تجوز الكتابة طويلاً عن كلّ مشهد بمشهده، لكن بعض اللوحات إن التقت في معرض، فستروق العين مُجتمعةً. خمسة مَشاهد شكّلت مسارات درامية مغايرة خارج المُعتاد في روتين المسلسلات: رندا كعدي في "ومشيت"، وهي تبوح بوجعها لضابط الشرطة، عرس عابد فهد ونادين نجيم في "طريق"، هدوء دانا مارديني أمام العواصف وردود فعلها العكسية حيال آلام الخيانة، فراق عبده شاهين وروزينا لاذقاني في "الهيبة العودة"، ولقاء تيم حسن بمنى واصف بعد غياب في المسلسل عينه. مَشاهد تترك رغبة في الكتابة الجميلة.
لتقبُّل التهانئ لاحقاً
لا تزال مُصرّة على تحريك الدمع، وإخراجه من القلب إلى العين. "ديجا فو" وصفها بالتألُّق والصدق المشهدي، فالأمر قد حُسم. مشهد البوح بأوجاعها للضابط وهو يحقّق معها بتهمة ضرب أولاد حطّموا صورة ابنها، من أعمق ما قدّمته ممثلة لبنانية. ليت الوقت يُنسينا الوجع. ليته يُعيد مَن رحلوا وتركوا العُمر طافحاً بالتصدّعات. أخبرته بأنّها ليست مجنونة، لكنّها تُحدّثه لئلا تنسى صوته. مارتا أداء متفوّق لأم الشهيد بعد انتهاء تقبُّل التهانئ. المباركة والفخر لا يُخفّفان الاحتراق بجمر أبدي. هذه الأم حقيقية، ترفض تجميل الشعارات الكبرى. ليس صحيحاً أنّ الحياة تستمرّ دائماً. أحياناً تتوقّف ويتجمّد الزمن أمام خسائر لا تُعوّض.
كوميديا، دراما وأسئلة
سنجرؤ على التصنيف المُبكر: عابد فهد الكاراكتير الرمضاني الأكثر اختلافاً. لا يتفوّق به على الآخرين فحسب، بل على نفسه أيضاً. يلتقي مع نادين نجيم بدور أميرة على مفارق درامية يعبرها المتألّقون فقط. في مشهد العرس، قدّما جوّاً هو خليط من كوميديا ودراما وأسئلة عن المصير والقرارات الحاسمة. رقصة جابر سلطان ضحكة الموسم الكبرى. سبحته وهو يتمايل، قيادته المشهد، خروجه على كلّ توقُّع، ملابسه وعباراته الجاهزة، كلّها نقاط قوّة لمصلحة شخصية فرضت حضورها وسط الازدحام، تركيبتها لا تُقارَن بأحد، مُتقنة حداً كبيراً، ممسكة الزمام، غير قابلة للاختراق بسهولة. نادين نجيم قادرة بثقة على اختراقها.
الصمت في مواجهة القبلة
لا ندري أيّ المَشاهد تحديداً هو الأفضل. مرور دانا مارديني في ذاته قوّة مشهدية كاملة، تدور في فلكها كلّ الأوصاف. نتمهّل أمام ردود فعلها الصامتة حيال الخضّات من حولها، كأنّها "مُصفّحة"، ضدّ "رصاص" الخارج، تحتفظ بالانهيار لنفسها. مشهد اكتشافها أحمر شفاه امرأة أخرى على قميص زوجها، وادّعاء البرودة فيما داخلها يغلي، لا تُتقنه إلا ممثلة محترفة. برودتها قاتلة، تعلم كيف تتحكّم بالملامح وتبسط عليها سيطرتها. وكيف تنفجر ولا تتطاير أشلاؤها، ولا تسودّ سماؤها وإن امتلأت بغيوم مخيفة.
الفراق
يتألّق عبده شاهين في "الهيبة- العودة" كأنّ المسلسل تذرّع بالماضي لئلا يخسر قدراته. لا شيء فيه بوضعية افتعال، لهجته متمكّنة، أداؤه صريح ومَشهده مع ابنة عمّه مشغول بالموقف والدمع. شاهين ومنى حين افترقا جعلا المتلقي خائفاً من هذه اللحظة، ومن جراح المشاعر حين تتشكّل على هيئة مواجهة خاسرة. أداء بديع، لم يرتطم ببلاهة التعبير السائد في مواقف مشابهة. في بكاء شاهين رفضٌ لاعتبار الدمع دليل ضعف والرجولة هي حصراً عضلات مفتولة. الرجل يبكي لأنه قلب ومشاعر أيضاً. والآلام واحدة يتلقّاها البشر بقدرات متفاوتة على التحمُّل. أمام الوداع الحزين، كلاهما خانه التوازن فكانت القسوة نوعاً من الكرامة والدوس على الحبّ محاولة أخيرة لحفظ ماء الوجه.
ذروة المشهد
كانت تحضّر المائدة فدخل حبيب القلب. لم تحسب أم جبل أنّ الطعام سيُنكّه بالرائحة الطيبة. عودة جبل بعد غياب وتقبيله يديها بوفاء الابن لأمّ مدهشة، لحظة درامية مؤثرة. أحياناً، تقول النظرة ما لا تُفصح عنه الكلمة. لم يفارقها الإحساس بقدومه مهما طال الزمن، وحين عاد تجدّدت خلايا روحها. منى واصف وتيم حسن يرفعان المشهد إلى الذروة. ركوعه أمام اشتياقها بمئة مشهد.