أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنه «من تجلّيات الرحمة، الوضوح في التعاطي واحترام الرأي العام، وخصوصا ما يختص بمرسوم التجنيس الذي أثار ضجّة مبرّرة بسبب كتمان مضمونه». وسأل الراعي: «أليس هذا ما تخوّف منه الرأي العام برفضه المادة 49 المُضافة على موازنة هذا العام؟
تدقيق في الاسماء
في هذا السياق وقبل ان يهنأ المجنسون بلبنانيتهم وينظروا الى الارزة تكلل جواز سفرهم الجديد جاءهم خبر عودة التدقيق في اسمائهم، بل ابعد من تدقيق هو تحقيق. وعلمت «الجمهورية» ان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم باشر بهذا التدقيق فور تفويض رئيس الجمهورية ميشال عون هذه المهمة في انتظار ان يتسلم المرسوم الذي سيطلبه من الرئاسة او من وزارة الداخلية اليوم مرفقا بلائحة الأسماء الكاملة بعدما كان الاتفاق في اجتماعه السبت مع عون في بعبدا ان ينظر ابراهيم فقط بالشكاوى على كل من لديه معلومات او شبهات حول اسم معين...
وعلمت «الجمهورية» أيضاً ان اللواء ابراهيم سيشكل لجنة من ضباط في الامن العام لإعداد ملفات كاملة حول كل اسم حدة وسيجرون كل التحقيقات والاتصالات اللازمة للتثبت من أحقية الشخص بمنحه الجنسية وما اذا كان يستأهل الجنسية وفق المعايير التي تتيح له ذلك وعند الانتهاء من المهمة يرفع ابراهيم النتائج الى رئيس الجمهورية الذي سيعود اليه إتخاذ القرار النهائي ...
وقال اللواء ابراهيم لـ«الجمهورية»: سأدرس الملف بالتفصيل والأمن العام ليس بعيدا عن هذه المهمة لأنه السلطة المكلفة التثبت من الأوراق وتلقي المراجعات، وإذا كان هناك من شوائب في المرسوم فلتصحح وسيحصل على الجنسية من هو مؤهل ويستحقها. ومنذ البداية كان يجب ان يمر هذا المرسوم عبر الامن العام ليقوم بدوره على هذا الصعيد قبل ان يصدر»...
وأكد ابراهيم «ان هذه الخطوة التي اقدم عليها رئيس الجمهورية بعد صدور المرسوم هدفها تصويب الأمور في الاتجاه الصحيح وهي جدية وفيها اصرار على اخراج هذا المرسوم من التداول والتشكيك ووضعه في إطاره التقني، مؤكداً «ان كثير مما اثير حول الأسماء قد لا يكون صحيحاً».
وقالت مصادر متابعة لأزمة المرسوم لـ«الجمهورية»: «في القانون ليس هناك من مخالفة دستورية في اصدار المرسوم بل كما يبدو تنفيعية، وهؤلاء ممن دارت حولهم ملابسات وتشكيك يريدون الجنسية لحماية انفسهم وتسهيل حركة التنقل كونهم رجال اعمال ومستثمرون كبار وتعوق جنسيتهم الاصلية اعمالهم.
وقالت المصادر نفسها : «السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يصدر هذا المرسوم في ظل حكومة تصريف اعمال.» والسنا في عهد الشفافية، فكيف يدشن العهد اول طريقه بعد الانتخابات النيابية بهذا المرسوم المعيب؟ واذا لم يكن كذلك لماذا تم تهريبه ولم يُعلن؟».
وقللت المصادر من اهمية ما يثار حول المرسوم من تغيير ديموغرافي او توطين او غيره، معتبرة «ان الهدف من اعطاء الجنسية بهذا الشكل هو تنفيعات مالية وما ادراج اسماء عادية ضمن المرسوم ربما تستحق الجنسية سوى تعمية على الاسماء الكبيرة». وختمت المصادر: «اذا صح ما يحكى عن ملايين من الدولارات استفاد منها من توسطوا لاصدار المرسوم، فليأخذ القانون مجراه وليتم التحقق من صحة هذه المسألة خدمة لسلامة العهد».
مشاورات التأليف
سياسياً، ينتظر أن تدير عودة الحريري الى بيروت محرّكات تأليف الحكومة، وتضعها على سكة توليدها في صورتها الثلاثينية الموسّعة، وأن تفتح البلد اعتباراً من اليوم، على أسبوع مفعم بحيوية ونشاط يعوّضان عن الوقت الذي ضاع من دون اي حراك جدي أو مُجدٍ، على خط التأليف، منذ تكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة.
مهمة صعبة
وبحسب ما تؤشّر البوصلة السياسية، يبدو انّ الرئيس المكلّف سيكون أمام مهمة صعبة وشاقة، بالنظر إلى ما تُبيّته بعض القوى السياسية من رغبات وتمنيات وطموحات، علماً انها استغلت فرصة غياب الرئيس المكلّف، في تحضير نفسها لدخول حلبة المساهمات والمقايضات، واستَبقَت مفاوضاتها معه برفع سقف مطالبها وشروطها إلى الحد الأعلى، وذلك لتحصيل أكبر قدر من المكاسب والحقائب الوزارية كمّاً ونوعاً.
