توصلت روسيا وإسرائيل إلى إتفاق على انسحاب القوات الإيرانية وحلفائها من الجنوب السوري. ينص الاتفاق على خروج مختلف الفصائل المسلّحة من الجنوب مقابل سيطرة الجيش السوري على تلك المنطقة. مجدداً تعود إسرائيل ضامناً أساسياً لبقاء النظام السوري ولتوسع نطاق سيطرته على الجغرافيا السورية، مقابل ضمانه لأمنها، وإعادة العمل باتفاق خط الاشتباك الذي جرى التوصل إليه في العام 1974. يحتّم نجاح الاتفاق انسحاب القوات الإيرانية من تلك المنطقة. لكن إيران لن تنسحب مقابل لا شيء.
هناك معلومات تفيد بالانسحاب. فيما يعتبر البعض أن الإيرانيين ينتهزون فرصة للردّ على ذلك. لا مصلحة لروسيا بالدخول في أي اشتباك يريده الإيراني مع الغرب، وهي تحاول لعب دور ضابط الايقاع. فيما يعتبر حزب الله أن ذلك سيكون مكسباً للجيش السوري على أن يجري التوافق معه فيما بعد. وفيما تفيد المعلومات عن انسحاب العديد من القوات الإيرانية وحزب الله من تلك المنطقة، إلا أن هناك من يعتبر أن ما قام به حزب الله والإيرانيون هو عملية إعادة تموضع، وتراجعات موضعية، إذ أجرى حزب الله انسحاباً من المناطق القريبة من الحدود الأردنية، إلى نقاط أقرب إلى الجولان.
تشير بعض المعلومات إلى أن لدى حزب الله قراراً بالانسحاب التام من سوريا، ابتداء من الجنوب ولكن ذلك يبقى مرتبطاً بالاوضاع في سوريا وتنفيذ التسوية التي تفضي بانسحاب كل الأطراف، وانتهاء وجود بؤر ارهابية. وتكشف المصادر أن انسحاب الحزب من الجنوب لن يكون بهذه السهولة، لا سيما أنه يجهز لعملية عسكرية مع الجيش السوري قد تكون مناورة من أجل الضغط على إسرائيل. وتقول المصادر: "كان هناك نية إيرانية لتحرير القرى الجنوبية وصولاً إلى الجولان، لكن بعض المتغيرات حصلت، قد تحول دون مشاركة الإيرانيين".
تعتبر طهران أن الضغط لإنسحابهم من الجنوب السوري، جاء باكورة للاتصالات بين موسكو وتل أبيب. ما أدى إلى ضغط روسي على إيران ودفعها إلى إجراء إعادة تموضع مع الحزب في تلك المنطقة، وليس إجراء انسحاب. يهدف الإيرانيون من خلال فتح معركة الجنوب إلى منع التفاوض الروسي الإسرائيلي. وهذا يعني أن الإيرانيبن يريدون أن يكونوا شريكاً في المشهد من خلال وجودهم في الجنوب حتى من خلال حزب الله أو الجيش السوري.
وتلفت المصادر إلى أنه لولا المساعي الروسية، لكانت الأمور ذهبت نحو مواجهة إيرانية إسرائيلية جدية. وحتى حزب الله كان لديه معطيات عن احتمال اندلاع تلك المواجهة، لكن الضغط الروسي دفع الإيرانيين إلى الانكفاء، وأحجموا عن الذهاب إلى مواجهة مقابل السعي إلى فرض واقع مقابل عدم الرد على الضربات الإيرانية، بالاقتراب أكثر من الحدود بالاشتراك مع حزب الله. وسط تأكيدات بأن إيران غير مستعدة للانسحاب، بل تستعد لخوض معركة عسكرية.
لا تخفي المصادر وجود اختلاف كبير في المقاربة بين الإيرانيين والروس بشأن الوضع في الجنوب السوري، إذ يصر الروس على عدم استفزاز الإسرائيليين، فيما إيران تريد الاستفادة من وجودها هناك لتحسين شروط ما قبل التسوية، لا سيما في ظل ما تتعرّض له من ضغوط، لتحجيم نفوذها. وتؤكد المعلومات أن إيران وحزب الله لن يسلّما بسهولة كل ما يطرح عليهما، لأن إيران لن تضحي بعمل سنوات مقابل لا شيء. ويحاول الإيرانيون رفع الشروط مقابل انسحابهم من الجنوب السوري، كانسحاب القوات الأميركية من الشرق.
وهنا، يتبدى الاشكال بشأن قاعدة التنف. وهذا يتعلق بشروط تضعها واشنطن، وهي الانسحاب الإيراني من المنطقة لتفكيك تلك القاعدة العسكرية، من ضمن المشروع الأميركي الانسحاب من سوريا. لذلك تسعى إيران إلى تغيير بعض الوقائع على الأرض. من الآن حتى آخر السنة سيتم تسليم منبج وتل أبيض وتل رفعت وصولاً إلى نهر الفرات للأتراك. بحيث تكون تركيا هي القوة المسيطرة على كامل غرب الفرات. أما شرق الفرات فيتم العمل بين الأميركيين والسعوديين على إيجاد شخصية عشائرية عربية تقود اتحاداً بين السريان والكلدان، والعشائر العربية، إذ تتشكل هناك حكومة سياسية مصغرة لحكومة "سوريا الديمقراطية". وهناك من يعتبر أن ثمة اتفاقاً مع الأتراك بشأن ذلك. والهدف منه هو فصل العراق عن سوريا. لأن ذلك لا ينطوي على مشروع قومي كردي، أو مشروع انفصالي، فبمجرد سقوط عفرين يعني أن المشروع الكردي جرى تفكيكه.
وإذا ما نجح فصل العراق عن النفوذ الإيراني رويداً رويداً من خلال عملية تشكيل الحكومة، حينها سيصبح الكلام جدياً عن تفكيك قاعدة التنف. وهناك من يشير إلى أن التهديدات جدية جداً. وهذا ما سيدفع الإيرانيين إلى التراجع في الفترة المقبلة.