ظلّ مرسوم التجنيس محور الاهتمام، مُتقدّماً على عملية تأليف الحكومة الجديدة، وحتى على موضوع ترسيم الحدود الجنوبية الذي استدعى اجتماعاً رئاسياً ثلاثياً طارئاً في قصر بعبدا، لإعطاء أجوبة عمّا تبقّى من النقاط الـ 13 المتنازَع عليها والتي هي قيد التفاوض مع الجانب الاسرائيلي عبر قوات حفظ السلام الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل).
وفي جديد مرسوم التجنيس علمَت «الجمهورية» أنّ التدقيق في الأسماء والتحقيق مع اصحابها مستمر، وسينطلق بزخم اليوم بعد الاجتماع الذي سيَعقده المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم مع ضبّاط الامن العام، علماً أنّ الحق الدستوري يتيح لرئيس الجمهورية إعادة النظر في المرسوم والتصرّفَ به استناداً الى نتائج تحقيق الامن العام، وإصدار مرسوم جديد تصحيحاً للخطأ.
ومتابعةً للملف، اكتفى اللواء ابراهيم بالتأكيد لـ«الجمهورية» أنه «مستمر في المهمّة حتى النهاية»، وأنه تَسلّمَ المرسوم وسيَنشره في الوقت المناسب «تأكيداً لمبدأ الشفافية أمام الرأي العام».
جنبلاط
وسألت «الجمهورية» النائب وليد جنبلاط عن رأيه في أزمة مرسوم التجنيس، فقال: «يبدو أنّ أشباحاً تسلّلت وانتحلت صفة الذين وقّعوا المرسوم، ولستُ أدري ما إذا كانت الأجهزة الأمنية اللبنانية كافّة تستطيع معرفة مصدر هذه الأشباح». وأضاف: «الجميع يتنصّلون، ولا أحد يتجرّأ على الاعتراف بالحقيقة، ولذلك تجري مسرحية التمويه غير المقنعة».
مساعي التأليف
حكوميّاً، لا جديد في سماء التأليف الحكومي، على رغم أنّ الاتصالات نشَطت بعيداً من الاضواء والصَخبِ السياسي، في وقتٍ يرتقب أن تصدر في الايام القليلة المقبلة مواقفُ دولية وعربية حول لبنان، في ضوء التطوّرات المحلية والخارجية.
وقد تحدَّث الرئيس المكلف سعد الحريري أمس من قصر بعبدا عن «إيجابيات تسود بين الجميع»، متمنّياً «أن تنعكس هذه الايجابيات على التأليف في أسرع وقت ممكن». وقال: «لا أعتقد انه يجب التوقّف عند وزير مِن هنا أو آخر من هناك، الوضع الاقتصادي صعب ويجب تأليف الحكومة في أسرع وقت، وفي ما يتعلّق بحصص الأحزاب، علينا أن نتعاون جميعاً لِما فيه مصلحة المواطن، لأنّنا خضنا الانتخابات من أجلِ خدمته وليس للأحزاب، وأنا ألمسُ في هذا المجال تجاوباً كبيراً لدى «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» و»حزب الله» و»المرَدة» وحركة «أمل» وكلّ الأحزاب الاخرى، وهي متعاونة، وأنا على تواصُل معها. وعليه، فإنّني أطَمئن الى أنّ الامور تسير كما يجب».
ولاحظَت مصادر مراقبة «أنّ الجميع يستعجلون ولادة الحكومة». وأشارت الى «أنّ المشاورات التي تجري خلف الكواليس وبعيداً من التوترات والصخب السياسي، والصمت الذي يطبَع عملية التأليف يمكن أن يُحرزا نتيجةً افضل». وكشَفت أنّ الرئيس المكلف بدأ أمس مشاوراته السياسية وراء الكواليس «منتهجاً سياسة الصوم السياسي لأنّ الكلام في الإعلام لا يجدي في هذه المرحلة وإنّ المطلوب هو الكولسة السياسية بعدما أجرى فورَ عودتِه من الرياض جوجلةً لأفكار القوى السياسية التي وُضعت بين يديه.
3 محاور
وعوَّلت هذه المصادر على «دور القوى السياسية الحريصة على التأليف السريع، ومن ضِمنها دور «حزب الله» ومساعيه بين حلفائه وأصدقائه»، ولاحظت «أنّ الحزب يَستعجل التأليف لجملةِ اعتبارات داخلية وخارجية، إذ يتولّى إجراء الاتصالات اللازمة لتذليل العقد وتسهيلِ ولادة الحكومة العتيدة. ولهذه الغاية نشَط الحزب على ثلاثة محاور:
• محور رئيس مجلس النواب نبيه بري بغية مزيد من ترسيخ التفاهم مع رئيس الجمهورية وحلّ عقدةِ وزارة المال.
• محور رئيس تكتل «لبنان القوي» الوزير جبران باسيل لعدم وضعِ العصيّ في دواليب التأليف.
• محور جنبلاط لحلّ عقدة الوزير طلال أرسلان».