عقبات
وفي هذا السياق، قال معنيون بعملية التأليف لـ«الجمهورية» انّ العقبات الماثلة في طريق الحريري، قد يكون من الصعب عليه تجاوزها بسهولة، وإحداث خروقات إيجابية في أسقف وجدران مطالب القوى السياسية، التي يصنّف بعضها بالتعجيزية، خصوصاً أنها تسعى الى تخصيصها من دون غيرها بحصة الأسد في الحكومة، سواء لجهة حجم التمثيل او لجهة الحقائب السيادية أو الحقائب المصنّفة خدماتية و»مدهنة». ويعدّد هؤلاء مجموعة من العقبات الصعبة:
• الأولى، عقبة التمثيل المسيحي، في ظل الاشتباك المحتدم على الحقائب بين التيار الوطني الحر، الذي يطالب بحصة وزارية وازنة لتكتل لبنان القوي (29 نائباً)، بمعزل عن حصة رئيس الجمهورية (3 وزراء)، وبين «القوات اللبنانية» التي تريد أن تَصرف فوزها الانتخابي في حقائب وزارية أساسية خدماتية وسيادية، زيادة عمّا كان عليه تمثيلها في حكومة الحريري السابقة، والأهم بالنسبة اليها هي الشراكة والتوازن مع التيار الوطني الحر. والسؤال هنا كيف سيوائم الحريري بين نقاط الاشتباك والاختلاف الكثيرة بين القوات والتيار، وبين الفيتوات المتبادلة بينهما على بعض الوزارات.
• الثانية، عقدة التمثيل الدرزي في ظل الاشتباك بين وليد جنبلاط وطلال ارسلان، ومطالبة الاول بالحصة الوزارية الدرزية في الحكومة (3 وزراء في حكومة من 30 وزيراً)، على اعتبار انّ الحزب التقدمي الاشتراكي فاز بـ7 من اصل المقاعد الثمانية للدروز في مجلس النواب. في مقابل إصرار ارسلان، مدعوماً بحلفاء مثل التيار الوطني الحر، على إسناد حقيبة له.
• الثالثة، عقبة التمثيل السني في الحكومة، وهي صعبة بالنسبة الى الحريري، ذلك انّ التمثيل السني لن يكون محصوراً بتيار المستقبل، خصوصاً انّ نحو 10 نواب سنّة فازوا في المقابل، وليس في الامكان تجاوزهم.
• الرابعة، عقدة الحقائب السيادية، حيث الصراع لم ينته حولها، مع انّ الاجواء المحيطة حولها تؤشّر الى حسم مسبق لهذه الحقائب، يعطي المال من حصّة حركة «أمل»، والداخلية من حصة تيار المستقبل، والخارجية من حصة التيار الوطني الحر، والدفاع من حصة رئيس الجمهورية.
• الخامسة، عقدة الوزارات المدهنة كالاتصالات، التي يبدو انها محسومة مسبقاً لرئيس الحكومة، والطاقة التي يبدو انها ستكهرب الاجواء اكثر بين التيار والقوات. اضافة الى الاشغال والشؤون الاجتماعية.
لا فيتو على «الحزب»
وبحسب مصادر مواكبة، لا توجد اي عقبة على صعيد تمثيل «حزب الله» في الحكومة، كذلك لا يوجد اي فيتو داخلي أو خارجي على مشاركة الحزب في الحكومة، على الرغم من الموقف الحاد من بعض الدول الخارجية منه، فضلاً عن انّ اي «فيتو» خارجي لا يستطيع ان يحول دون مشاركة الحزب في الحكومة. مع الاشارة هنا الى انّ هذا الامر، اضافة الى موضوع التأليف، كان محلّ بحث في اللقاء المطوّل الذي حصل مساء الجمعة الماضي بين الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله والوزير جبران باسيل في حضور مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا.
وبحسب بيان عن اللقاء، فقد «تمّ التطرّق فيه إلى كافة الأوضاع السياسية المحلية والخارجية، وجرى تقييم للانتخابات النيابية الأخيرة ونتائجها مع أخذ كافة العبر الإيجابية والسلبية منها، إضافة إلى موضوع النازحين السوريين ومقاومة الفساد وإعطائهم الأولوية القصوى في العمل النيابي والحكومي القريب، وجرى الاتفاق على تصوّر أوّلي مشترك لموضوع محاربة الفساد وعلى كيفية اعتماد آلية مشتركة لاحقة لذلك، وكذلك بحث موضوع تأليف الحكومة وأهمية تشكيلها بالسرعة اللازمة بما يتطابق مع المعايير الميثاقية والدستورية والديمقراطية والمنسجمة مع نتائج الانتخابات الأخيرة».
