بالرغم من التحول الكبير الذي مثلته نتائج الانتخابات النيابية في العراق فإن الزعامة الكردية لا تزال تنظر إلى مستقبل علاقتها بالأطراف السياسية العربية في العراق من ثقب المصالح الضيقة التي لا تمت بصلة إلى التفكير بطريقة إيجابية في مستقبل العراق ومصير العـراقيين مجتمعين.
هذا ما كشفت عنه المطالب الاثنا عشر التي قيل إن الحزبين الكرديين تقدما بها من أجل القبول بالانضمام إلى تحالف نوري المالكي – هادي العامري المقرب من إيران.
وكما يبدو فإن سياسيي الأكراد لم يستفيدوا من تجاربهم السابقة في استثمار تقلبات الأحوال في بغداد. تلك التجارب التي انتهت بهم إلى أن يكونوا مجرد لاعبين ثانويين لا يهمهم سوى الحصول على مغانم بموجب نظام محاصصة متخلف على المستوى السياسي، وليست هناك من ضمانة لاستمراره قاعدة، يمكن أن تبنى عليها المعادلات السياسية السليمة.
ما من شيء في تلك المطالب يُذكّر بالعراق، بلدا ودولة وشعبا ومصيرا. خلاصة تلك المطالب تكشف عن رغبة الزعماء الأكراد في العودة إلى مرحلة ما قبل الاستفتاء (عام 2017)، لا لشيء إلا من أجل توجيه امتيازات تلك المرحلة المالية والسياسية في الطريق التي تؤدي إلى تكريس نتائج الاستفتاء بما يخدم فكرة قيام الدولة الكردية المستقلة.
فإذا ما انضم الحزبان الكرديان إلى تحالف العامري – المالكي، وهو ما لا نتمنى وقوعه، فإنهما سيوجهان طعنة مسمومة إلى حلم العراقيين في الانتقال إلى مرحلة الدولة المدنية التي يستعيد العراقيون فيها مبادئ الوطنية الخالصة. حينها يكشف الحزبيون الأكراد عن أن موقفهم السلبي من التغيير لا يقوم على أساس المنفعة الضيقة وحدها، بل وأيضا على أساس ما يضمرونه من كراهية للعراق وللعراقيين.
وكما أخطأ السياسيون الأكراد سابقا في حساباتهم فإنهم إن قرروا استعادة دورهم في العملية السياسية من خلال الانخراط في التبعية الإيرانية سيضيفون إلى ماضيهم المشبع بالأخطاء خطأً قد يؤدي بهم إلى هاوية لا قاع لها. فمَن يتحالف مع العامري والمالكي في هذه المرحلة العصيبة هو كمَن يضع رقبته تحت شفرة المقصلة.
فإيران إن استقر لها الحال في العراق في المرحلة المقبلة لن ترحم أحدا، ولن يكون الأكراد رعاياها المدللين. أما لو خسرت إيران صراعها الحتمي مع الولايات المتحدة فإن الأكراد سيخسرون آخر ما يجمعهم بالفرقاء العراقيين، سيكون عليهم أن يقفوا خارج كل معادلة سياسية.
في حقيقتهم فإن الأكراد ليسوا متحمسين للتحالف مع أي طرف عربي من أطراف العملية السياسية، بقدر اهتمامهم في إفشال محاولة تغيير القواعد التي قامت عليها تلك العملية وأدت إلى فشلها.
يٌحسب لحيدر العبادي وهو واحد من الرابحين في الانتخابات الأخيرة أنه استطاع أثناء فترة حكمه المضطربة أن يحدث تغييرا طفيفا في قواعد تلك العملية، حين استعادت بغداد السيطرة على المناطق التي تدخل ضمن مفهوم “المتنازع عليها” الخبيث، وحين أعاد حصة الأكراد من ثروة العراق إلى نسبتها الحقيقية التي تم التلاعب بها وزيادتها في مرحلة حكم سلفه نوري المالكي.
وكما أرى فإن حزبيي الأكراد يمنون أنفسهم باستعادة تلك المكاسب غير المشروعة من خلال الحيلولة دون نشوء أغلبية برلمانية تدعو إلى التغيير وتسعى إليه برنامجا من أجل بناء عراق قوي تقوم قوته على مبدأ المواطنة وتنبعث سياسته من مبدأ السيادة الوطنية.
إن واصل الزعماء الأكراد مسعاهم في ذلك الاتجاه فإنهم يكذبون على أنفسهم، ذلك لأن شعارهم “علي وعلى أعدائي” سيرتد عليهم وحدهم.
أما إذا اختاروا الانضمام إلى التيار العراقي الحر الذي يمثله تحالف “سائرون – النصر” المتوقع فإنهم سيطلقون إشارات سعيدة تعيدهم أكرادا إلى حضن العراق، وهو ما سيعزز مكانتهم في العملية السياسية.
ليس من باب النصح ولكن من باب قول الحقيقة يمكنني التشديد على أن على الأكراد أن يحافظوا على كرديتهم من خلال التمسك بعراقيتهم. فما من بلد وهبهم حرية المواطنة مثل العراق، وما من شعب تعامل معهم بأريحية مثل عرب العراق.