وأكدت المصادر نفسها أنّ «حركة حزب الله لا تعني إطلاقاً الانتقاص من صلاحيات الرئيس المكلّف الذي يؤدّي الدور المطلوب منه، ولكنّ ذلك لا يعني إعفاءَ القوى السياسية الأُخرى المعنية بالتأليف، من دورها. فعلى الرئيس المكلف جمعُ وجهات النظر المتعددة، وما يَجري اليوم يدلّ الى وجود مناخات ايجابية في البلاد ونيّات طيّبة، ويؤكد سعيَ جميعِ الاطراف الى التأليف، وكلٌّ مِن موقعه، والى تبديد المناخات السلبية من اجلِ تعجيل ولادة الحكومة».
الحريري أم «الحزب»؟
في الموازاة، توقّفت مصادر معارضة للسلطة عند جملة معطيات شهدتها الساعات الأخيرة، وأبرزُها الاجتماعات التي عقدها «حزب الله» مع كلّ من باسيل وجنبلاط، معتبرةً انّ الحزب «هو من يتولّى تذليلَ العقد المسيحية ـ المسيحية من خلال اجتماعه مع باسيل، والعقدة الدرزية من خلال اجتماعه مع جنبلاط الذي يستعدّ لزيارة السعودية نهاية الاسبوع، على ما تردَّد. وسألت هذه المصادر: «من يؤلف الحكومة؟ هل الرئيس المكلف أم «حزب الله»؟ وما هي وظيفة الرئيس المكلف؟».
ورأت «أنّ حزب الله يريد حكومةً تتكلم لغتَه وتضمن مصالحَه، وهذا يتعارض مع طبيعة المرحلة الراهنة وطبيعة شروط دوائر القرار». ولاحظت «أنّ جنبلاط يقف حالياً بين نارَين»، وسألت: «كيف سيتصرّف الحريري وماذا سيكون عليه موقف رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع؟».
«القوات»
في هذا السياق كرّرت «القوات» تمسّكَها بتمثيلها وزارياً في الحكومة وفق النتائج التي أفرزَتها صناديق الاقتراع، وأكّدت مصادرها لـ«الجمهورية» أنّ أبوابَها غير مقفلة على ايّ طرح وأنّها منفتحة على كلّ حوار، مشيرةً الى انّها لم تكن في أيّ لحظة ضد حصّة رئيس الجمهورية الوزارية في الحكومة، لكنّها تقف ضدّ ايّ محاولة لتحجيم تمثيلِها تحت عنوان «حصّة الرئيس». وأبدت استعدادَها للمساهمة في حلحلةِ العقد، لكنّها شدّدت على «ضرورة أن تكون المعايير واضحة للجميع».
ترسيم الحدود
على صعيدٍ آخر، حضَر ملف ترسيم الحدود جنوباً في اجتماع عقِد في قصر بعبدا عصر أمس، ضمّ عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، ورئيس الوفد العسكري اللبناني المشارك في اللقاءات الثلاثية التي تُعقد في الناقورة العميد أمين فرحات، والعميد رولي فارس.
وجرى عرض حصيلةِ المفاوضات الجارية بين لبنان وإسرائيل عبر الأمم المتحدة، من اجلِ معالجة النقاط المتنازَع عليها من «الخط الازرق»، والتي لا تزال تدور بين الوفدين العسكريين اللبناني والاسرائيلي في الاجتماعات التي تُعقد في مقر قيادة قوات «اليونيفيل» في الناقورة.
وفي حين اكتفى بري بعد اللقاء بالقول إنّ «البحث لم يكن حول الحكومة، إنّما حول مسألة ترسيم الحدود»، اوضَح الحريري انّ الوفد اللبناني الذي يَعقد اللقاءات الثلاثية بواسطة الامم المتحدة، «يقوم بعمل جدّي، وكذلك اللواء ابراهيم يقوم ايضاً بعمل في هذا المجال، وآمل في حصول تقدّمٍ في هذه المسألة».
وعلمت «الجمهورية» أنّ الإجتماع تقرّر على عجَل، ووجّه رئيس الجمهورية الدعوة اليه صباح امس، مشدّداً على أهمّية انعقاده لمناقشة التطوّرات وتوحيد موقف لبنان منها استناداً إلى ما تبلّغَه من معطيات في الساعات الماضية التي سبقته، وتحديداً تلك المتصلة بالمفاوضات حول الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة، بعد تعيين الموفد الأميركي الجديد ديفيد شينغر من اجلِ إدارة المفاوضات حول هذه الحدود المختلف عليها مع اسرائيل وقبرص خلفاً للسفير ديفيد ساترفيلد الذي أحيلَ الى التقاعد، عدا عن قرب انعقادِ اجتماع اللجنة الثلاثية اللبنانية ـ الإسرائيلية في ضيافة القوات الدولية في الجنوب الأسبوع المقبل، وهو المخصص للحدود البرية ومصير الجدار الإسمنتي الذي تبنيهِ إسرائيل على حدود لبنان الجنوبية.
