتحاور معها، ومن يحيد عن الطريق أبادر بالبلوك. لم اعمل يوماً في السر في حياتي. كل شيء كان علنيا في حياتي. وكنت اترجمه بكتاباتي في فايسبوك حتى لو اضطر الامر الى ان اتعرض للمضايقات. ولا يمكن ان اقع انشاءالله حتى لو حاولوا الف مرة اعتراضي لاقتناعي الكامل بأن هناك عدواً اسرائيلياً ولا يمكن أن اخون القضية الفلسطينية بأي شكل من الاشكال".
وبسؤال آخر، قالت ابو دياب: "لم ألتق الصفدي يوماً. ولم أدخل الى اسرائيل يوما. وليس هدفي لقاء من احاورهم في مواقع التواصل الاجتماعي انما لاوقد في نفوسهم دائما انهم تحت سلطة الاحتلال واحضهم على رفض المحتل. هذا كان كل هدفي". وقالت للعميد عبدالله: "كل التواصل بيني والصفدي استمر شهري ايلول وتشرين الاول وانظر ما حل بي".
ورداً على سؤال عن "داتا" الاتصالات العائدة لها، قالت: "ريس ان بلدتي كفرحين والبرجين هما في قضاء الشوف. ولا ادري كيف اصبحتا من المستوطنات الاسرائيلية". وسألت عن سبب عدم تأكد الامن العام من ان اتصالات الارقام الهاتفية كانت من ضمن الاراضي اللبنانية وليست من اسرائيل"، نافية ما ورد في افادتها امام الامن العام. واستطردت "هذا الكلام ما صار نهائيا وتحت وطأة الضغط. واكدت انها لم تزود اي جهاز امني او عسكري بأي معلومات عن الجيش او "حزب الله". وكل ما اورده في صفحتي بفايسبوك هي ضد الاحتلال الاسرائيلي، مشيرة الى انها لم تحصل على تصريح رسمي لدخول اسرائيل.
فلسطين القضية
ورافع وكيلها المحامي معن الاسعد مركزا على رسالة موكلته ابو دياب الاجتماعية ورفع اسم القضية الفلسطينية عالياً وعداءها المتطرف والمطلق لاسرائيل. ورأى أن الصفدي حاول استدراج موكلته وعندما سألها التعامل بادرته "بدك ياني اشتغل مع العدو الذي قتل اهلي ولن ابيعهم ما حييت، مضيفا ان ""ابو ايهاب" له صفة امنية رسمية واخذت التعليمات منه حرفيا خلال تواصلها مع الصفدي". وذكر ان ملفها يخلو من معلومة واحدة أُعطيت للعدو الاسرائيلي او لغيره. ولم تستحصل على اي منفعة مادية او معنوية وتالياً فإن هذين الركنين منتفيان مثلما تنتفي نية التعامل لدى ابو دياب. وقال: "فلسطين كانت القضية لدى جنى"، طالباً كف التعقبات عن موكلته، واستطراداً تبرئتها للشك او عدم كفاية الدليل".
وقرابة الثامنة ليلاً قضت المحكمة بكف التعقبات عن أبو دياب.