عندما رفع ناشطون من برج حمود لافتة في محلّة الدورة كُتب فيها "قاطعوا البضائع التركية" خُيّل لمعظم اللبنانيين أن هذه العبارة مجرد حلمٍ أرمني بعيد المنال. لكن ما إن انتشر قرار مجلس الوزراء رقم 23 الصادر في 17 أيار الماضي، أي قبل أيام فقط من انتهاء ولاية الحكومة وتحولها إلى حكومة تصريف الأعمال، حتى باتت هذه العبارة أمراً واقعاً موقعاً من أمانة مجلس الوزراء العامة.
على الطرف الآخر، نشرت مواقع إخبارية نقلاً عن وكالة الأناضول أن "مشروعا سيطرح لوقف دخول حاملي جوازات السفر اللبنانية الى تركيا من دون تأشيرة دخول مسبقة ردا على القرارات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية بمنع استيراد البضائع التركية". الأمر الذي نفته الوكالة، وأكدت عل ذلك السفارة التركية في لبنان عبر بيان لها لاحقاً.
يفسّر القرار الصادر عن مجلس الوزراء الجدوى الاقتصادية من مقاطعة البضائع التركية وفي مقدمتها "البسكويت، ومواد التنظيف، والألبسة الجاهزة"، بقيام وزارة الاقتصاد بحماية القطاعات الانتاجية اللبنانية، بناء لما ورد من جمعية الصناعيين اللبنانيين من الكتب التي تعرض فيها للمشاكل والصعوبات التي تواجهها من منافسة غير عادلة من المنتجات المستوردة من بلدان عدة أبرزها تركيا.
تدور في فلك القرار المهرّب في جلسات الحكومة الأخيرة أسئلة كثيرة، أولها: هل يحمل القرار بصمات سياسية تهدف إلى ممارسة ضغوط معينة على تركيا عشية الانتخابات الرئاسية التركية؟ وثانيها، هل من تبعات تركية قد تدخل حيز التنفيذ قريباً رداً على هذا القرار؟
يسأل أحد الصناعيين، هل البضائع التركية هي التي تؤسس لمنافسة غير عادلة في الأسواق اللبنانية؟ وتبرر مصادر وزارة الاقتصاد القرار بأن لبنان لا يرتبط مع تركيا باتفاقيات تجارية تحظر اتخاذ أي إجراءات منع أو قيود على الاستيراد، ولذلك وقع الخيار على تركيا.
يستورد لبنان بحسب ارقام العام الماضي 721 مليون دولار، ويصدر إلى تركيا 154 مليون دولار في العام نفسه. وتتركز الصادرات اللبنانية إلى تركيا، كما يعددها الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة لـ"ليبانون ديبايت" من الأكثر إلى الأقل كمية، على الحديد والفولاذ 84 مليون دولار، قطع غيار للسيارات، وألمنيوم وتوابعه، ومواد غذائية، وماكينات للاستخدام الصناعي، وكتب، ومطبوعات، وأحجار كريمة، وذهب.
ويرى عجاقة بقرار منع استيراد البضائع التركية بالخطأ الجسيم، لأنه لا يجوز المنع إلا لأسباب صحية أو إجراءات مضادة. وكان الأولى بلبنان رفع الرسوم الجمركية استثنائياً لحماية سيطرة الدولة المالية على كل البلد، بدلاً من منع استيرادها، وهو إجراء يفي بالغرض ولا يشجع على التهريب كالمنع. وبالتالي لا يؤذي العلاقة التجارية مع تركيا. فلن ترتاح الأسواق اللبنانية من هذه المنافسة، لأن منع استيراد هذه البضائع عن لبنان يعني أنه سيتم تهريبها من تركيا الى سورية ومن ثم إلى لبنان، وسيكون المواطنون معفيون من الرسوم الجمركية. والنتيجة، ستخسر الدولة العوائد الجمركية وسيبقى السوق يعاني من وجود هذه البضائع، وفقاً لعجاقة.
وعن ردود الفعل التركية، يرسم عجاقة ثلاثة سيناريوهات؛ ألا تتخذ تركيا أي إجراء مضاد، "وهذا الأمر مستبعد"، أو تعامل لبنان بالمثل وتمنع استيراد البضائع المماثلة وهو رد جزئي، أو تمنع البضائع اللبنانية من دخول الأراضي التركية بشكل تام، "وهو أسوأ ردود الفعل". والنتيجة يخسر لبنان 154 مليون دولار كقطاع صناعي وزراعي.
من جهة أخرى، يؤكد مرجع سياسي لـ"ليبانون ديبايت" أن قرار منع استيراد البضائع التركية هو بإيعاز خارجي سعودي، و"كلنا يعلم أن لبنان كما هو بشق كبير خاضع للقرار الإيراني وبشق كبير آخر خاضع للقرار السعودي، شئنا أم ابينا، الأمر الذي يؤدي إلى اتخاذ قرارات سياسية من هذا النوع بحجة اقتصادية".
ويرى المرجع نفسه أن هذا القرار غير بريء من الصراع السعودي ـ التركي الذي له شظايا واضحة على القرار 23، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، التي تسعى جهات عدة إلى التأثير وفرض ضغوط لإسقاط الرئيس الحالي المرشح رجب طيب أردوغان. ويتساءل المرجع عن ماهية مصلحة لبنان السياسية من تخريب علاقته مع تركيا التي يمكن أن تكون باب واسع لبعض البضائع اللبنانية، لا سيما أن لا تبعات اقتصادية إيجابية للقرار.