إستنساخ بند المقاومة
وفي هذا السياق، قال مرجع كبير لـ«الجمهورية» انه يستبعد حصول اي إشكالات في ما خصّ البيان الوزاري للحكومة الجديدة، وخصوصاً في ما يتصل بالبند المتعلّق بالمقاومة فيها. وأشار الى انّ المهم حالياً هو التعجيل في تشكيل الحكومة، وامّا البيان الوزاري فلا أعتقد انه سيخرج عن نص وجوهر البيان الوزاري لـ«حكومة استعادة الثقة»، بل قد يستنسخها حرفياً. ويذكر هنا انّ هذا البيان نصّ في هذا السياق على ما يلي: «... أمّا في الصراع مع العدو الاسرائيلي، فإننا لن نألو جهداً ولن نوفّر مقاومة في سبيل تحرير ما تبقى من اراض لبنانية، وحماية وطننا من عدو لمّا يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية، وذلك استناداً الى مسؤولية الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه. وتؤكد الحكومة على واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر بشتى الوسائل المشروعة، مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الاسرائيلي وردّ اعتداءاته واسترجاع الاراضي المحتلة».
الحريري: عمل حثيث
واذا كان الحريري، الذي تواصل في الساعات الماضية مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، قد أوحى بعد عودته أمس، بعزمه على العمل الحثيث على إطلاق سريع للحكومة، الّا انه في الوقت نفسه، وبحسب مصادر قريبة منه، لا يستطيع ان يحدد المدى الذي ستستغرقه رحلة التأليف، وإن كان يتمنّاها سريعة جداً.
وفيما ينتظر في بداية رحلة التأليف أن يقوم الحريري بزيارتين الى بعبدا وعين التينة، قالت مصادر متابعة لـ«الجمهورية» انّ الحريري معني هذا الاسبوع بأن يقدّم تصوّراً أولياً لحكومته. وهنا الكرة ليست في ملعبه وحده، بل في ملعب سائر القوى السياسية التي في يدها ان تسهّل مهمة الرئيس المكلف، وفي يدها ان تصعّب هذه المهمة.
بري: لحكومة قبل العيد
يتقاطع ذلك مع تأكيد متجدّد للرئيس بري على توليد الحكومة في أسرع وقت ممكن، حيث قال: «كلما عجّلنا في تأليف الحكومة، كان ذلك أفضل للبلد، ولا شيء يمنع من أن تولد هذه الحكومة خلال الفترة الفاصلة من الآن وحتى عيد الفطر، بحيث يحلّ العيد وتُقدَّم الحكومة عيدية اللبنانيين».
واكد بري انّ «التسريع في تأليف الحكومة ضروري ومُلح، لا بل هو واجب على الجميع، إزاء الكمّ الهائل من التحديات الماثلة أمام البلد، والأزمات المتفاقمة فيه، وخصوصاً الوضع الاقتصادي الذي لا يحتمل أي تأخير أو مماطلة أو تباطؤ، بل يتطلّب مقاربات استثنائية ومعالجات مسؤولة».
ولفتت مصادر قريبة من بري الانتباه الى انه معروف عن رئيس المجلس أنه لا يقول «فول ليصير بالمكيول»، ولذلك فهو ينتظر أن يقترن كلام السياسيين بترجمة صادقة له، خصوصاً انّ «كل ما نراه ونسمعه من قبل كل الاطراف، يؤشّر إلى وجود نيّات طيّبة، ويؤكد أنّ الجميع متفقون على مطلب التعجيل في تأليف الحكومة.
لذلك، طالما انّ الجميع يعبّرون عن هذه النيات، فلا عذر لأحد في أيّ مماطلة أو تأخير، وفي عدم المبادرة إلى تغليب منطق التسهيل على منطق التعطيل». المهم الآن هو الدخول الجدي إلى حلبة التأليف، مع نصيحة ذهبية: يرددها بري «واستعينوا على قضاء حوائجهم بالكتمان»، وذلك تجنّباً لأيّ إرباك، ولأيّ سوء فهم او لأيّ تفصيل صغير على مسار التأليف ويتسبّب في تأخير أو فرملة الاندفاع إليه.
«حزب الله»
وعشية اسبوع يمكن ان يشهد إتصالات مكثفة في شأن تأليف الحكومة استقبل رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط في منزله في كليمنصو بعد ظهر امس الأحد وفدا من حزب الله ضم المعاون السياسي للأمين العام للحزب الحاج حسين الخليل ومسؤول الارتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا حيث جرى عرض للتطوارات من مختلف جوانبيها ولا سيما منها تلك التي تتصل بالعلاقات بين الحزبين والتطورات المحيطة بالملف الحكومي والتطورات المنطقة. وإكتفى احد المشاركين في اللقاء بالقول لـ«الجمهورية» ان البحث «تناول العلاقات بين الحزبين وهي في تطور ايجابي».