وفق الدستور اللبناني، تتألّف الحكومة مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين، وبما أنّ حزبَي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» الأكثر تمثيلاً مسيحياً- نيابياً، فيتمثلان بالنسبة الأكبر من الوزراء المسيحيين، وبما أنّ الحزبَين غيرُ عابرين للطوائف بشكلٍ حقيقي، فنزاعهُما مُقتصر على المقاعد الوزارية المسيحية، وعلى الحقيبتين السياديتين الخاصّتين بالمسيحيين.
البعض يقول إنّ تمثيلَ كلّ طرف وفق حجمه نابعٌ من مبدأ الديموقراطية واختيار الناخبين لممثليهم، ولا يجوز كسرُ هذه الإرادة، لأنّ الحُكمَ أساساً للشعب. البعض الآخر، يؤكّد على صحّة هذه النظرية، إنما يرى أنّ في ظلّ الوضع الخطير الذي نعيشه، وخطورة سقوط لبنان مؤسساتٍ وشعباً، مبدأ الوحدة والالتفاف لـ«تقوية» الدولة يغلب.
الأمرُ نفسُه ينسحب على كلّ من الطوائف الأخرى، السنّية، الشيعية والدرزية، إنما تختلف درجة النزاع بين القوى السياسية من هذه الطوائف عن نزاع «القوات»-«التيار».
الثنائي الشيعي
ممثلو الطائفة الشيعية يشذّون عن قاعدة التناتش والنزاع داخل الطائفة الواحدة، فعلى رغم بروز أصوات معارِضة، إلّا أنّ تمثيل الطائفة الشيعية وبإرادة ناخبيها، ما زال محصوراً بالثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل»، الذي لم تزعزعه أيُّ مطالب أو تعكّر صفاءَه أيُّ نزاعات سُلطوية.
وبعد إصرار رئيس مجلس النواب نبيه بري على الاحتفاظ بوزارة المال السيادية أكّد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله أخيراً «أننا لم نطلب وزارة سيادية». وجزم أنّ «الوزارة السيادية التي ستُعطى أو يُتّفق عليها للطائفة الشيعية محسومة ومتّفقون نحن ودولة الرئيس نبيه بري أنها من حصة حركة أمل».
كذلك، في موضوع الحقائب، أكد نصر الله أنه «عندما تُحسم الحقائب سنتفاهم «حزب الله» وحركة «أمل» على توزيع هذه الحقائب في ما بيننا، ولن تكون هناك أيُّ مشكلة على هذا الصعيد».
وتقول مصادر نيابية لـ«الجمهورية» إنّ «التفاهمَ قائمٌ على نوع من التوازن في التمثيل بين الثنائي الشيعي المُمثل للطائفة الشيعية». وتشير إلى أنّ «هناك صراحةً وثقةً بين الطرفين، إضافةً إلى تقديرٍ للظروف الراهنة». وعن عدم مطالبة «حزب الله» بوزارة الداخلية، تجيب المصادر: «هل من المنطق والعقلانية إثارة مشكلة جديدة في حين أنّ لبنان على شفير الهاوية؟ الناس مأزومة اقتصادياً ولا حكومة الآن ليتعاملَ معها المجتمعُ الدولي». وتقول إنّ «الضرورات تبيح المحظورات».
«التيار» و«القوات»
أما على صعيد «الثنائي» المسيحي فالنزاعاتُ والمطالبُ الوزارية لا تُعدّ ولا تُحصى، وفيما يسعى «التيار» إلى الحصول على الحقيبتين السياديّتين «حق» المسيحيين، واحدة لـ«التيار» وأخرى لتكون من حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، تعتبر «القوات» أنّ حصتها كما حصة «التيار الوطني الحر» وهي من حصة الرئيس، وأنّ نتائجَ الانتخابات يجب أن تنعكسَ وزارياً وأن يتمّ اقتسامُ حصة المسيحيين «خمسين بخمسين»، (Fifty Fifty)، بين «التيار» و»القوات» على صعيد الحقيبة السيادية وكل الوزارات.
وتقول مصادر «القوات» لـ»الجمهورية»، إنها تترك الأمور للمشاورات السياسية، «فإذا كانت النّيات إيجابية سنصل إلى الحدّ المرتجى لتشكيل الحكومة، و«القوات» لا تُشكّل عقدةً بل هي من أكثر الأطراف المُسهّلة وهي جزء أساسي ضمن التسوية وتدعم العهد، وستواصل هذه المسيرة انطلاقاً من حجمها الجديد الذي أفرزته الانتخاباتُ النيابية الأخيرة».
