هي المرة الأولى، منذ عام 2005، التي يواجه فيها تيار المستقبل أزمة تشكيل الحكومة بهذا الشكل، وهو يعاني من إرباك داخلي، ومن أزمة بنيوية إستفحلت قبل الإنتخابات النيابية الأخيرة ما أدى إلى خروج تيار المستقبل من الإستحقاق الإنتخابي وهو مثخن بجراح كثيرة، سوف يكون من الصعب عليه مداواتها وتعويض خسائره التي نزلت به في المرحلة المقبلة.
خمس حكومات شكّلها تيار المستقبل منذ عام 2005، باستثناء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011، تداول على رئاستها كلّ من الرئيس فؤاد السنيورة مرتين، والرئيس تمّام سلام مرة واحدة، والرئيس سعد الحريري مرتين، قبل أن يعاد تكليفه مؤخراً من أجل تأليف حكومته الثالثة والحكومة السادسة للتيار الأزرق على مدار13 عاماً.
لا تشبه الحكومة المنتظرة نظيراتها الخمس الماضية، ففي المرّات السابقة هيمن تيار المستقبل على التمثيل السنّي في أيّ من حكوماته، رافضاً إعطاء أي حقيبة أو حصة وزارية لأي شخص أو جهة سنّية خارج قلعته الزرقاء، مستنداً في ذلك إلى أن غالبية نواب السنّة يدورون في فلكه (24 نائب سنّي من أصل 27 كانوا في إنتخابات 2005 ينتمون إلى تيار المستقبل)، وأن الآخرين لا تمثيل يُذكر لهم، وبالتالي فلا حق لهم في التمثيل الوزراي. أما الحلفاء، فإن التيار الأزرق يرى أن تجربة إنتخابات 2009 عندما تحالف مع ميقاتي والنائبين أحمد كرامي ومحمد الصفدي، لم تكن مشجعة أبداً له، لا سيما بعد تكليف ميقاتي تشكيل الحكومة عام 2011 إثر إسقاط حكومة الحريري.
وخلال أكثر من عقد ونيّف، لم يهيمن تيار المستقبل فقط على التمثيل السنّي في حكوماته المتعاقبة، بل وسّع “البيكار” وتمكّن من فرض وزراء مسيحيين من حصّته، مستغلاً ما اتسمت به تلك المرحلة من ضعف الحضور المسيحي وتشرذمه، سياسياً وشعبياً، إلى حدّ أن قرابة نصف أعضاء حكومات تيار المستقبل خلال تلك الفترة كانوا من الدائرين في فلكه.
تلك المرحلة إنقضت على نحو شبه كلّي، فالتيار الأزرق بات اليوم غير قادر على حصر التمثيل السنّي الوزاري به، بعدما أسفرت الإنتخابات النيابية عن فوز 10 نواب سنّة من أصل 27 نائب (37 %) من معارضيه، وممن ليسوا تحت خيمته الزرقاء، ما يعني أن قسماً من الحصّة الوزارية السنّية ستذهب إلى سواه (وزيرين أو وزير على الأقل)، من غير أن يضمن إمكانية تعويض هذا النقص بتوزيره مسيحيين، في ظلّ الإحتدام الدائر بين القوى المسيحية على تمثيلها وزارياً، وتحديداً بين التيّار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية إضافة إلى تيار المردة وحزب الكتائب، من غير إسقاط حصّة رئيس الجمهورية ميشال عون من الحسبان.
ولعل أكبر مؤشر على دوران الزمن دورته أن حصّة تيار المستقبل التي يتداول أنه سيحصل عليها في حكومة الحريري المقبلة، ستقتصر على أربعة وزراء سنّة، باعتبار أن الحقيبتين السنّيتين المتبقيتين في الحكومة الثلاثينية سوف تذهب أولاهما إلى الفريق السنّي الذي يدور خارج تيار المستقبل، ومن المرجح أن تكون لكتلة “الوسط المستقل”، وثانيتهما ستكون من حصة رئيس الجمهورية، بينما يشوب غموض كبير مدى قدرة الحريري على تعويض ذلك بالحصول على حقيبتين مسيحيتين، أو واحدة في أحسن الأحوال.