بالتزامن مع عودة الرئيس سعد الحريري من الرياض، تحرّكت الاتصالات واللقاءات على خط معالجة عقد تأليف الحكومة العتيدة.
وكان البارز، على هذا الصعيد، أخذ حزب الله المبادرة على مستوى القيادة، إذا استقبل الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، وبحث معه لساعات معايير تأليف الحكومة من زوايا ثلاث: المناصفة بين المسلمين والمسيحيين وفي ضوء نتائج الانتخابات، لتكون الحكومة العتيدة «حكومة اوزان وأحجام لا أوهام ولا أحلام، حكومة الواقع، لا الأمر الواقع» وفقاً للمصادر الناطقة بلسان التيار الوطني الحر.
واقتضى منطق السرعة الذي اتفق عليه السيّد نصر الله والوزير باسيل، ان يزور المعاون السياسي للسيد نصر الله الحاج حسين الخليل ومسؤول وحدة الارتباط في الحزب وفيق صفا، النائب السابق وليد جنبلاط، بحضور الوزير الأسبق غازي العريضي.
واكتفى البيان الذي صدر عن الاجتماع بالاشارة إلى أن الأجواء كانت إيجابية، واللقاء تناول ملفات عدّة.
وامتنع مصدر قريب من اللقاء عن الخوض في مضمون ما دار خلال اللقاء، لكنه لم يستبعد ان يكون البحث تناول معالجة العقدة الدرزية المتعلقة بعدم قبول جنبلاط ان يتمثل أي شخصية درزية من خارج اللقاء الديمقراطي، أو مَن يرشحه من الدروز، في ما يشبه وضع «الفيتو» على إعادة توزير النائب طلال أرسلان من ضمن الحصة العائدة للتيار الوطني الحر.
وتوقع المصدر ان تعالج هذه العقدة ضمن حلحلة شاملة، تتوضح معطياتها خلال الأسبوع الجاري، الذي يوصف بأسبوع اختبار النيّات، لجهة تسهيل التأليف وتسريعه، أو معالجة الإشكالات المتعلقة بحصة «القوات» وتمثيل سنّي من خارج تيّار «المستقبل»، حيث يشترط الرئيس سعد الحريري التعامل بالمثل لجهة ان يكون شيعي في عداد حصته.
مفاوضات التشكيل
وفي تقدير مصادر سياسية ان المفاوضات الجدية لتشكيل الحكومة، يفترض ان تبدأ اليوم، بعد عودة الرئيس المكلف الحريري من زيارته العائلية إلى المملكة العربية السعودية، بالتزامن مع تحرك اعتراضي على مرسوم بتجنيس نحو 385 اجنبياً، بينهم شخصيات سورية وفلسطينية ومن جنسيات مختلفة، اثار الكشف عنه، رغم انه لم ينشر في الجريدة الرسمية، ضجة كبيرة، وصفها البطريرك الماروني بشارة الراعي، بانها «مبررة» بسبب كتمان مضمونه وبسبب ما أثار مرسوم التجنيس الصادر في العام 1994 من خلال ديموغرافي»، مؤكداً ان «مبدأ منح الجنسية يجب ان يكون رابطة الدم لا الأرض ولا الخدمات».
الا ان الرئيس الحريري، لم يتطرق في الكلمة التي ألقاها غروب أمس، في افطار تيّار «المستقبل» في «البيال»، إلى تفاصيل تتعلق بمفاوضات تشكيل الحكومة ولا إلى مطالب الكتل النيابية، بحسب ما بات معروفاً، لكنه شدّد على ضرورة الإسراع في التشكيل، لافتاً إلى ان النّاس تريد فريق عمل حكومياً للعمل وليس للنقار السياسي، وان النّاس لا تكترث لوزير بالزائد أو وزير بالناقص، وانه «سائر على خط النّاس وعلى خطوط الوفاء».
وإذا أكّد ان الانتخابات باتت وراءنا، لفت إلى ان مصادفة شهر رمضان المبارك بعد الانتخابات مباشرة أمر مفيد للبلد، أقله لجهة التخفيف من حدة الخطاب السياسي، ومطالبة الجميع التزام التهدئة والصوم عن التصعيد.
وقال ان أمله كبير في ان تأخذ المشاورات حول الحكومة بعين الاعتبار السير بالاصلاحات المطلوبة رغم انها قد تكون موجعة، وحاجة البلد لورشة عمل حكومية وتشريعية تحدث نقلة نوعية بالأداء السياسي وتعيد الثقة بدور الدولة والمؤسسات، وأول خطوة صحيحة مطلوبة في هذا المجال، هي الإسراع بتشكيل الحكومة والتوافق على فريق حكومي قادر ان يتحمل مسؤولية مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والوطنية، املاً «ان تكون الأيام المقبلة افضل».
