في مثل هذا الوقت من كلّ سنة، يُطرحُ سؤالٌ كبيرٌ حول جدوى الإبقاء على الشهادة المتوسّطة، وبالتالي الاستمرار في التقدُّم من امتحاناتها الرسمية. للعلمِ والخبر فقط، فإنّ حوالى ستّين ألف تلميذٍ تقدّموا هذه السنة من هذه الامتحانات الإثنين في 4 حزيران. برأيي إنّ الإبقاء عليها له حسناتٌ، وله في المقابل، ما لا يبرّره.
لا شكّ في أنّ انتشارَ ما يُسمّى بـ "المدارس التجاريّة" التي تؤمّن الترفيع السهل لتلامذتها من صفٍّ إلى صفٍّ أعلى، وتضرُّ بالتالي بسمعة التعليم في لبنان، يحثّ المصرّين على الإبقاء على الشهادة المتوسّطة، على التمسُّك برأيهم. فبالنسبة إلى هؤلاء، تبقى الامتحانات الرسميّة "المُنْخُل" الوحيد الذي يستطيع أن يقيَ التربيةَ في لبنان وصول تلامذة غير جديرين بالترفُّع إلى الصفوف النهائية. المؤيّدون للشهادة المتوسّطة يرون أيضاً، وإن كانوا لا يبوحون بذلكَ في العلن، أنّ إجراء الامتحانات يشكل موردَ عيشٍ لعددٍ كبير من المعلّمين، إن كان من خلال وضعِ أسئلةِ الامتحانات، أو من خلال مراقبتها أو تصحيحها.
معارضو امتحان شهادة البريفيه يقولون أنّ أيّ بلدٍ في العالم لم يُبقِ على هذه الشهادة بما فيها فرنسا التي وضَعَتها قبل سنواتٍ طويلة. ويرى هؤلاء أن حجمَ الضغط النفسي الذي تشكّله الامتحانات على الأولادِ غيرُ مبرَّرٍ، خصوصاً وأنّهم صغارُ السن. وهُم يعتقدون أنّ الأولادَ في سنّ الخامسة عشر غيرُ مسؤولين عن حلّ مسألة "المدارس التجاريّة"، فهذه المسألة هي مسؤوليّة الدولة وليست من مسؤوليّة التلامذة. لكنّ الحجّة الأقوى التي يستعملُها معارضو الامتحانات الرسميّة للشهادة المتوسّطة تبقى حجمَ الغشِّ الهائل، الذي وإن خفّ في السنوات القليلة الماضية، إلّا أنّه يبقى مستشرياً، الأمر الذي يجعلُ الإبقاءَ على الامتحاناتِ أمراً غيرَ مُقنِع. فبرأي هؤلاء، إذا لم تكُن الامتحاناتُ آليةَ قياسٍ للمعارف والمهارات، فلماذا تكون إذاً؟
السؤال هو: ماذا إذاً؟ هل نُبقي عليها؟ أم نُلغيها؟ الجواب صعبٌ. لكن إذا قرّرت الدولةُ الإبقاء عليها، يتوجّب عليها عندئذٍ الاستمرارَ في عمليّةِ تطويرِ إجراءِ الامتحانات، ولها خطوات مشكورة في هذا المضمار في السنتين الأخيرتين. كذلك فإنّ الاستمرار في ضبط الشبكات المنظَّمة للغش في الامتحانات قبل الامتحانات مطلوبٌ وبقوّة. كما أنّ إيصالَ عمليّةِ المراقبةِ إلى مرحلةٍ تكون خاليةً تماماً من الغشِّ هو أمرٌ محتوم. فمسؤولو مراكز الامتحانات الذين يسهّلون الغش معروفون بالأسماء. مطلوبٌ من الدولةِ معاقبةَ هؤلاء من دون تردُّد، وعزلَهم عن كلّ ما هو تربوي، لأنّهم يلعبون بمصيرِ أهمّ عاملٍ لتطوير الشعوب وهو التربية. وإذا استمرّت الدولةُ في مكافحتِها تسريبَ الامتحانات، وهي حسّنَت كثيراً هذا المُعطى، وواصلَت تطوير بنك الأسئلة وكيفيّة وضعِ الامتحانات، واستطاعت الانتقال في شكلٍ كبير إلى مرحلة اعتماد الأسئلة على الفهم والتحليل أكثر من الحفظ، وتمكّنَت من تأمين أساتذة قادرين لفعل ذلك، فإنّي أكون ساعتئذٍ مع الإبقاء على الامتحانات الرسمية لشهادة البريفيه لسنتين أخيرتين، ومن بعدِها يأتي التقويم والقرار النهائي بشأنها. أمّا إذا بقي الغشّ مستشرياً ولم تعُد الامتحاناتُ آليةً للقياس لهذا السبب ولأسبابٍ أُخرى، فإنّ أمرَ إبقائها لأية حجّة كانت يبدو غير مقنعٍ وغير مُبرّر وغير تربوي.
(سمير قسطنطين)