ترقد بيان، البالغة من العمر سنة ونصف في قسم الأطفال الذي تديره منظمة أطباء بلا حدود في مستشفى الياس الهراوي الحكومي في زحلة منذ أيام، جراء إصابتها بجفافٍ حاد واسهال رافقهما ارتفاع في الحرارة، وكان قد مضى على معاناتها من أعراض القيء والامتناع عن الطعام، بالإضافة إلى قلة نشاط وتعب دائم لمدة أسبوع تقريبًا قبل أن يضطر أهلها لاستشارة طبيب.
وما كان يخشاه أهل بيان تحقق، هذا ما كشفته والدتها قائلة: "أوصى الطبيب بأن يتم نقل بيان إلى المستشفى بعدما وصلت حالتها إلى مرحلة خطرة، إلّا أن وضعنا المادي لا يسمح بإدخال بيان إلى مستشفى خاص. نحن نسكن في مخيّم للاجئين، ومدخول زوجي من عمله المتقطّع لا يكفي لتأمين قوتنا. كنّا حائرين بأنفسنا، وخائفين على بيان، حتّى أرشدونا إلى عيادة واحة في زحلة، والتي من خلالها أحيلت بيان إلى هذا المستشفى".
بيان ليست الوحيدة، القصة تكررت مع الطفلة أمارة التي أدخلت إلى قسم طب الأطفال الذي تديره منظمة أطباء بلا حدود في مستشفى الياس الهراوي الحكومي في زحلة حيث بقيت لـ10 أيام بسبب مشاكل في الصدر وأخرى تنفسية، تعاني منها منذ الولادة.
تراكم الديون
تعيش ركاد والدة أمارة مع زوجها وأولادها العشرة في مخيمٍ للاجئين، وبالإضافة إلى مشاكل أمارة الصحية، لركاد ولدان يعانيان من اعاقة جسدية في أرجلهما ويلزمهما علاج. كل ما تتمناه ركاد هو أن تتحسن حالة أولادها الصحية، وتعود الأمور إلى مجراها في سوريا، لتتمكن العائلة من العودة.
التجأت ركاد إلى قسم الأطفال الذي تديره منظمة أطباء بلا حدود في مستشفى الياس الهراوي الحكومي بحثاً عن رعاية طبيّة لابنتها أمارة التي تعاني منذ الولادة من مشاكل في الجهاز التنفّسي، كانت سبباً لتراكم الديون على أهلها، لأنها تحتاج إلى دخول مستشفى بين الحين والآخر. تقول ركاد: "أنا ممتنة جدّاً من الخدمات التي تقدمها المنظمة مجانًا في المستشفى، فلولاها، لاضطررت إلى استدانة المال مجدّداً من الأقارب لعلاج ابنتي".
المناطق الأكثر فقراً
وكانت منظّمة أطباء بلا حدود قد افتتحت قسماً لطب الأطفال في مستشفى الياس الهراوي الحكومي في زحلة، في البقاع، في آذار من العام 2017، وذلك بهدف تسهيل حصول الأطفال من الفئات الأكثر حاجةً، من كافة الجنسيات، على الرعاية الطبيّة المتخصصة والمجانية. وتدير منظّمة أطباء بلا حدود في المستشفى جناحاً خاصّاً بطب الأطفال، مؤلّفاً من 28 سريراً، تقدّم من خلاله الخدمات الاستشفائية والعمليات الجراحية الاختيارية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 28 يوماً و15 سنة.
وعن الدافع وراء اطلاق هذا المشروع في زحلة، تقول رئيسة بعثة منظّمة أطباء بلا حدود في لبنان أودري لاندمان: "يعتبر البقاع من المناطق الأكثر فقراً في لبنان، كما ويستقبل حوالي ثلث عدد اللاجئين السوريين في البلاد، والذي يقدر عددهم بحوالي 500,000 لاجئ، غالبيّتهم من النساء والأطفال. وتفتقر هذه المنطقة إلى الخدمات الصحيّة التخصصيّة، وإن توفّرت فإن كلفتها المرتفعة تجعل من الفئات الأكثر حاجة من لبنانيين ولاجئين غير قادرين على الوصول إليها، وبالتالي فإن منظّمة أطباء بلا حدود ومن خلال مشروعها في زحلة تسعى إلى سد هذه الثغرة، لتجعل من خدمات طب الأطفال التخصصيّة المجانيّة، بما فيها العمليات الجراحيّة والعناية المركزة، بمتناول كافة الفئات التي تحتاج إلى مثل هذه الرعاية".
67 عملية جراحية
بالإضافة إلى الخدمات الاستشفائية، وهي جزء من مستشفى الياس الهراوي الحكومي، يشمل برنامج طب الأطفال الذي تنفّذه منظّمة أطباء بلا حدود في زحلة، خدمات تخصّصيّة على مستوى العيادات الخارجيّة، تقدمها المنظّمة بالشراكة مع جمعية واحة الدولية وذلك بهدف ضمان استمرارية الرعاية للأطفال خصوصاً الذين يعانون من مضاعفات الأمراض المزمنة أو الحالات الحادة سواء كانت طبية أو جراحية.
وفي السنة الأولى لافتتاح هذا المشروع، 2018، قدّمت منظمة أطبّاء بلا حدود ما يزيد عن 2520 استشارة طارئة، ووصل عدد المرضى الذين تمّ استقبالهم في المستشفى إلى 975، بالإضافة إلى 35 طفلًا استقبلوا في وحدة العناية المركزة، التي افتتحت في كانون الأول 2017، كما وقام الفريق الطبي بـ67 عملية جراحية بين تشرين الأول 2017 وأذار 2018.