حققت كتلة مقتدى الصدر في الانتخابات العراقية 2018 العدد الأكبر من المقاعد بالمقارنة مع الكتل الأخرى، وفتحت الطريق أمام الصدر ليكون ذا كلمة عليا أمام بقية الكتل نحو تشكيل الحكومة التي يرجّح كثيرون وجود كتلته البرلمانية فيها. لكن ما هي طبيعة القائمة المدنية لمقتدى الصدر؟ هل هم نواب مستقلون مدنيون تكنوقراط أم أن القائمة كانت غطاءً لدخول جيل آخر من الصدريين فحسب تحت مسميات جديدة بعد أن اهترأت الوجوه القديمة؟
للقائمة ميزات عدة يبدو أن مقتدى الصدر ومشاوريه حرصوا على استيفاءها بين المرشحين بصورة عامة أو بين من حصلوا على التوجيه المحلي من جمهور التيار الصدري ليتم اختيارهم، لا يوجد في المرشحين أي رجل دين وتلك هي الملاحظة الأولى. ربما انتبه مقتدى الصدر من السمعة السيئة التي تسدلها السياسة على رجل الدين.
قلة المرشحين ذوي الطابع العشائري هي صفة ثانية، مع وجود صفة مهنية أخرى إلى جانب الطابع العشائري لهم. يعكس ذلك أيضاً وعياً تجاه هذه القضية سواء من الجمهور أم من قيادة القائمة. على الرغم من وجود مرشحات ممن يرفضن مشاركة صورهن في الدعاية أو يضعن صور الزوج كبديل، الظاهرة التي لطالما كانت محط سخرية في الدعايات الانتخابية في العراق.
فكرة الذمة المالية للنواب كانت نقطة جيدة من حيث إن كثيراً من العراقيين اليوم ينظرون إلى البرلماني كعنوان للسرقة والفساد، وسواء كانت تلك النظرة واقعية أم لا، فإن تقديم ذمة مالية وتعهد يتم تصويره ونشره في اليوتيوب يُعد فكرة جيدة لكبح مخاوف الجمهور. نالت فكرة الذمة المالية استحسان العديدين حتى ممن لم ينتخبوا "سائرون".
لم يكن من بين الفائزين ومن بين أغلب المرشحين شخص من معارضي الخارج أو الساكنين في الخارج، والذين تدور حولهم أيضاً تهم بعدم الصلة بالبلد وواقعه ومعايشة آلامه. إذا ألقينا نظرة على الفائزين، فلن نجد شخصيات متنفذة ذات مركز ديني أو عشائري (كما أسلفنا) كما لن نجد إلا قلة من ذوي المناصب الادارية العليا. هناك ثلاثة نواب سابقين وهناك أشخاص آخرون في مراكز ثانوية في الدولة.
ستجد بين الفائزين 9 أشخاص حاصلين على شهادة الدكتوراه، منهم ثلاثة مختصين بالاقتصاد. كما ستجد 5 من الحاصلين على شهادة الماجستير. هناك طبيبان، كما أن هناك عسكريين اثنين برتبة عميد من الفائزين. من بين الفائزين أيضاً ستجد تربويين يعملون في التدريس أو إدارات المدارس أو مديريات التربية، ومهندسين في مجالات مختلفة كالنفط والكهرباء، وموظفين بدرجات وظيفية اعتيادية. معظم الأشخاص الذين دخلوا قبة البرلمان تحت تحالف "سائرون" يُمكن أن يراهم العراقيون من الطبقة الأقرب إليهم.
