في هدوء يليق بها، رحلت «سمراء النيل» الفنانة المصرية القديرة مديحة يسري صباح أمس في مستشفى المعادي العسكري بالقاهرة، عن عمر يناهز 97 عاماً، بعد صراع مع المرض.

ولدت هنومة حبيب خليل علي (مديحة يسري) في 3 كانون الأول (ديسمبر) 1921 في القاهرة التي شهدت انطلاقتها أوائل الأربعينات عندما اكتشفها المخرج محمد كريم. وكان ظهورها الأول مع محمد عبدالوهاب في فيلم «ممنوع الحب» عام 1940، حين اختيرت بين النساء العشر الأجمل في العالم.

الفرصة التي بحثت عنها «سمراء النيل» كانت على موعد معها في لقائها الفنان المصري يوسف وهبي، حين منحها دوراً لتؤدي مشهداً في أحد البلاتوهات، فاستدعاها وشريكه توجو مزراحي، وعرضا عليها العمل في ثلاثة أفلام حصرياً ومن دون أن تعمل مع غيرهما (بنال حداد، فنان عظيم، أولادي).

وقفت مديحة يسري أمام عمالقة السينما والغناء في الوطن العربي بطلة لأفلامهم، بينهم محمد فوزي وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش ويوسف وهبي ورشدي أباظة وعماد حمدي، ومن أبرز أعمالها «الأفوكات ومديحة» و «حياة أو موت»، و «الخطايا» و «ممنوع الحب» و «لحن الخلود».

في حياة الفنانة الراحلة زيجات أربع، بينها ثلاث من الوسط الفني، الأولى من المطرب والملحن محمد أمين الذي تشاركت معه في تأسيس شركة إنتاج سينمائي أثمرت ثلاثة أفلام هي «أحلام الحب» و «غرام بدوية»، و «الجنس اللطيف».

وتزوجت مديحة يسري بالفنان أحمد سالم عام 1946، وسريعاً كان الانفصال، لتتزوج الفنان محمد فوزي، وكان لقاؤهما الأول في فيلم «قبلة في لبنان»، ثم تعددت اللقاءات إذ اشتركت معه في بطولة أفلام كثيرة، مثل فيلم «فاطمة وماريكا وراشيل» و «آه من الرجالة»، و «بنات حواء». وكانت الزيجة الأخيرة لمديحة يسري من الشيخ إبراهيم سلامة الراضي، شيخ مشايخ الحامدية الشاذلية الصوفية.

قال الفنان المصري القدير عزت العلايلي إن وفاة الفنانة «خسارة كبيرة للسينما العربية والمصرية لكونها تمتلك تاريخاً عريضاً من الأعمال السينمائية، ولكن ما يعوّض رحيلها ما تركته من بصمات في السينما منذ أربعينات القرن الماضي». وأردف: «مديحة يسري كانت مثالاً للسيدة الرقيقة للغاية، وللزميلة المتعاونة في العمل لأبعد حدود، فكانت تترك مساحة للممثل أمامها لكي يظهر ويؤدي دوره بكل أريحية كشيء من تواضع النجوم، وأيضاً لثقتها في ما كانت تتمتع به من موهبة عملاقة في التمثيل».

تحدث العلايلي لـ «الحياة» عن علاقته بالفنانة الراحلة، والتي كانت تزينها الصداقة والأخوة في إطار علاقة ود وحب أسرية، ارتبطت خلالها مديحة يسري بزوجة العلايلي، وسارت بينهما صداقة على مدار سنوات طويلة. يقول: «منذ ثلاثة أيام كان آخر اتصال هاتفي لي مع مديحة، وأبلغتني خلال المكالمة أنها انتقلت من مستشفى العجوزة الذي كانت تتلقى فيه علاجها إلى أحد المستشفيات التابعة للقوات المسلحة المصرية لاستكمال العلاج، وطلبت مني ألا أقلق عليها، وكنت أبلغتها بأني آتٍ لزيارتها خلال أيام».

وكان العلايلي التقى مديحة في عمل فني واحد هو فيلم «الصبر في الملاحات» (إنتاج 1985 بطولة سعيد صالح ونبيلة عبيد ومديحة يسري وتحية كاريوكا، قصة سمير عبدالعظيم وإخراج أحمد يحيى).

الرقة والوداعة التي امتازت بهما الفنانة الاستثنائية، كانت تترجم في شكل أفعال وأقوال ومواقف سجلها التاريخ وأيضاً المقربون من دائرة حياتها. يقول العلايلي: «كانت لا تنتقص من قدر أحد، ولا تنقد آداء أو عمل الممثلين بشيء خارج عن المألوف، فكان الاحترام لنفسها وللآخرين لديها أمراً غير قابل للمناقشة، حتى إذا كانت تنتقد عملاً فنياً، فكان النقد في إطار الاحترام المبني على فهم للعمل». وزاد: « كان آخر تكريم لها هو حصولها على الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون المصرية».

(عمرو خان)