الأحداث العسكرية والتطورات السياسية في سوريا تتسارع جداً ، وفي كل لحظة يتفاءل فيها الجميع أن الأزمة هناك شارفت على النهاية ، يطرأ جديد ليغيّر هذه القناعة وليؤكّد أن الحرب السورية لن تنتهي بهذه السهولة .
آخر فصول هذه الحرب ، ما يجري في جنوب سوريا ، وهي منطقة إستراتيجية لا تخصّ الداخل السوري فقط بل يوليها الكيان الصهيوني إهتماماً خاصاً كونها مُحاذية للجولان المحتل .
حاولت إيران منذ إندلاع الثورة السورية عام ٢٠١١ وضع يدها على هذه المنطقة ، وإستطاعت بناء قواعد لوجستية ومراقبة وإطلاق صواريخ في نقاط متقدمة ، لكنها لم تفلح في السيطرة الكاملة عليها .
بالمقابل ، كان العدو الإسرائيلي يشنّ غارات شبه يومية على هذه القواعد ، كان أعنفها في الجولة الأخيرة بعد الرد الصاروخي الإيراني على الجولان المحتل بسبب غارات إسرائيلية أودت بحياة عسكريين وضباط ومستشارين من " الحرس الثوري الإيراني ".
إثر هذا الرد الإيراني الذي لم تعترف به طهران بل قالت أن النظام السوري هو من قام به ، شنت إسرائيل في ليلة واحدة عشرات الغازات إدّعت فيها أنّها دمّرت معظم القواعد العسكرية الإيرانية في جنوب سوريا .
تزامن هذا الرد ، مع زيارة تاريخية لرئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى موسكو ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، أعقبها بعد عدة أسابيع زيارة لوزير الدفاع أفيغدور ليبرمان لموسكو أيضاً.
الزيارة المهّمة كانت لليبرمان ، والتي تزامنت أيضا مع زيارة لرئيس النظام السوري بشار الأسد إلى سوتشي ولقائه بوتين .
في هذا اللقاء صدر كلام مفاجىء من بوتين دعا فيه جميع القوات الأجنبية في سوريا إلى مغادرتها ، وجاء رد غير مباشر من طهران بأن الوجود الإيراني في سوريا هو بالتنسيق وبطلب من دمشق.
كانت الرسالة واضحة جداً بأن الروس لن يرضوا بعد الآن بالتوسّع الإيراني ، لأنّه بدأ يوّرطهم بإلتزامات وبردود فعل ويهدّد مصالحهم، وأن الوقت قد حان لتقليم أظافر إيران .
إقرأ أيضا : إيران: جواب لسوريّة وسؤال للبنان
وفي سياق هذه الزيارات إلى روسيا ، برز إلى الإعلام أخبار عن إتفاق روسي - إسرائيلي وبرضى النظام السوري ، يتم بموجبه إنسحاب الإيرانيين وميليشياتهم وفي طليعتهم " حزب الله " من جنوب سوريا لمسافة تتجاوز ال ٢٠ كلم ، مقابل أن يستلم جيش النظام السوري المنطقة .
حاولت إيران نفي الإتفاقية في البداية ، لكن وجود الإتفاقية كان صداه أكبر ، فعادت إلى نغمتها القديمة لتؤكد أنّه في الأساس لا يوجد أي مستشار عسكري في تلك المنطقة .
هذا التصريح الإيراني ماذا يعني ؟
يعني أن الإيرانيين رضخوا للإتفاقية وأُرغموا على الإنسحاب مع ميليشياتهم من منطقة جنوب سوريا .
وهذا الأمر يُعتبر أول خسارة إستراتيجية للإيرانيين في الحرب السورية ، وهو التعارض الأول من نوعه والأبرز بوضوحه بين مصالح طهران وموسكو في سوريا منذ التدخل الروسي في الحرب .
لكن هو أيضاً خسارة إعلامية وسقوط لأكبر شعار تتغنّى به طهران وهو محاربة إسرائيل وتحرير القدس وأن الطريق إلى القدس يمر من المدن السورية ، فبعد هذا الإنسحاب ، طهران سقطت على مستوى الشعارات السياسية وباتت بشكل أكثر وضوحا ً طرف متدخل في الحرب من أجل مصالح سياسية خاصة بنظام الملالي لا بسبب القضية الفلسطينية .
لكن ما يُخيف الإيرانيين أكثر ، هو ما بعد هذه الخطوة.
فالتنازل سيجرّ تنازل آخر ، والخطوة المقبلة قد تكون الإنسحاب من كل سوريا ، سواء بفعل ضغوط إتفاقيات مشابهة لإتفاق جنوب سوريا أو بفعل حرب باتت ملامحها واضحة في المنطقة .