وإلى جانب عودة الحريري من الرياض، كانت نهاية الأسبوع، قد حفلت باحداث مهمة بعضها سينعكس على مسار تشكيل الحكومة، ولا سيما لقاء الأمين العام «لحزب الله» السيّد حسن نصر الله برئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، ليل الجمعة- السبت، والذي تبعه لقاء بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بكل من المعاون السياسي للأمين العام للحزب الحاج حسين خليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا في حضور النائب السابق غازي العريضي، وبعضها الآخر يفترض ايضا ان ينعكس على مسار العلاقات بين القوى السياسية لا سيما بين «التيار الحر» وبين القوات اللبنانية وحزب الكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي، الذين اعترضوا على مرسوم التجنيس الذي صدر عن رئاسة الجمهورية فجأة ومن دون مقدمات وفي ظروف غامضة اثارت بعض الالتباس حول اسبابه ونتائجه واحقية من شملهم، بخاصة بعض رجال الاعمال السوريين المقربين من السلطات السورية ومنهم من شغل مناصب رسمية، تم توزيع اسماؤهم وصورهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي بعض وسائل الاعلام، علماان القانون السوري يمنع ازدواجية الجنسية ومن يحصل على جنسية ثانية تسقط عنه جنسيته السورية.
مرسوم التجنيس
وفي حين، توقعت مصادر رسمية لـ«اللواء» ان تبرد الأجواء حول مرسوم التجنيس بعد التوضيحات التي صدرت عن رئاسة الجمهورية ودعوتها الأطراف المعترضة، والتي تملك معلومات عن المجنسين غير المستحقين إلى تقديمها إلى المديرية العامة للامن العام للتحقق منها والتدقيق فيها، اصرت الاطراف المعارضة للمرسوم على تقديم طلبات للحصول على معلومات مفصلة عن المرسوم وعن الاشخاص الذين تم تجنيسهم. ولوحت باللجوء الى الطعن بالمرسوم امام مجلس شورى الدولة.
واكدت المصادر الرسمية رفيعة المستوى انه لن يتم قبول الطعن لأن منح الجنسية هو حق دستوري حصري برئيس الجمهورية، طالما لم يشمل مطلوبين ومحكومين ومتهمين بقضايا كبرى، عدا عن انه لا يوجد متضرر شخصي من مرسوم التجنيس ليطعن به.
واوضحت المصادر انه سبق وحصل ان الغيت مراسيم منح الجنسية لعدد من الاشخاص ممن تم تجنيسهم عام 1994بعد ثبوت وجود احكام بحقهم او انهم مطلوبون بجرائم معينة.
وقالت المصادر: ان اسماء الذين اثيرت حولهم علامات استفهام ونشرت صورهم ، وردت اسماؤهم من رئاسة الحكومة ووزارة الداخلية وليس من رئاسة الجمهورية.
وبحسب مصادر أخرى مطلعة، فإن التوضيح الذي صدر عن رئاسة الجمهورية، وضع قضية المرسوم في عهدة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم «لتنظيف» من الشوائب وبعض الأسماء المحسوبة على النظام السوري، وهو سيلتقي وزير الداخلية نهاد المشنوق، ربما اليوم، للاستيضاح منه عن الأسماء التي وردت في المرسوم، والجهات التي طلبت تجنيس هؤلاء، علماً ان الأمن العام لم يطلع على الأسماء قبل وضعها في مرسوم التجنيس، وانه كان يجب إحالة كل معاملات التجنيس على الامن العام الذي يملك وحده «الداتا» المتعلقة باسماء الأشخاص الأجانب الموجودين في لبنان، وبامكانه التدقيق في اللوائح الاسمية لشطب الاسماء والتي تعتبر نافرة، على غرار الذين وردت اسماؤهم لمتمولين سوريين وتبين انهم مطلوبون من جهات خارجية بتهم مختلفة، أو انهم من أركان النظام السوري أو كانوا على علاقة به.
وكشفت معلومات ان الأمن العام سيقوم بالتحقيق حول كل اسم، وبالتالي فإن توجيهات أعطيت لدى مديرية الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية بتجميد كل معاملات الاستحصال بطاقات هوية أو اخراجات قيد للمجنسين إلى حين التأكد من أحقية هؤلاء.
وقالت انه بعد التأكد والتحقق من وضعية كل اسم، فلا تستبعد دوائر رئاسة الجمهورية تحضير مرسوم جديد لسحب الجنسية من غير مستحقيها، الا ان هذا الاجراء قد يأخذ وقتاً، وإلى حينه فإن ما كان قبل المرسوم لن يكون مثل ما بعده، إذا للدولة ان تقوم على أساس كشف الفساد ومكافحته.
ومساء أمس، أوضح المكتب الإعلامي لوزير الداخلية ان اسم سامر فوز الذي طالب بسحب اسمه من جداول المشمولين بمرسوم التجنيس، لم يكن وارداً في جدول المرسوم المذكور.
الوضع الحكومي
وحول الوضع الحكومي، اكدت مصادر رسمية متابعة لـ«اللواء» ان اي اتصال بعد لم يجرِ خلال غياب الحريري بينه وبين رئيس الجمهورية، ولم تتضح اي صيغة للحكومة العتيدة، يُفترض ان تشكل عودة الرئيس المكلف تزخيما لحركة المشاورات والاتصالات اعتبارا من اليوم بعد كلمته امس خلال حفل الافطار في البيال.
