لم يكن إبعاد يوسف عن إدارة أوجيرو سوى مقدّمة لحملة دعاوى قضائية ضدّه، فكثر «السلّاخون»، وصُوِّرَ الأمر انتصاراً لقطاع الاتصالات اللبناني، ولـ«بطله الجديد» جمال الجراح، الذي افتتح عهده بإزاحة يوسف تمهيداً لتطوير القطاع و«تنظيفه» من «فساد» أبرز المديرين العامين في مرحلة الرئيس رفيق الحريري ومن بعده الرئيس سعد الحريري، كما قدّم الجرّاح الخطوة للرأي العام، قبل سنة ونيف.
غير أنه مع صدور قرارات قضائية، آخرها كان الأسبوع الماضي بمنع المحاكمة عن يوسف، بالتزامن مع غرق قطاع الاتصالات في جملة فضائح وتجاوزات، عادت أوجيرو إلى الواجهة، وهذه المرة من بوابة صراعات داخليّة وهدر لا مثيل له في تاريخ هيئة لطالما شكّلت مواردها مصدراً مالياً لخزينة الدولة اللبنانية.
بعد فضيحة المقدم سوزان الحاج في قضية الفنان زياد عيتاني، أثيرت شكوك في احتمال أن تكون رئيسة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والملكية الفكرية في قوى الأمن الداخلي لها يدٌ في قضية «غوغل كاش» التي أثيرت قبل نحو سنتين، إذ إن القرار الصادر عن القاضي ماهر شعيتو برد استئناف النيابة العامة شكلاً لمحاكمة يوسف بعد قرار القاضي فادي عنيسي بمنع المحاكمة عنه، يشير بوضوح إلى أن التحقيق الذي تحرك على أساسه مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية والمداهمات التي تلته (علماً بأن المكتب ليس صاحب اختصاص في هذه الحالة)، جاءا نتيجة تقرير عرضته محطّة «أم. تي. في.» (مضمون الصفحة 10 والصفحة 11 من قرار شعيتو، حيث يظهر بشكل واضح أن القضية بدأت في مكتب سوزان الحاج). ولكي تزيد الطين بلة، ظهر الصحافي حسين خريس على قناة الجديد وهو معدّ التقرير على قناة «أم. تي. في.»، ليؤكد أن صاحب المحطة ميشال المرّ أشار إليه بضرورة التواصل مع سوزان الحاج للتحقق من المعلومات/ «الفضيحة»!
بناءً على ذلك، تم الادّعاء على يوسف وعلى موظفين آخرين في أوجيرو، وعلى شركات من القطاع الخاص، وتم سجن بعضهم لمدة أربعة أشهر على ذمة التحقيق.
يقول يوسف لـ«الأخبار»: «أنا مقتنع بأنه قد تمت فبركة ملف المخالفة ضدي من ألفه إلى يائه، من قبل سوزان الحاج. لقد تم اختراع موضوع التهمة من أساسها، وفبركة الأدلة والشهود والقرائن، وإعداد المداهمات المزيفة، وترويج تقارير مزيفة وتحقيقات غير صحيحة تم تسريبها الى الاعلام من قبلها بغية تشكيل حالة ضدي لدى الرأي العام. وقد كانت هناك محاولات عديدة لابتزاز بعض أصحاب الشركات العاملة في القطاع الخاص والضغط عليهم وتهديدهم، والضغط والتهديد على شركات موردة لمعدات وتجهيزات لهيئة أوجيرو، بهدف إعطاء إفادات ضدي أثناء التحقيقات».
يضيف يوسف أنه «أخيراً صدر حكم القضاء بداية واستئنافاً وتمييزا ببراءتي وأنا انتظر نتيجة لهذه البراءة المدوية أن يتخذ المسؤولون السياسيون المعنيون، كما وعدوا علانية الرأي العام في مداخلاتهم في مجلس النواب، التدابير الضرورية اللازمة والواجبة بغية تصحيح الخطأ وإعادة اﻻعتبار لي واﻻعتذار إلي والتعويض عن الأذى المعنوي والمادي الكبير الذي لحق بي وبعائلتي وبناتي ووالدتي المسنّة عمداً وقصداً، كما حصل ذلك في حالة الفنان زياد عيتاني».
أمّا الأسباب التي دفعت سوزان الحاج إلى هذا السلوك، فتتلخّص بالآتي:
أوّلاً، رفض يوسف مراراً تزويد الحاج بداتا المعلومات من هيئة أوجيرو لخدمات الإنترنت وإعطاءها حركة تخابر الإنترنت الصادرة من لبنان والواردة إليه. وقد عقدت اجتماعات مشتركة ضمت المدير العام لقوى اﻷمن الداخلي في حينه اللواء إبراهيم بصبوص والمدّعي العام التمييزي سمير حمود وعبد المنعم يوسف في مكتب بصبوص كما في مكتب حمود في قصر العدل، بحضور سوزان الحاج ومدير المعلوماتية في هيئة أوجيرو توفيق شبارو، كذلك حاولت مراراً الضغط على يوسف مباشرة بغية التوصل معه إلى تعديل موقفه وتسليم الداتا إليها من دون علم فرع المعلومات أو وزير الداخلية أو حتى رئيس الحكومة.
