لإيران أذرعها في المنطقة. وهي أذرع خشنة زادها إهمال النظام السياسي العربي وكسله في العقود الأخيرة توحشا وطيشا. فلولا خطأ قاتل في تقديرات ذلك النظام الاستراتيجية، لما استطاعت إيران أن تبني منظومتها العقائدية التي امتدت شبكة جواسيسها المأجورين والمتطوعين لتغطي أربع دول عربية هي العراق ولبنان وسوريا واليمن.
لقد استجاب العرب خطأ لما كان الخميني يرغب فيه على مستوى نوع العلاقة التي تربط المحيط العربي بإيران، بالرغم من أن العراق في السنة الأولى من قيام نظام الخميني كان قد حذر أشقاءه من مغبّة الانزلاق إلى فخ الكذبة الطائفية، حين أضفى على حربه ضد إيران طابع الصراع التاريخي القومي.
ما عابه الكثيرون على العراق في تعامله مع النزعة العدوانية التوسعية الفارسية كان في حقيقته هو جوهر القضية التي صار على العرب أن يعترفوا بواقعيتها بعد ثلاثين سنة من نهاية تلك الحرب.
كان الخميني يفكر بدول عربية سنية تحاربها إيران بعرب شيعة.
ذلك هو الأساس التي اعتمدت عليه النظرية الخمينية. ولو أن العرب أنصتوا إلى النصيحة العراقية، لما وجدت تلك المعادلة طريقها إلى الظهور ولكان الصراع مع إيران قد اتخذ وجهته الحقيقية باعتباره صراعا قوميا.
كان خطأ النظام السياسي العربي يكمن في اللجوء إلى التخندق الطائفي وهو ما تمناه الخميني. ذلك لأن ذلك التخندق يسّر لإيران سبل اختراق المجتمعات العربية التي صارت تعيش حالة من التصدع الداخلي، فُرضت عليها بالقوة، من غير أن تمثل تلك الحالة خيارا فرضته سبل العيش المتاح.
لقد وهب العرب بلجوئهم إلى التعبئة الخطأ الخميني، ونظامه، فرصة أن يستولي على مواطنين عرب اعتبرهم جزءا من رعيته المطيعة، وهو تعبير صادم، غير أن نظرة سريعة إلى واقع الميليشيات التابعة للنظام الإيراني يمكنها أن تؤكد أن أفراد تلك الميليشيات هم خدم أذلاء للسياسة الإيرانية. وهم من وجهة نظر قانونية خونة لأوطانهم وشعوبهم.
وبعيدا عن الرؤية القانونية فإن هناك من تورط في العمل من أجل خدمة المشروع القومي الإيراني بسبب عمليات التضليل والخداع التي مارسها النظام الإيراني في ظل إجراءات عربية، تفتقر إلى الكثير من عناصر الحنكة السياسية. وهو ما يسّر للإيرانيين الاستمرار في عمليات التضليل، حيث صار الكثيرون من ضحايا تلك العمليات مقتنعين بأن الصراع القائم الذي هم مادته الرخيصة هو صراع ديني.
لقد نجحت إيران بفضل سوء الفهم السياسي العربي في تمرير مشروعها القومي تحت غطاء ديني محكم. وحين وصلت إلى مرحلة الثقة من أن نفوذها في المنطقة صار أمرا مفروغا منه، وهو ما زينه لها الواقع، صارت تعلن صراحة عن قرب ولادة إمبراطوريتها الكبرى التي ستكون بغداد عاصمتها.
حين صحا العرب على مظاهر الغطرسة الإيرانية كان الوقت قد تأخر كثيرا. فوكلاء إيران صاروا يحاربون بدلا منها.
عام 2006 تم تدمير جزء عظيم من البنية التحتية اللبنانية من قبل إسرائيل في حرب شنها حزب الله نيابة عن إيران.
غير مرة تتعرض غزة الفلسطينية لحرب إسرائيلية تحيلها إلى ركام كانت حركة حماس الإسلامية هي السبب في نشوبها بناء على تعليمات إيرانية.
وهاهم الحوثيون في اليمن وقد انقلبوا على الشرعية يستعينون بصواريخ إيرانية من أجل مواصلة حربهم.
وإذا ما كانت إيران قد ضبطت المعادلة في أوقات سابقة على أساس حاجة وكلائها إليها، فإنها اليوم وهي تستعد لمواجهة أوقات عصيبة بسبب العقوبات الأميركية في أمس الحاجة إلى وكلائها.
هنا بالضبط يكمن العمل العربي المطلوب من أجل قطع الصلة بين إيران ووكلائها في المنطقة. وكما أرى فإن العقوبات الرمزية التي استهدفت جزءا من منظومة تمويل حزب الله تُعدُّ مؤشرا جيدا للبدء في ذلك العمل. ما يجب الانتهاء منه يتعلق بالاعتراف بأن زمن العقائد قد انتهى.
فإيران لا تحارب دفاعا عن عقيدة كما ضللت وكلاءها، بل هي تحارب تعبيرا عن نزعتها القومية التوسعية. لذلك فإن وكلاءها ينبغي ألا يتم التعامل معهم باعتبارهم ممثلين للشيعة العرب. علينا هنا أن نعود إلى القاعدة القانونية التي تضع وكلاء إيران في مكانهم الحقيقي باعتبارهم خونة.