وتتقاطع المعلومات حتى الان على استبعاد فكرة حكومة الاقطاب او الاربع وعشرين وزيرا طالما ان التوجه القائم هو حول تشكيل حكومة وفاق وطني او حكومة وحدة وطنية تضم كل الاطراف او ما امكن منها، إلا بعض الاطراف التي ترغب باستبعاد نفسها واللجوء الى المعارضة الديمقراطية نتيجة ملاحظاتها ومواقفها من امور كثيرة ومنها الحصص الوزارية والحقائب المطلوبة والمعايير التي تطلبها لتشكيل الحكومة عدا الخلاف المستجد حول مرسوم التجنيس، بينما يصر التيار الحر على توزيع الحصص حسب الاحجام النيابية للكتل وتصر القوات اللبنانية على تكبير حجمها وحصتها وفقا لنظرتها الى نتائج الانتخابات.
وبحسب المعلومات، فإن الوضع الحكومي، كان حاضرا بقوة في لقاء السيّد نصر الله بالوزير باسيل والذي حضره أيضاً الحاج وفيق صفا إلى جانب تقييم نتائج الانتخابات النيابية والعبر السلبية والإيجابية التي يجب أخذها بالاعتبار، اضافة الی موضوع النازحين السوريين ومقاومة الفساد واعطائهم الأولوية القصوى في العمل النيابي والحكومي، بحسب البيان الذي صدر عن اللجنة المركزية في «التيار الوطني الحر» الذي كشف عن اللقاء، وعن اتفاق جرى على تُصوّر أولي مشترك لموضوع محاربة الفساد وعلى كيفية اعتماد آلية مشتركة لاحقة لذلك.
وبالنسبة لموضوع تأليف الحكومة، أوضح البيان انه جرى بحث في أهمية تشكيل الحكومة بالسرعة اللازمة، بما ينطلق مع المعايير الميثاقية والدستورية والديمقرطية والمنسجمة مع نتائج الانتخابات.
ولم تستبعد مصادر مطلعة، أن يكون اللقاء نجح في إعادة التفاهم بين الحزب و«التيار» والذي شابة الالتباسات في أثناء الحملات الانتخابية، حيث كانت لباسيل خطابات سياسية عاصفة، الا أن النقطة الأهم ضمن محطات اللقاء، كان التركيز بين الجانبين على أهمية فتح صفحة جديدة بين «التيار» وحركة «امل» ولا سيما لجهة مطالبة التيار بحقيبة المالية او الداخلية، ما اثار إشكالية جديدة مع الرئيس نبيه برّي، الذي سبق وأعلن اصراره على المالية ووافقه «حزب الله» على الأمر نفسه.
الا ان أي مصدر سواء في التيار أو في الحزب لم يكشف عن طبيعة التفاهم أم لا على هذه النقطة، باستثناء التأكيد على ان تراعي الحكومة الجديدة تمثيل الكتل النيابية وفق احجامها، الأمر الذي قد يخلق إشكالية جديدة مع «القوات» التي تصر ان يكون تمثلها في الحكومة موازياً لتمثيل «التيار الحر».
اما بالنسبة للقاء جنبلاط - الخليل، فقد اتفق الطرفان، بحسب مصادرهما على استمرار التنسيق والتعاون، الا ان أي معلومات لم ترشح عن طبيعة المباحثات في اللقاء، وان كانت مصادر رجحت ان تكون تناولت موضوع الحصة الدرزية في الحكومة، والتي يُصرّ جنبلاط ان تكون بكاملها (3 حقائب) للقاء الديمقراطي، في حين يطالب النائب طلال أرسلان، حليف «التيار الوطني» والحزب بأن تكون له حقيبة من الحصة الدرزية.
رسالة من المعلم لباسيل
وعلى صعيد موضوع النازحين السوريين، علمت «اللواء» ان السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي سيسلم اليوم الوزير باسيل كتاباً جوابياً من نظيره السوري وليد المعلم يتعلق بالقلق اللبناني من القانون رقم 10 الذي أصدره الرئيس بشار الأسد بخصوص سحب ممتلكات النازحين إذا لم يتمكنوا من تثبيت ممتلكاتهم لعقاراتهم في سوريا، وذلك ردا على الرسالة التي كان باسيل بعثها إليه قبل أيام.
وكان الوزير المعلم أوضح في المؤتمر الصحفي الذي عقده السبت في دمشق، انه لا داعي لهذا القلق، وان السلطات في سوريا حريصة على إعادة هؤلاء النازحين، وان القانون صدر لحماية ممتلكات النازحين لا سيما في الغوطة الشرقية، وانه يحق لأي نازح أو قريب منه إلى الدرجة الرابعة تثبيت ملكياتهم بعد ان احترقت كل الدوائر العقارية في الغوطة.