تختلف نظرة المدرسة الرسمية عن المدرسة الخاصة إلى منطق الامتحان الرسمي. التعميم لا يجوز، إذ أن المسألة تختلف باختلاف المدرسة، أكانت رسمية أم خاصة. ولكن، لا شك في أن طرائق التعليم المعتمدة في الخاصة متطوّرة، ومعدّة لتحضير التلميذ للمرحلة الجامعية سعياً منها لإكسابه الخبرات واللغات، في ما تبقى تحضيرات المدرسة الرسمية تقليدية منسجمة مع نماذج الامتحانات. هذا ما قد يفسّر تفوّق تلميذ المدرسة الرسمية في النتائج. فهل هي نقطة قوّة أم نقطة ضعف؟
بدءاً من المدارس الأرثوذكسية حيث تعلّم البكالوريا اللبنانية إضافةً إلى تعليم البكالوريا الفرنسية في مدرسة واحدة. ويقول المسؤول عن المدارس في أبرشية بيروت للروم الأرثوذكس الأب جورج ديماس لـ"النهار"، أن "إعداد التلاميذ للامتحانات الرسمية لا يبدأ في نهاية السنة الدراسية، بل يمتد على مدى سنوات الدراسة. وتعتمد الامتحانات الرسمية على التحليل والمنطق وتالياً تنمية الفكر النقدي لدى المتعلم وحثه على الفهم والتحليل والنقد بدلاً من الحفظ. ويدرس التلميذ هذا النمط في المدرسة خلال العام الدراسي. ويتكامل دور وزارة التربية خلال الامتحانات الرسمية مع دور المدارس، لذلك لا نشهد إشكالات في الامتحانات على أمل ألا نواجه صعوبات هذا العام".
يقال إن نموذج الامتحانات أقرب إلى المدرسة الرسمية منه إلى المدرسة الخاصة، هل تؤمن بدقّة هذه النظرية؟ يجيب بأن "لا بد من مقاربة نقدية عامة للموضوع. تشدد المدارس الخاصة على اللغات بشكل خاص. وتعرف المدرسة الرسمية نجاحات كبيرة. وتالياً لا يمكن التشكيك بنجاح القطاع التعليمي في لبنان بجناحيه الرسمي والخاص". وبعبارة أخرى، يحضّر أساتذة التعليم الخاص تلاميذهم أكثر للدخول إلى الجامعات، لذلك يعتمدون معايير تعليمية مختلفة عن تلك التي تساهم في نجاح التلميذ في المدرسة الرسمية، حيث منهجية التعليم تتلاءم مع نماذج الامتحانات. ويفكّر أساتذة المدرسة الخاصة في أهداف مختلفة عن الشهادة الرسمية. وهذا ما يفسّر لماذا يعتبر تلاميذ المدرسة الرسمية الأقرب إلى تحقيق نتائج أفضل في الامتحانات الرسمية في ظلّ التركيز على المنهجية نفسها. وهذا لا يسجل نقطة ضعف على المدرسة الخاصة، بل إننا نتحدث عن مفهومين مختلفين".
وفي مقارنة مع تحضير المدرسة الرسمية للامتحانات، يقول إن "المدرسة أكانت رسمية أم خاصة، لا بد أنها تتماشى مع الطريقة التي يفكر فيها شباب اليوم، خصوصاً أن وزارة التربية تبذل جهداً لتخرج من النمط القديم، وجهدها يترجم في وضع الأسئلة بطريقة تتماشى مع نمط التفكير الحالي. وباتت مواضيع مادتي الجغرافيا والتاريخ تعتمد على تحليل النص أكثر من الحفظ".
أما الصورة النمطية التي تعطى للمدرسة الرسمية فهي "نظرة خاطئة، اذ تعتمد بعض المدارس الخاصة على منطق الحفظ فيما تعلّم بعض المدارس الرسمية بطريقة جيدة".
ويتناول الصعوبات التي يصادفها التلميذ خلال الامتحان الرسمي، والتي تتمثل بـ"رهبة الامتحان والقلق الذي يمارسه الأهل على التلميذ من غير دراية. وتنتفي الصعوبات التعليمية، بدليل تخطي مستوى النجاح نسبة 75% في القطاعين الرسمي والخاص". وينصح التلاميذ، بالقول: "عليهم أن يركّزوا وألا يخافوا".
وبالانتقال إلى مدرسة الحكمة في بيروت، يقول مصدر تربوي لـ"النهار" إن "كل شخص لا يطبق البكالوريا الفرنسية ملزم بتطبيق مناهج البكالوريا والبروفيه اللبنانية التي هي من أقوى أنواع البكالوريا، ومن يحوزها يتفوق في الخارج".
