ما كان شائعا في سوريا من حديث عن محور الممانعة ليس كله صحيحا. فالدعاية لا تمر على الحقائق كلها بالطريقة نفسها. كما أنه ليس مطلوبا من وسائل الدعاية أن تبرهن على نزاهتها في عالم يعج بالكذب.
غير أن ما يقوله معارضو تلك الشائعة من أن الحكومة السورية هي أكثر مَن خدم إسرائيل في المنطقة من خلال صمتها على احتلال الجولان وعدم تحريكها قواتها المسلحة لتحرير ذلك الجزء السوري المغتصب، هو الآخر حديث دعاية مغرض لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة. في الحالتين هناك مَن يهتم بالقناع وينسى الوجه.
بالمقارنة بين الطرفين السوري والإسرائيلي فإن سوريا هي الأضعف سياسيا وعسكريا واقتصاديا وعلميا. يمكنها فقط أن تكون دولة ممانعة، بمعنى امتناعها عن الجري وراء معاهدات سلام شكلية مع إسرائيل فقط. وظيفة سلبية منحتها وضعا خاصا.
وهو الوضع الذي لا يزعج الدولة العبرية، بل قد يكون في ذلك الوضع ما يُريح قادة إسرائيل، الصقور منهم بالتحديد، ذلك لأنه لا يفقدهم فرصة أن يكون لهم عدو في بلد مجاور لهم. وهو ما يعني استمرار الشعور المفتعل بالتهديد الذي من شأنه أن يوفر لهم مزيدا من التعاطف والدعم الدوليين.
لقد حاول البعض من المعارضين السوريين ممن استهوتهم فكرة إقامة علاقات “طبيعية” مع إسرائيل أن يعرضوا عليها وضعا نقيضا، وكان ذلك العرض مصدر فشلهم في مهمتهم، بسبب سوء تقديراتهم. ليس المطلوب إسرائيليا من سوريا أن توقّع معاهدة سلام كما فعل الأردن على سبيل المثال. فسوريا ليست الأردن على كل المستويات. حين رفض السوريون الانخراط في مشروع السلام مع إسرائيل، فإنهم كانوا يدركون أن إسرائيل نفسها لا تفضل أن تكون علاقتها مع سوريا قائمة على أساس السلام.
ربما يكون المعارضون الذين يؤكدون أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد قائم برضا إسرائيلي على حق، ولكنه حق ينطوي على الكثير من سوء الفهم الذي يشبه الباطل.
في ظل ميزان القوى الذي يميل إلى إسرائيل تفضل الأخيرة وضعا سياسيا مستقرا في سوريا لكي تضمن أمنها.
ما أسس له الأسد الأب واتبعه الابن في سوريا يمكن اعتباره وضعا مثاليا بالنسبة لإسرائيل، ذلك لأن الاثنين لا ينتسبان إلى نمط الشخصيات المغامرة، كما كان حال الرئيس العراقي صدام حسين مثلا. لم يكن نظام الأسدين ليضمر أي مفاجأة غير سارة لإسرائيل.
أما من جهة دعمه لحزب الله اللبناني فهو ما يمكن اعتباره جزءا من عدّة المهنة التي هي موضع تفهم بالنسبة لإسرائيل.
غير أن وقوع الحرب في سوريا كان مصدر إزعاج لإسرائيل بسبب ما قاد إليه من إحياء لتحالف سوري ــ إيراني يعود إلى أيام الحرب الإيرانية ــ العراقية في ثمانينات القرن العشرين. لم تكن إسرائيل لترغب في أن يُزجّ بسوريا في تحالفات من شأنها أن تُغري مَن يحكم سوريا، كائنا مَن يكون، أن يتخذ موقفا متطرفا، ليست سوريا مؤهلة له. سوريا بالنسبة لإسرائيل دولة ضرورية بممانعتها السلبية.
وهو ما لم تفهمه المعارضة السورية التي ضاعت في متاهة الجماعات والفصائل الإسلاموية المسلحة التي حطمت بوصلتها وسلمتها إلى خاتمة لم تكن تتوقعها في أسوأ الأحوال. سوريا اليوم حطام. هل ذلك الوضع مريح لإسرائيل؟ ليس تماما. لقد خسرت إسرائيل سوريا الممانعة وهي دولة مريحة ولا أحد في إمكانه اليوم أن يتكهن بما يمكن أن يخبئه الحطام السوري من مفاجآت قد لا تكون سارة لإسرائيل.
لقد تضاءل دور الأسد إلى درجة، صار معها نظامه مجرد أداة لتنفيذ ما يملى عليه من أوامر روسية. أوامر تحقق لإسرائيل كل ما ترغب فيه من ضمانات الأمن غير أنها تحرمها وإلى الأبد من عدو ضروري، كانت ممانعته رسالتها إلى العالم.