لا يزال قرار مجلس الوزراء رقم 23 الصادر في 17 أيار الماضي والقاضي بمنع دخول البضائع التركية الى الاسواق اللبنانية لحماية الاخيرة من المنافسة غير العادلة يشغل بال الاقتصاديين والتجار.
وفي الوقت الذي اتفق فيه أهل الإختصاص على أن هذا القرار خاطئ وطابعه سياسي أكثر منه اقتصادي، اختلفوا على الخسارة التي يمكن أن يتلقاها لبنان جراء هذا القرار. وبينما رأى خبراء أن هذه الخطوة قد تكلف لبنان في أسوأ الحالات 154 مليون دولار خسارة، في حال قاطعت تركيا البضائع اللبنانية وامتنعت عن استيرادها، يرى آخرون ألا تبعات اقتصادية على لبنان، ويصرون على أن ابواب الفساد في الأسواق اللبنانية تكمن في أماكن أخرى أولى بالمعالجة.
يعدّد الوزير السابق فادي عبود لـ"ليبانون ديبايت" ما يصدّره لبنان إلى تركيا من مواد خام هي سكراب الالمنيوم، وسكراب الحديد، وسكراب البلاستيك والذهب. وهذه المواد إن لم تشتريها تركيا ستتجه نحو بريطانيا، فرنسا او غيرهم. لكن يقع حاليا خيار تصديرها على تركيا لأن الشحن إليها أرخص من أوروبا. أما السلع الصناعية، فمن شبه المستحيل تصديرها إلى تركيا لأن السوق التركي محمي بشكل غير طبيعي، وكل المحاولات من الصناعيين لتصدير أي سلعة إلى تركيا باءت بالفشل، وفقاً للوزير.
لا يرى عبود أن هناك خسارة اقتصادية قد تترتب على لبنان من جراء هذا القرار لأن التجارة اللبنانية مع تركيا "وان واي". ولا تستطيع تركيا أن تقوم بأية ردة فعل اقتصادية تجاه لبنان لأن الصادرات إليها أرقامها ضئيلة، وهي ليست مواد منتهية الصنع بل مواد خام ـ سكراب. وفي حال قررت إعادة اشتراط حصول اللبناني على تأشيرة دخول إلى أراضيها، سيقل عدد المسافرين اللبنانيين إليها، بالتالي ستخسر بهذه الحالة. ويعتبر ان منع اغراق السوق اللبناني ببضائع مستوردة من بلاد تدعم كلفة الانتاج حلم ينتظره الصناعي منذ اكثر من عشرين سنة، لكنه كالعادة جاء انتقائياً!
ويلفت إلى أن القرار مركّب في السياسة أكثر منه في الاقتصاد، فهناك خلاف واضح المعالم مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والدول العربية والخليج. "وأي إجراءات تتخذ لمنع الاغراق في السوق اللبنانية لا يمكن أن تتخذ بوجه بلد واحد إن كان هناك بلدان أخرى تتصرف بنفس الطريقة مثل الصين وبعض الدول العربية".
ويشير الوزير إلى أبواب الفساد التي تؤسس لمنافسة غير عادلة بالاسواق اللبنانية والتي هي أولى بالمعالجة الحقيقية من منع استيراد البضائع من تركيا. ومنها استيراد الثياب الجاهزة تحت مسمى البالة، الأمر الذي قضى على صناعة الألبسة المحلية، والفاتورة المخفضة التي لا تأتي فقط من تركيا بل من الصين وعدة بلدان أخرى لا سيما العربية منها.
وتُعتبر الفاتورة المخفضة أو التهريب المقونن من المشاكل الكبرى والأساسيّة في الفساد الجمركي، إذ إن نسبة كبيرة من البضائع الاستهلاكية التي تدخل لبنان تسجَّل بفواتير مخفضة أو مزورة وهي تكلّف لبنان أكثر من 500 مليون دولار سنوياً. كما أن هذه الفاتورة تساعد على التهرّب من الضريبة على القيمة المضافة داخل السوق. وبحسب إحصاءات البنك الدولي، هناك أكثر من 40 في المئة من البيع والشراء في السوق يتم تحت الطاولة ومن دون TVA، وفقاً لعبود.
ويوضح عبود أن مراقبة الفواتير المخفضة هي جزء من الحل، الذي يجب أن يُستتبع بضبط الحدود البرية والكشف اللاحق على كل البضائع، ومن بعدها تنظيم استيراد البضائع من الدول الأخرى عبر رفع الرسوم الجمركية ورسوم تكافؤية والسيطرة عليها لا منع الاستيراد من بلد من دون آخر بقرار غير مقنع.