ثانياً، إن محامي إحدى الشركات المتورطة في قرصنة الإنترنت غير الشرعي، والتي سبق أن تمت إدانتها قضائياً وإدانة أصحابها في قضية التواصل مع إسرائيل في محطة الباروك عام 2009، التابعة والمملوكة من عماد نصري لحود واﻷخوين نديم ووليد حويس والتي تدعى «وان. تو. وان.»، ليس إلا زوج سوزان الحاج، المحامي زياد حبيش شخصياً (شقيق النائب هادي حبيش).
ثالثاً، تضرر كارتيل الشركات الخاصة التابعة لكبار النافذين السياسيين والماليين في القطاع الخاص من مشروع «غوغل كاش»، الذي أقامته أوجيرو للاستفادة مجاناً من هذه الخدمة من قبل الشركات الصغيرة التي تبيع خدمات اﻻنترنت في المناطق الريفية والنائية.
النقطة الثالثة الآنفة الذكر موثقة في قراري القاضي عنيسي (مضمون الصفحة 15، الفقرة الأخيرة في أسفل الصفحة حيث يتبين أن هناك شركات إنترنت خاصة وكارتيلات نافذة تضررت من مشروع «غوغل كاش» المجاني التابع للدولة وتسعى لإقفاله)، والقاضي شعيتو (مضمون الصفحة 13، الفقرة 9، ومضمون الصفحة 15) وهي كذلك ثابتة ومعلنة في التصريحات اﻹعلامية المتكررة التي أدلى بها النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، أكثر من مرة، وتأكيده أنه لم يكن يوماً مقتنعاً بالادعاء على يوسف.
أمّا في ما يخصّ دعاوى جمال الجرّاح، فقد صدر الحكم يوم الأربعاء بتاريخ 23 أيار 2018 عن القاضي المنفرد الجزائي ناديا جدايل، بردّ الدعاوى «جملة وتفصيلاً لمخالفتها الأصول القانونية»، بحسب ما جاء في قرار القاضية. ولعل المفارقة أن رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي هلّل واحتفل بالإفراج عن زياد عيتاني، لم يمانع أن يقال يوسف من أوجيرو بتهم أثبت القضاء عدم صحتها بل أكّد براءة يوسف منها، من دون أن يتحرّك على الأقل لمحاسبة المسؤولين عن فبركة هذا الملفّ، أو حتى ردّ الاعتبار إلى المدير العام الذي وضع مرتّين في التصرّف، ورفعت ضدّه مئات الدعاوى القضائية، من دون أن ينجح المدّعون مرّة واحدة في الاستحصال على حكم يثبت تورّطه.
حكاية يوسف... وآل المرّ
يؤكّد عبد المنعم يوسف أن اﻷسباب الكامنة وراء عداء ميشال غبريال المر له و«رغبته في أذيتي والثأر مني وحملته الشعواء ضدي طيلة عدة أشهر في مستهل كل نشرة إخبارية مسائية»، تكمن في الآتي:
أوّلاً، الدعوى الجزائية التي أقامها ضد المر في كانون اﻷول 2015، جراء تعديه على سنترال الزعرور وهدمه طابقاً كاملاً من مبنى السنترال المملوك من الدولة. وقد تم في حينه توقيف أحد مديري اﻷم. تي. في.، وحقق في هذه الدعوى القاضي علي إبراهيم وعناصر مكتب الجرائم المالية بقيادة المقدم بشار الخطيب في الشرطة القضائية، والذي خلص إلى حصول تعدّ واضح على سنترال الوزارة في الزعرور. ثم حصلت تدخلات سياسية مع وزيري الاتصالات بطرس حرب والعدل في حينه أشرف ريفي واتصاﻻت مع الرئيس سعد الحريري، «للفلفة الموضوع... وبقيت أنا بمفردي في المواجهة وفي الخط اﻷول للقتال».
ثانياً، المداهمة التي أمر يوسف بها بموافقة القاضي إبراهيم لمركز محطة الزعرور في شهر شباط 2016. حيث قام عناصر من أوجيرو بكشف محطة غير شرعية للإنترنت غير الشرعي مركبة ضمن ممتلكات ميشال غبريال المر في أعالي مباني محطة الزعرور، حيث يتم استجرار سعات دولية مسروقة وغير شرعية من قبرص وإسرائيل. وقد حصل اشتباك بين حراس المحطة التابعين ﻵل المر وموظفي أوجيرو. وقد أصدر القاضي أبو غيدا قراراً ظنيا يتهم آل المر بذلك.
ثالثاً، الدعوى التي أقامها يوسف في شهر أيار 2016 ضد شركة استديوفيزيون في موضوع التخابر الدولي غير الشرعي الذي قام به المر من مباني الشركة في النقاش، وبلغت السرقة حوالى 60 مليون دوﻻر.
رابعاً، المطالبة التي قام بها يوسف، بإصرار ومتابعة حثيثة، لميشال غبريال المر لدفع الفواتير الواجبة في ذمته لقاء استخدام محطة جورة البلوط الفضائية لتأمين البث الفصائي ﻷم. تي. في. والبالغة عشرات ملايين الدوﻻرات.