ويضع المصدر النقاط على الحروف منتقداً "البرامج التربوية التي أضحت في رأيه قديمة وتخطاها الزمن ولكننا مجبرون على تعليمها". ويكره التلاميذ بالأخص دراسة مادتي التاريخ والجغرافيا. وتصل معاناة بعض التلاميذ إلى حدود البكاء وتصنيفها في خانة المواد القاسية، ما يدفع بعض الأهل إلى التفكير بنقل أولادهم إلى نظام التعليم المهني. ويرجع سبب الصعوبات إلى أن الجيل الجديد لا يتقن العربية في غالبيته ويسعى إلى تأمين مستقبله خارج لبنان. ويفضل بعض الأهل تلقين أولادهم اللغات الأجنبية على حساب اللغة الأم لاعتبارات عديدة. وفي الحصيلة، يضطر التلميذ إلى إهدار الجهد والوقت على حفظ التاريخ والجغرافيا ويهمل المواد الأساسية ومواد اللغات نظراً إلى طبيعة الامتحان الرسمي".
ويقارن المصدر بين تلميذ المدرسة الرسمية والخاصة منها في الامتحان الرسمي، قائلاً إننا لا نزال في زمن "ينال فيه طالب المدرسة الخاصة درجة ممتاز على مسابقتي اللغة الانكليزية والمعلوماتية، وهما مادتان ضروريتان لحياة الانسان المهنية، ولكنه لا يقدّم فيهما امتحاناً، بل يستعاض عنهما بمواد تقليدية. ومن هذا المنطلق، تعمد المدارس الرسمية إلى ترجمة البرنامج الدراسي وتدريس نماذج الامتحانات حرفيا، فيما تعمل المدارس الخاصة على تثقيف التلميذ".
المدرسة الرسمية
وماذا عن التحضيرات في المدارس الرسمية؟ يقول الأستاذ في المدرسة الرسمية عبدو أنطونيوس لـ"النهار" إن "المدرسة تحضّر التلاميذ للامتحانات من خلال تحليل النماذج. ويشتري بعض الأساتذة نماذج الامتحانات فيما يختار آخرون نماذج تأهيلية أخرى كمعالجة بضعة أسئلة إضافية تحفّز قدرات التلميذ الإبداعية. ولا تتطلب المسألة أن يتمرّس التلميذ في كفايات معقّدة، ذلك أنها أشبه بعملية تحضير تشمل تقنيات كيفية الإجابة عن الأسئلة وهي ليست عملية ابداعية".
ويختصر الصعوبات التي يواجهها التلميذ في المدرسة الرسمية بالملل، اذ "ليس هناك ما يحفّز التلميذ في الامتحان الرسمي الذي لا يثير قدرته الابداعية، بل إن التعامل مع المسابقات أشبه بعملية ميكانيكية. ويتمثل هاجس التلميذ الأول في عدم رغبته في اعتماد اسلوب الامتحانات الرسمية، ولا بد تالياً من الاحتكام إلى أسلوب أعمق". وتكمن المشكلة في اختصار أن "امتحان الدولة ميكانيكي ولا يحفّز قدرات الطالب الإبداعية". ولكن ذلك لا يعني، وفق أنطونيوس، أن الامتحان الرسمي أسهل على تلميذ المدرسة الرسمية منه على تلميذ المدرسة الخاصة، ذلك أنه "لا يمكن إسقاط أحكام مطلقة، والمسألة تختلف باختلاف المدرسة والأستاذ. ويحضّر عدد من الأساتذة الرسميين تلاميذهم بشكل جيد على عكس غيرهم، وكذلك في المدارس الخاصة".
وهل المدرسة الرسمية تؤهل التلميذ نفسياً على إجراء الامتحان من دون خوف وتعنى بالذين يعانون صعوبات تعليمية منهم؟ يجيب بأن "العمل عليها بدأ من خلال الارشاد ولكن لا رصد للصعوبات التعليمية، ولا نزال بعيدين عن معالجتها. وقد قطعت المدارس الخاصة شوطاً مهما في الموضوع والمدارس الرسمية تسير على الطريق نفسها. ولكن ليس هناك عملية رصد أو متابعة للتلاميذ الذين يعانون صعوبات تعلمية، والأساتذة ليسوا مؤهلين للتعامل معهم. انهم بحاجة إلى معالج نفسي وعلى الدولة أن توفر لهم اعتمادات وهي مسؤوليتها الأولى".
نقاط قوة أم ضعف؟
أي نقاط قوة يتميز بها طالب المدرسة الرسمية والخاصة في ما يخص الامتحانات الرسمية؟
يقول الخبير التربوي رزق الله الحلو إن "نقاط قوة تلميذ المدرسة الرسمية هي نفسها نقاط ضعف. اذ لا يزال طالب المدرسة الرسمية يتعلم بطرائق تقليدية، وتأتي الاختبارات الرسمية بطرائق تقليدية، ما يعني التوأمة بين ما يتعلّمه التلميذ وما يطبّقه في الامتحان. أما تلميذ المدرسة الخاصة، فيتعلم وفق مستوى أعلى من مستوى الامتحان الرسمي، ما يطوّر قدراته". وفي الخلاصة، "يحظى التلميذ في المدرسة الخاصة بمستوى تعليمي أعلى من تلميذ المدرسة الرسمية".