أمّا عن حصة رئيس الجمهورية الحكومية، فتقول المصادر إنّ «القوات» لم تعارض يوماً حصولَ رئيس الجمهورية على حصة وزارية بل كانت دائماً مع أن تكون للرئيس حصة»، وتوضح أنّ «المشكلة تكمن في أنه تحت عنوان حصة رئيس الجمهورية يريدون تحجيمَ حصة «القوات» في الحكومة، ونترك الأمورَ للنقاش ونحن منفتحون على كل الخيارات انطلاقاً من ثوابت أساسية تحفظ تمثيلنا الفعلي وإعطاء الناس حقها».
وتؤكّد المصادر أنّ «القوات» لا تدخل في توصيفاتٍ وأعداد»، مشيرةً إلى أنّ «تصوّر «القوات» لتمثيلها وضعته بين يدي الرئيس المُكلّف ورئيس الجمهورية».
وتشير المصادر القواتية إلى أنّ «رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تمنّى على رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الاستغناء عن المطالبة بحقيبة سيادية مقابل حصول «القوات» على نيابة رئاسة الحكومة في حكومة تصريف الأعمال الحالية. وتجاوب جعجع مع طلبه».
وتشدّد المصادر على أنّ «القوات» ليست منغلقة بل منفتحة على منطقٍ سياسيٍّ قائم ومُسهّلة للتأليف لا مُعرقلة».
وتؤكّد أنّ «القوات» لا ترى أنه يجب حصر التمثيل المسيحي في الحكومة فيها وفي «التيار»، بل أن تتمثّل أيضاً في الحكومة قوى سياسية أخرى مثل «الكتائب» و«المردة»، إلّا أنها تعتبر أنه «من الطبيعي أن يكون الممثلان الأكبر في المجلس النيابي ممثلين أكثر من بقية القوى في الحكومة».
بين جنبلاط وأرسلان
أمّا على الصعيد الدرزي، فانعكست حدّة المواقف بين القيادات الدرزية بعد الانتخابات النيابية الأخيرة على القواعد وأدّت إلى توترات وصدامات وسقوط قتيلٍ وجرحى. ويعتبر رئيس «التقدمي الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط أنه يجب اعتماد نتائج الانتخابات وأن ينحصر التمثيل الدرزي الحكومي بفريقه فقط، فيما قد يسمح دعم «التيار الوطني الحر» للنائب طلال أرسلان بأن يغنم الأخير بمقعدٍ وزاريٍّ واحد من الحصة الدرزية أو قد يُعطى مقعدٌ من حصة رئيس الجمهورية فيحصل حينها جنبلاط على مقعدَين درزيَّين وآخر مسيحي تعويضاً عن المقعد الدرزي الذي جُيِّر إلى أرسلان.
الحريري لحُكمٍ قويّ
على صعيد الطائفة السنّية، وبمعزل عن نتائج الانتخابات وعن تراجع حجم كتلة الرئيس المُكلف سعد الحريري من 36 نائباً في برلمان عام 2009 إلى 20 نائباً في البرلمان الجديد، احتفظ تيار «المستقبل» بموقعه كأكبر كتلة ممثلة للطائفة السنّية.
ويظهر أنّ هناك التفافاً سنّياً ووطنيّاً حول الحريري تجلّى في الاستشارات النيابية بتكليفه رئيساً للحكومة. لكنّ هذا التكليف لن يحول دون مطالبة المعارضة السنّية للحريري بمقعدٍ وزاري، وقد يؤدّي ذلك إلى نزاع على «تناتش» مقعد، حتى وإن لم يكن بقوة وشراسة النزاع الحاصل بين «التيار الوطني الحرّ» و«القوات»، فمطالبة الأطراف السنّية خارج «المستقبل» بمقعد وزاري أو أكثر لن يطاول السقف الأعلى، أي الوزارة السيادية، المُرجّح أن تكون هذه المرة أيضاً وزارة الداخلية.
ويبدو وفق مصادر «المستقبل» أنّ الحريري وعلى رغم انفتاحه على كلّ الخيارات والطروحات، وذلك للإسراع بعملية تأليف الحكومة، سيسعى للتمسّك بالمقاعد الوزارية السنّية كافةً وإبقائها في حضن «المستقبل»، وذلك ليعزّز حضورَ فريق يعمل ضمن رؤيته ويتمكّن من الحُكم مدعوماً بـ«قوة» وزارية على طاولة مجلس الوزراء، خصوصاً إن لم يحصل على حصة خاصة به كرئيسٍ للحكومة سعياً منه أيضاً لعدم وضع العراقيل أمام تشكيل الحكومة.