وفي المعلومات أنّ البحث تناوَل خيارات عدة على لبنان توقُّعها واتّخاذ موقف من ايّ من السيناريوهات المحتملة، ومن الفصل المحتمل بين المفاوضات البحرية والبرية أو السير بهما معاً، وأنّ من الواجب ان يكون للبنان موقفُه الموحّد إزاء أيّ مِن هذين الخيارين على المستويات السياسية والعسكرية والديبلوماسية والاقتصادية.
وفي المعلومات المتداولة أنّ القوات الدولية ما زالت تحتفظ بموقفِها المتصلّب لجهة افتقارها الى التفويض الممنوح لها وفقَ القرار 1701 لإدارة أيّ مفاوضات تُعنى بالمنطقة البحرية، وهي ما زالت عند حرصِها على إدارة المفاوضات في البر، وتحديداً حول الخط الأزرق. وفي المقابل فإنّ اسرائيل تريد الفصلَ في المفاوضات بين البر والبحر، وهي تستعجل التفاهم البري في ظلّ استمرار الخلاف مع لبنان على العديد من النقاط التي تودّ بناءَ الجدار عليها، ويحول الرفض اللبناني الجامد والمتصلّب دون استكمال البناء فيها، ولكنّ لبنان لا يَركن الى التوجّه الإسرائيلي، وهو يدرس كلّ الخيارات المحتملة والمتاحة التي تحمي المصالحَ اللبنانية في البر والبحر «فلا يضحّي بشبرٍ من البر ولا بكوبِ ماءٍ من البحر»، على حد ما نُقِل عن رئيس الجمهورية في اللقاء.
وعلمت «الجمهورية» أنّ الاجتماع ظلّ مفتوحاً لمواكبة كلّ جديد يمكن أن يطرأ في ايّ لحظة، وأنّ امام لبنان الوقت الكافي لدرس كلّ الخيارات المتاحة، ولذلك اتّفِق في نهاية الاجتماع على إبقائه مفتوحاً، لأنّ النقاش لن ينتهي قبل تكريس الخيارات اللبنانية الضامنة للحقوق بكاملها، وإنّ للبحث صلة.
مرجع عسكري
أمنياً، عَقد قائد الجيش العماد جوزف عون في اليرزة، اجتماعاً مع قادة الأجهزة الأمنية، تمّ خلاله البحث في الأوضاع الأمنية العامة، وخصوصاً في منطقة بعلبك ـ الهرمل، وسُبل تعزيز إجراءات التعاون والتنسيق بين الجميع في ضوء التطوّرات الراهنة. وكشَف مرجع عسكري لـ»الجمهورية» أنّ أبرز النقاط التي طُرحت في الاجتماع كانت الأوضاع في بعلبك، في ظلّ التوجيهات الصادرة عن رئيس الجمهورية، وكان تشديدٌ للحاضرين على اتخاذ كلّ الخطوات اللازمة لضمان استمرار الحياة الطبيعية الآمنة وعدم التأثير على المهرجانات السياحية التي ستشهدها المنطقة، في الوقت الذي تتابع القوى العسكرية والأمنية عملها ومهمّاتها لتوقيف المطلوبين والمخِلّين بالأمن من خلال خطة ثلاثية، قوامُها:
• أوّلاً، تكثيف الوجود والانتشار.
• ثانياً، المتابعة الأمنية.
• ثالثاً، التنسيق بين الأجهزة الامنية.
وعلمت «الجمهورية» أنّ القادة الأمنيين ناقشوا التقارير الأمنية المتعلقة بأمن البقاع وأُقِرّت تدابير سيباشر الجيش والقوى الأمنية اتّخاذها في الأيام المقبلة، وهي على مراحل؛ أولاها يتعلق بضبط الوضع الأمني مباشرةً وملاحقةِ الشبكات المنظمة ومعالجةِ أيّ حادث أمني طارئ تسبَّبت به الخلافات العشائرية أو العائلية، بعدما تبيَّن أنّ استخدام السلاح يتمّ لخلافاتٍ عائلية احياناً، وأُخرى تافهة يمكن ان لا تكون سبباً لاستخدام الأسلحة الثقيلة والقذائف الصاروخية لمجرّد أن يقع حادث بين رعاة أو أقارب نتيجة خلافات عائلية أحيانا».
وقال مرجع أمني شارَك في اللقاء لـ«الجمهورية» إنّ التدابير الجديدة «نوقشَت مع قادة ووجهاءِ العشائر ورؤساء البلديات والمخاتير الذين سيكونون عوناً للقوى الأمنية على معالجة الإشكالات والسعي إلى تطويقها سريعاً منعاً لتمدّدِها واستجرارِ الثأر الذي لا تنتهي ردّات فعلِه». ولفتَ المرجع الى «أنّ التدابير المتّخَذة ستكون لها آثار فورية وأُخرى على المدى المتوسط، ولا يَضمن احدٌ نتائجَها على المدى البعيد ما لم ترافِقها تدابير تقلّص البطالة وتوفّر فرصَ العمل والزراعات البديلة على قاعدة الأمن المتلازم مع الأمان والنموّ والحركة الاقتصادية المنعشة للمنطقة، لأنّ القوى الأمنية ستكون في مواجهات شبهِ يومية مع الأهالي».