الثقافة، رسمياً، عندنا، تشبه المرأة المتروكة والمنبوذة. ولا ننكر نحن الثقافيين المسؤولية تجاه ما يصيبنا من تهميش تاريخي طالما أننا لا نُشعِر أولياء أمورنا بأننا نلعب دورنا في حياة المجتمع والدولة، وأننا فقط نُكثر الضجيج ونحن ندير النقاشات حول تاريخ الوشم، وعمّا إذا كان الشعر يستطيع أن يأخذ اشكالاً هندسية مختلفة، وطالما نحن نستمرّ في البكاء على أطلال الأُغنية نصّاً ونغَماً٠
ونحن اذاً لا ننفي مسؤوليتنا، ولكن من المعروف أنّ السلطات كانت تضع على قوائمها السوداء كل مَن يدعي الفهم ويحرّض ويدعو الى الاحتجاج أو التمرّد على الواقع، وكانت الدولة تعيش في وادٍ والأهالي في وادٍ آخر- وكانت- تلصق التهم بكل مَن يطالب بأحلال سياسات داخلية أو خارجية أو مالية أو اجتماعية ـ اقتصاددية ويصبح كل مَن ينادي بذلك أو يسارع الاحتجاج موضعَ ملاحقة، وفي المقابل كان كل مَن يقترب من الدولة يُتهم من اليسار واليمين بخيانة ألناس.
أنا أزعم أنّ الثقافة الموروثة، وتهميش الحداثة والعصرنة، وعدم إعطاء الثقافيين الفرصة لوضع مفاهيم موحَّدَة وموحِدَة للوطن والمواطن والمواطنية والعاصمة والحدود، كذلك تحويل لبنان ساحة مهرجان للنصّ الهابط وإدخال الثقافيين والإبداعيين في نزاعات على النقابات بدلاً من تشجيعهم على التنافس من أجل بناء الثقة بالنقابات نفسها وأدوارها - أزعم - أنّ هذه الأمور وغيرها جعلت السخافة تحتلّ موقع الثقافة، وحتى الآن لم يلتفت أيٌّ من الوزراء الذين تعاقبوا على مقعد وزارة الثقافة الى الأسباب الموجبة لإنشائها والى إنشاء المجلس الأعلى للثقافة الذي كانت تضمّنته الأسباب الموجبة لاقتراح قانون إنشاء الوزارة باستثناء الوزير الشيخ فوزي حبيش الذي أدار نقاشاً جماعياً مع مؤسسات الرأي العام الثقافية، الى عدد من اللقاءات التي أدارها الوزير سليم وردة للغاية نفسها والقوانين الثقافية الثلاثة التي أقرّها مجلس النواب خلال فترة تولّي دولة الرئيس تمام سلام حقيبة وزارة الثقافة.
أزعم على عكس ما يذهب اليه الإصلاحيون أنّ استقرار النظام الأمني لن يؤسّس لاستقرار النظام الاقتصادي والاجتماعي والنظام العام، وهذا الأمر يسحب نفسه عكسياً ايضاً - أزعم - أنّ استقرار النظام العام إنما يعتمد على استقرار النظام الثقافي وعلى بناء وصنع صيَغ ثقافية حول المستقبل والحاضر والتاريخ الجماعي المشترَك لكل الطوائف والمذاهب والفئات والجهات، ووضع أسس ثقافية مشترَكة موحّدة للتربية الوطنية والخروج على ثقافة نظام الطائفية السياسية و»الداعشية» السياسية وتعميم ثقافة نقيضة لعنصرية إسرائيل واستهدافاتها في لبنان ثقافة المشاركة والحوار والوفاق الوطني.
نعتقد أنّ وزارة الثقافة قادرة على صُنع لبنان عبر صُنع الإنسان الذي هو ثروة لبنان ولكن مع تخصيص الموازنات والاستثمار في سياسة ثقافية لا تشجّع إنشاء مؤسسات ومنتديات ونقابات تحت عناوين وأسماء مختلفة وهي صرف الأموال على مناسبات آنيّة والاعتراف بوزارة الثقافة على أنها وزارة سيادية تستحق أن تتنافس عليها القوى النيابية، بل الاعتراف بأنّ هذه الوزارة سيدة جليلة لها السيادة المطلقة على الحكومة، والوزارات يمكن لها أن تؤسّس لإعداد الأجيال القادمة على أسس وطنية خارج المدارس والمؤسسات الثقافية والانسحاب من الثقافة الطائفية وطلاسم السحر الاسود والانكباب على تثبيت خريطة الطريق من أجل لبنان غداً».