بالمقابل فأمام أشخاص اعتياديين لن تستطيع أن تجد الكثير من المنجزات، لن يكون هناك شخص يتباهى بمصنفاته الفقهية أو بلاغته الخطابية أو تاريخه النضالي أو جهاده. عندما نظرنا الى ما ذكره معظم هؤلاء النواب الفائزين في سيرتهم الذاتية لم نكد نجد شيئاً يذكر. إحدى الاستاذات الجامعيات ذكرت في خانة الانجازات أنها قدمت دورة في طرائق تدريس اللغة العربية قبل بضع سنوات، أو وجدنا لبعض الأعضاء سيرة ذاتية خاوية تماماً. هذا فضلاً عمّن لم نتمكن أصلاً من العثور على سيرة ذاتية منشورة له، مثل الفائز الأول عن ميسان الذي عنون مسيرته بكونه "سجين سياسي" أو وسن السعيدي (من بابل) "زوجة الشهيد" الذي أعدمه صدام حسين.
الطابع الشعبي للقائمة ينعكس على دعاياتها، التجمعات العشائرية كانت الطقس الأبرز في مراسم التحشيد، تجمعات الدعم كانت غالباً ما تحدث أيضاً في تحشيد شباب المنطقة في بيت المرشح أو في حديقة عامة أو في بيت شخص مستضيف. اللقاءات مع سرايا السلام (الميليشيا التابعة لمقتدى الصدر) وقياداتها هي أيضاً شاخص مهم في الحملة الانتخابية لـ"سائرون".
فضلاً عن جميع الملاحظات، فقد ركزنا على نقطة معينة تعد في الانتخابات الحالية والسابقة عاملاً مهماً في الدعاية بالنسبة لكثيرين، ألا وهي اعلانات الفيسبوك وصفحات الفيسبوك التي يعتقد كثيرٌ من العراقيين أن لها دوراً مهماً في الدعاية الانتخابية، لكن هذا لم يكن صحيحاً بالنسبة لقائمة "سائرون". الشخصيات الفائزة هي شخصيات لا تملك أي قوة في الشبكة الاجتماعية. صفحات الفيسبوك كانت فقيرة بالإعجابات، كما أن بضع شخصيات من الفائزين ليس لهم صفحات فيسبوك من الأساس. وهذا يحمل دلالات عديدة أولها أن الانتخابات في أحيان كثيرة تدور بعيداً من فلك النخبة التي تظن أن حملاتها الفيسبوكية وأنشطتها الانتخابية ستلعب دوراً هاماً في رسم النتيجة.
نقص المعلومات لا يعاني منه بعض المرشحين أو بعض المحافظات بأكملها، بل تعاني منه القائمة ككل. ليس للقائمة أو التحالف أو حزب الاستقامة جهاز إعلامي متكامل موحد. حتى لحظة كتابة هذا المقال لم نقرأ برنامجاً انتخابياً، ولم نجد موقعاً الكترونياً لا للقائمة ولا لحزب الاستقامة ولا لأي من المرشحين (عدا الدكتورة ماجدة التميمي).
صحيح أن البرنامج الانتخابي ليس مقياساً لأداء القائمة، وأن بعض القوائم الأخرى قدمت برامج انتخابية تم اعدادها خارجياً وكتبت بشكل متناقض، ولم يكن فيها سوى كثرة الكلام وعدم دقته وجودة طباعته، لكن غياب البرنامج المتوافر على الانترنت والمطبوع هو أيضاً نقيصة كبيرة. برنامج قائمة النصر على سبيل المثال كان من أكثر البرامج تفصيلاً ودقة طيلة سنوات الديمقراطية الفتية في العراق.
فَهمُ عمل النائب كان منقوصاً أو منعدماً بين النواب الفائزين وسط الكثير من الوعود الفضفاضة الشاملة مثل "الاهتمام بالشباب" أو "محاربة الفاسدين" أو الصنف الثاني هو ذلك النائب الذي ينشر برامج قد تعجز دولة بأكملها عن تنفيذها فكيف بنائب وحيد؟ لم يفهم هذا الأمر سوى الدكتورة رفاه العارضي الفائزة عن كتلة "سائرون" عن محافظة المثنى، كان تصريحها يدعو للارتياح: "ليس لدي أي وعود انتخابية ذلك ليس من صلاحية النائب". وقد تحدثت النائبة عن عدد من القوانين التي تهدف الى اصلاحها أو تشريعها. بالمقابل فإن أسعد العبادي الفائز عن محافظة البصرة مثلاً وعد ببناء المستشفيات والمدارس والمجمعات السكنية. وكان هذا الجزء الواضح فقط من وعوده الكثيرة. أما ولاء السعبري مديرة المدرسة الفائزة عن محافظة النجف فقد قدمت برنامجاً من 8 صفحات.
