تقاذف للاتهامات والمسؤوليات أنتجتها الحملة الواسعة التي تعرّض لها مرسوم التجنيس. أعلن وزير الخارجية جبران باسيل أن لا علاقة لوزارته بهذا المرسوم، وأنه لا يمكن تحميل المسؤولية لرئاسة الجمهورية. غمز باسيل من قناة الجهة التي أعدّت المرسوم، وكانه أراد تحميل المسؤولية إلى وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي بادر إلى الردّ على ما يطاوله من خلال لقائه باللواء عباس إبراهيم وإعلانه الاستعداد لنشر المرسوم وما يتضمنه من أسماء. كما سارع إلى لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون. خطوة المشنوق فهمت بأنها تسبق محاولة تحميله مسؤولية المرسوم، ولذلك لجأ إلى خطوة معاكسة وهي إحالة مسألة تسليم نسخ عن المرسوم للكتل التي تقدّمت بطلب الحصول عليه إلى هيئة التشريع والقضايا في وزارة العدل لإبداء رأيها بشأن الجهة المخولة تسليم المرسوم.
المشكلة الأساسية تكمن في الأسماء التي يتضمنها المرسوم، وفي آلية إصداره. وهذا ما يعترض عليه كثيرون يعتبرون أن المسار الطبيعي هو أن يبدأ إعداد المرسوم لدى المديرية العامة للأمن العام، بحيث تحال أسماء المرشحين لنيل الجنسية إليها فتُجري تحقيقاتها وتقدم رأيها وتقريرها، وفيما بعد يحال التقرير إلى وزارة الداخلية، ومن الوزير إلى رئيس الحكومة، الذي يوقعه ويرفعه إلى رئيس الجمهورية. لكن ما حصل مع هذا المرسوم، وفق المصادر، هو أنه تم تجاوز الأمن العام، وجرى تضمين الأسماء في لائحة، تولت وزارة الداخلية التحقيق فيها. وهذا ما يؤكده وزير الداخلية، الذي أشار إلى تكليفه ثلاث جهات بإجراء التحقيق، وهي النشرة القضائية اللبنانية وشعبة المعلومات والانتربول الدولي، لإبداء الملاحظات وإرفاق التحقيقات والتقارير بملفّات الأشخاص. ثمّ أرفق وزير الداخلية هذه التحقيقات بالمرسوم وأحاله إلى رئيسي الجمهورية والحكومة لإجراء المقتضى.
وينقل أحد المسؤولين عن رئيس حكومة تصريف الأعمال، الذي التقاه في الساعات الماضية، لـ"المدن"، أنه شطب قبل التوقيع على المرسوم الأسماء المرتبطة بالنظام السوري والتي جرى تسريبها في وسائل الإعلام وشُنّت حملات ضد المرسوم على خلفيتها. وهذه الأسماء جرى التداول بها باعتبارها من المسودة الأولى للمرسوم ولم توقع. وبعدها أحال الحريري المرسوم إلى رئاسة الجمهورية.
في المقابل، هناك من يشكك في هذا الكلام، معتبراً أنه لو جرى شطب الأسماء، فلماذا المطالبة مجدداً بإعادة التحقيق بذلك؟ ولماذا جرى تمرير المرسوم بسرّية تامة؟ حتى فرضت المعارضة الواسعة إعادته إلى مساره الطبيعي، أي تحويله إلى الأمن العام لاجراء التحقيقات اللازمة. وتلفت المصادر إلى أن هناك مجموعة من الأشخاص لديهم أوضاع إنسانية وهم يستحقون الجنسية، وهناك رجال أعمال من حقهم الحصول على الجنسية إذا ما كانوا من أصول لبنانية، أو إذا ما كانوا يريدون الاستثمار بمشاريع في لبنان.
يقول النائب عن اللقاء الديمقراطي هادي أبو الحسن لـ"المدن" إن تقدم اللقاء بطلب للاستحصال على صورة طبق الأصل عن مرسوم التجنيس الذي حصل، يهدف إلى السير في اجراءات الطعن في مجلس شورى الدولة. ويؤكد أن "الموضوع بالنسبة إلى اللقاء هو موضوع مبدئي لا علاقة له بالشكل أو بالأسماء. والمستغرب هو سرّية المرسوم". ويسأل: "ما هو المعيار الذي اعتمد لمنح مجموعة من الأشخاص الجنسية اللبنانية؟ فالمعيار يجب أن يكون إنسانياً واجتماعياً. والحق أولاً يجب أن يكون لأبناء الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي. وهناك أشخاص يعيشون في لبنان وهم مكتومو القيد ومن حقهم الحصول على الجنسية. وأين هي الشفافية في هذا الأمر؟ لأنه من حق الشعب اللبناني الإطلاع على هذا المرسوم. ونحن باسم الشعب اللبناني نريد معرفة حقيقة الأمر".
الغريب كان موقف الوزير باسيل، الذي اعتبر أن ما جرى هو إجراء قانوني ودستوري يندرج في سياق الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية. يتحدّث باسيل هنا وفق ما ينص عليه القانون والدستور والعرف. ولذلك أبدى تمسّكاً بالسير والاستمرار بهكذا قرارات وخيارات. لكن اللافت هو وضع باسيل المرسوم في إطار مواجهة التوطين، فيما تعتبر مصادر متابعة أن لا علاقة لهذا المرسوم بالتوطين ولا بمواجهته، ووضعه في هذا الخانة يعني إدخاله في مجالات المزايدة.
تتفق المصادر على أن الاتجاه أصبح للعودة إلى النقطة الصفر، ومن ثم نشر المرسوم. وهذا ما سيتيح امكانية الطعن فيه. وهنا، ستتحول المسألة سياسية بحتة. قد يذهب بها البعض إلى اعتبارها انتقاصاً من صلاحيات رئيس الجمهورية، لأن مرسوم الجنسية يدخل في صلب صلاحيات الرئيس. بالتالي، إما أن يُرفض الطعن، أو يتم تجميده وتمييعه، كما هي الحال بالنسبة إلى الطعن الذي جرى تقديمه بشأن مرسوم التجنيس في العام 1994، والذي ما زال نائماً في الأدراج، بدون اتخاذ أي قرار بشأنه، فيما المرسوم اعتبر نافذاً. ولعل الدليل على تكرار سيناريو 1994 هو كلام الرئيس سعد الحريري من بعبدا، إذ اعتبر أن المرسوم تم إقراره وهو من حق رئيس الجمهورية، ومن لديه اعتراض فليذهب إلى القضاء. فيما يؤكد المشنوق أن لا تجميد للمرسوم بل تريث فحسب، وأن عون والحريري لن يتراجعا عنه.