في الندوة التي عقدت في بيت المستقبل الأسبوع الماضي حول "الأمن وسط الانحلال" واستفحال عملية التفكك أو عكسها، وفي الجلسة المخصصة لدور اللاعبين الإقليميين والدوليين (روسيا وايران)، عرض علينا المتحدث الإيراني دور ايران في المنطقة فبدت حمامة سلام، وكأن السامعين آتون من كوكب آخر لا يعرفون شيئاً عن ايران دورها سواء في لبنان او في سوريا والمنطقة.
كانت ذريعته لوجود إيران في سوريا أن وجودها شرعي ومبرر وبطلب من السلطات السورية. وعندما سألته عن معنى هذه الشرعية بالنسبة له، فإذا كانت الانتخابات هي اختيار الشعب لمن يمثله لأن الشعب هو مصدر السلطات، فكيف تكون الانتخابات شرعية عندما يكون نصف الشعب السوري مشرداً بفضل الرئيس نفسه الذي من المفترض انه انتخبه!! وأي شرعية لرئيس لا يبقيه في منصبه سوى الجيوش الأجنبية وصواريخها وأنواع المرتزقة التي تبقيه بالقوة بعد أن قضت على الثورة السلمية التي طالبت برحيله طوال شهور مديدة قبل ان تتحول الى فصائل مسلحة متعددة الانتماءات وقبل أن تنبت داعش بفضل جهود النظام.
واذا كان الدعم الخارجي العسكري يؤمن شرعية الحكومات، ربما ما كان يجدر بالشاه ان يتخلى عن عرشه بهذه السهولة منعاً لاراقة دماء الايرانيين وحفاظاً على وحدة ايران، وكان على أميركا أن تتدخل حينها وتساعده في البقاء عنوة وبالقوة العسكرية!
لو حصل ذلك حينها، هل كان سيعتبره الحاكم الشرعي؟
طبعاً تهرب المحاضر من الاجابة المباشرة زاعماً ان الجميع يعلم ان الايرانيين ضد الحكم الملكي. لكننا نعلم أيضاً ان معظم الشعب الايراني ضد حكم الملالي وان ثورتهم الخضراء قمعت بالقوة في العام 2009 ، مثلما قمعت الاضطرابات التي حصلت العام الماضي ولا تزال الاضطرابات تتفاعل حتى الآن.
أما موقف ايران من النزاعات، فبزعمه ان ايران تدعم حكم الاكثريات في المنطقة: الشيعة في البحرين والعراق، قافزاً عن كون الحوثيين أقلية ومع ذلك يدعمونهم ناهيك بالرئيس الأسد المنتمي الى الاقلية العلوية.
ما يغضب في مثل هذه المداخلات ان المحاضر لا يحترم ذكاء المستمعين ولا شخوصهم، إذ علينا ان نصدق ان ايران بلد مسالم يخاف من الآخرين، منذ حرب صدام، بينما لا يريد سوى الحوار والتفاهم مع الجيران.
أما السيدة الجميلة المتخصصة بالشؤون الروسية والمقربة من السلطات الروسية، فمارست سحرها علينا واخبرتنا عن دور روسيا التي جاءت لحفظ السلام في سوريا؛ وهي لتواضعها وديموقراطيتها، لا تتعامل مع الآخرين إلا كشركاء ولا تتصرف الا بإذن من السلطات السورية. ومرة اخرى، وجودها شرعي لأنها هناك أيضا بطلب من الرئيس الشرعي المنتخب تحت سماء سوريا المحمية بالصواريخ والبراميل المتفجرة، الاختراع الروسي القليل الكلفة.
تطيّر روسيا صواريخها وهي تبتسم، تماما كما يفعل الدب الروسي البني، شعار روسيا، الموجود في قاعدة حميميم والذي يستقبل الزائر وهو يقف وديعاً ومبتسماً ويطيّر الحمائم في الفضاء. وعندما اقتربت منه محدثتنا وجدت انها حمامات تلبس دروع حماية. ورسمت السيدة ابتسامتها الساحرة لتخبرنا أن الدب الروسي ليس عنيفاً كما نتخيل، بل هو في مخيلتهم كأطفال حبوب ولطيف ومسالم! انه رمز الوداعة وموزع الهدايا كبابا نويل!
هكذا تروج روسيا - كما كان الاتحاد السوفياتي من قبل- انها داعية سلام وحافظة للأمن في سوريا فصواريخها حمائم، لكنها حمائم تلبس الدروع لتزرع الموت والدمار لحماية النظام الذي شرعن وجودها فتعمل على شرعنته بالمقابل.
الاسلوب الروسي يغطي صواريخه بطبقة من العسل، بينما الأسد الايراني (وهو أشوري بالأصل) يزمجر ليحمي الجالس على عرش الطاووس بينما الأرض تهتز تحت اقدامه وسيحتاج قريباً الى الحفاظ على شرعيته في بلاده نفسها.