يتطلع العراق إلى المزيد من التحرر في سياسته الاقتصادية الحالية نحو تقليل الوظائف الحكومية، لكن سنجد بين نواب "سائرون" أن الفهم البسيط النابع من الذهنية المؤمنة بدور الدولة في ادارة كل شيء أمر شائع لدى كثير من نواب "سائرون"، وصف "اشتراكي" يُمكن أن يعطى لعدد غير قليل منهم. وهؤلاء يُمكن أن لا يكونوا مع كثير من التشريعات الاقتصادية المطلوبة لهذه المرحلة.
القائمة العابرة للطائفية ربما لم يكن وصفاً دقيقاً لـ"سائرون"، فالقائمة في صلاح الدين كانت ذات غالبية شيعية، بينما كان وجود القائمة خجولاً جداً في نينوى والأنبار وبأصوات تقارب الثمانية آلاف والألفي صوت على التوالي لكل من المحافظتين، مع انعدام وجود الدعاية الانتخابية على الانترنت سوى لبضعة مرشحين. لم تشتمل القائمة في البصرة سوى على شخص أو شخصين من السنّة، ولم يكن هناك نائب سنّي من الفائزين في عموم العراق عن قائمة "سائرون".
تواجد غير المسلمين أيضاً ضعيف في القائمة كمرشحين، أحدهم كان مرشحاً مسيحياً عن محافظة واسط. حتى بين مرشحي "سائرون" في الموصل لم يكن هناك أي مسيحي. ولم تكن القائمة أيضاً عابرة للأعراق، فلم تدخل القائمة أساساً الى أربيل أو السليمانية، كما لم تنشر دعاية واحدة باللغة الكردية. الاستثناء الذي قد لا يكفي لإعطائها هذه الصفة هو آزاد حميد شفي (كردي فيلي) مدير المجلس المحلي في مندلي الذي فاز عن بغداد (وليس عن ديالى محافظته الاصلية).
كما لا نبالغ إن قلنا إن السواد الأعظم من الفائزين في مناطق ثقل كتلة "سائرون" هو من التيار الصدري. هناك بضعة مستقلين واثنان من الحزب الشيوعي، لكن عدا ذلك فالأغلبية من حزب الاستقامة وأغلب هؤلاء صدريون. من الأمثلة على هؤلاء عضو الميليشيا السابق في البصرة مظفر اسماعيل الفضل الذي كان معتقلاً لسنوات طويلة، وقد فاز بمقعد عن محافظته. نحن نعلم أن السيد مقتدى الصدر كانت له معايير معينة في التبرؤ من الاشخاص غير المناسبين في تياره لاسيما ممن حملوا السلاح، لكن ألا يؤثر وجود شخص يدعوه أتباع التيار في المدينة بالقائد (كناية عن دوره العسكري) على مفهوم المدنية؟ الفرق في الفئة الجديدة هو أن المرشحين لم يكونوا من القيادات التقليدية السابقة للتيار بل كانوا من الخطوط الخلفية من كوادر التيار الصدري.
إذاً فكتلة "سائرون" البرلمانية هي شيعية عربية ربما حاولت أن تكون عابرة للطائفية كقائمة مرشحين لكن ليس كفائزين. لكنها في الوقت نفسه تضم الكثير من الكفاءات الذي نأمل أن ترجح كفتهم وأن يكون لهم دورٌ هام في البرلمان القادم.